المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث في وقت تخلق الجنين - موسوعة أحكام الطهارة - الدبيان - ط ٣ - جـ ٩

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الخامس في أحكام الحائض من حيث المناسك

- ‌المبحث الأول في إحرام الحائض والنفساء في الحج والعمرة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌المبحث الثاني في اشتراط الطهارة للطواف

- ‌ الأدلة على اشتراط الطهارة من الحيض والحدث الأصغر:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس على اشتراط الطهارة

- ‌الدليل السادس:

- ‌ دليل من قال الطهارة واجبة ويصح الطواف بدونها وتجبر بدم:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌ الراجح من هذه الأقوال:

- ‌المبحث الثالث في الحائض إذا اضطرت للطواف

- ‌ أدلة من قال: تسقط الطهارة بالعجز ويصح طوافها:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌المبحث الرابع في سعي الحائض بين الصفا والمروة

- ‌المبحث الخامس في المرأة تحيض قبل طواف العمرة وتخشى فوات الحج

- ‌ دليل الحنفية على رفض العمرة:

- ‌الدليل الأول:

- ‌ دليل الجمهور على أن الحائض تحرم بالحج وتصير قارنة:

- ‌‌‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌المبحث السادس طواف الوداع يسقط عن الحائض

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌ الدليل على رجوع زيد وابن عمر عن قولهما:

- ‌ دليل عمر على وجوب طواف الوداع على الحائض:

- ‌المبحث السابع إذا نفرت الحائض قبل طواف الوداع

- ‌ دليل من قال لا يلزمها الرجوع إذا بلغت مسافة القصر:

- ‌ دليل من علق الرجوع ما لم تفارق البنيان:

- ‌ دليل من علق الرجوع ما لم تفارق الحرم:

- ‌المبحث الثامن لا يستحب للحائض والنفساء الدعاء عند باب المسجد الحرام

- ‌المبحث التاسع طواف الوداع للمستحاضة

- ‌الباب السادس في أحكام الحائض من حيث العلاقات الزوجية

- ‌الفصل الأول في وطء الحائض

- ‌المبحث الأول في تحريم وطء الحائض في فرجها

- ‌المبحث الثاني في مباشرة الحائض فيما بين السرة والركبة

- ‌ أدلة الجمهور على تحريم المباشرة من تحت الإزار

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع:

- ‌الدليل الثامن:

- ‌ أدلة القائلين لا يحرم من الحائض إلا الفرج خاصة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌ دليل من قال يستحب أن يباشرها من فوق الإزار ولا يجب:

- ‌ دليل من قال: يجوز مباشرة ما تحت الإزار إن وثق بضبط نفسه:

- ‌المبحث الثالث في الاستمتاع بما تحت الإزار بالنظر واللمس

- ‌المبحث الرابع في كفارة من جامع امرأته وهي حائض

- ‌ دليل القائلين بأ نه لا يجب عليه إلا التوبة والاستغفار:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌ دليل القائلين باستحباب الكفارة:

- ‌ دليل القائلين إن كان الدم كذا فدينار أو كذا فنصف دينار:

- ‌ دليل من قال: هو مخير بين دينار ونصف دينار:

- ‌ دليل من قال: عليه خمسا دينار:

- ‌ دليل من قال: يعتق نسمه أو قال: عليه كفارة من جامع في نهار رمضان:

- ‌المبحث الخامس في تصديق الرجل زوجه إذا أخبرته بأنها حائض

- ‌المبحث السادس في كفر من استحل جماع الحائض في فرجها

- ‌المبحث السابع جماع الحائض من اللمم وليس من الكبائر

- ‌ دليل الحنفية والشافعية على أن جماع الحائض كبيرة:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌ دليل الحنابلة بأن وطء الحائض ليس كبيرة:

- ‌المبحث الثامن في وجوب الكفارة على من جامع الحائض جاهلً أو ناسيًا

- ‌المبحث التاسع إخراج القيمة في كفارة جماع الحائض

- ‌المبحث العاشر في لزوم المرأة كفارة جماع الحائض

- ‌الفصل الثانيفي طلاق الحائض

- ‌ أدلة الجمهور على وقوع الطلاق:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع:

- ‌الدليل الثامن:

- ‌ أدلة القائلين بأن طلاق الحائض لا يقع:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع:

- ‌الدليل الثامن:

- ‌الدليل التاسع:

- ‌الدليل العاشر:

- ‌الفصل الثالث في الخلع وقت الحيض

- ‌المبحث الأول‌‌ تعريف الخلع

- ‌ تعريف الخلع

- ‌المبحث الثاني في حكم الخلع

- ‌ دليل القول بأنه لا يجوز:

- ‌ دليل من قال: لا يحل الخلع إلا في حالة الزنا:

- ‌المبحث الثالث في صحة خلع الحائض

- ‌ دليل من قال: الخلع طلاق مطلقًا نوى أو لم ينو

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع:

- ‌ أدلة القائلين بأن الخلع فسخ:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌ دليل من قال الخلع فسخ إلا إن نوى به الطلاق:

- ‌الدليل الأول: الإجماع

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث: من النظر:

- ‌الباب السابع في أحكام المستحاضة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول في تعريف الاستحاضة

- ‌المبحث الثاني في الفرق بين دم الحيض والاستحاضة

- ‌الفصل الأول في المستحاضة المبتدأة

- ‌المبحث الأول في تعريف المبتدأة ومتى تكون مستحاضة

- ‌المبحث الثاني في حكم المستحاضة المبتدأة

- ‌الفرع الأول في المستحاضة المبتدأة إذا كانت مميزة

- ‌ دليل الحنفية: بأنها تجلس عشرة أيام فقط:

- ‌ دليل الجمهور على العمل بالتمييز:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌ دليل أبي يوسف على وجوب الاغتسال بعد ثلاثة أيام والصيام والقضاء:

- ‌الفرع الثاني في المستحاضة المبتدأة إذا كانت غير مميزة

- ‌ دليل من قال تجلس عشرة أيام:

- ‌ دليل من قال: تجلس خمسة عشر يومًا:

- ‌ دليل من قال: تقعد أيام لداتها:

- ‌ دليل من قال: تقعد أيام لداتها ثم تستظهر بثلاثة أيام:

- ‌ دليل من قال: تجلس يومًا وليلة:

- ‌ دليل من قال تجلس ستة أيام أو سبعة أيام غالب عادة النساء:

- ‌الفصل الثانيفي تقدير طهر المستحاضة المبتدأة

- ‌ دليل من قدر الحيض والطهر في الشهر مرة واحدة:

- ‌ دليل من قدر طهر المستحاضة بستة عشر يومًا:

- ‌ دليل من قدر طهر المستحاضة بثلاثة وعشرين أو أربعة وعشرين يومًا:

- ‌ دليل المالكية على أن الطهر يستمر إلى إقبال دم جديد:

- ‌ الراجح من هذه الأقوال:

- ‌الفصل الثالثفي المستحاضة المعتادة

- ‌المبحث الأول في المستحاضة المعتادة المميزة

- ‌ دليل من قال: تعمل المستحاضة بالعادة دون التمييز:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع:

- ‌الدليل الأول

- ‌ دليل من قال: تعمل بالتمييز ولا عبرة بالعادة:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌ دليل المالكية على أن المميزة تجلس منه قدر عادتها وغير المميزة طاهر أبدًا:

- ‌ القول الراجح:

- ‌المبحث الثاني في المستحاضة المعتادة غير المميزة

- ‌ دليل الجمهور على اعتبار العادة:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌ دليل من قال: تجلس عادتها وتستظهر بثلاثة أيام:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني من القياس:

- ‌ دليل من قال: تقعد المستحاضة المعتادة خمسة عشر يومًا:

- ‌الفصل الرابعفي المرأة المستحاضة المتحيرة

- ‌المبحث الأول في المستحاضة المتحيرة بالعدد

- ‌المبحث الثاني في المستحاضة المتحيرة بالوقت فقط

- ‌المبحث الثالث في المتحيرة في العدد والوقت

- ‌ الدليل على هذا العنت والتشديد

- ‌الفصل الخامس في طهارة المستحاضة

- ‌المبحث الأول في وجوب الوضوء من دم الاستحاضة

- ‌ دليل القائلين بوجوب الوضوء لكل صلاة:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌ دليل القائلين بوجوب الوضوء لوقت كل صلاة:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌ دليل الشافعية على وجوب الوضوء لكل فريضة دون النافلة:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الفرع الأول في غسل فرج المستحاضة عند الوضوء

- ‌ أدلة الحنفية على وجوب الاستنجاء وغسل الفرج من دم الاستحاضة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الفرع الثاني في شد عصابة الفرج عند الوضوء

- ‌ الأدلة على وجوب التلجم والتحفظ:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الفصل السادسفي وجوب الغسل على المستحاضة

- ‌ أدلة من قال يجب عليها الغسل لكل صلاة:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌ أدلة من قال تغتسل لكل صلاتين مجموعتين وتغتسل للفجر غسلًا واحدًا:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌ دليل من قال: تغتسل في كل يوم غسلًا واحدًا:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌ دليل من قال: تغتسل من الظهر إلى الظهر:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الفصل السابعفي وطء المستحاضة

- ‌ أدلة الجمهور على جواز وطء المستحاضة:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌ دليل من منع وطء المستحاضة:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌ دليل من قال بالكراهة:

- ‌الباب الثامن في أحكام النفاس

- ‌التمهيد في تعريف النفاس

- ‌الفصل الأولبأي شيء يثبت حكم النفاس

- ‌الفصل الثانيفي أحكام السقط

- ‌المبحث الأول في أسباب الإسقاط

- ‌المبحث الثاني في الحكم التكليفي للإجهاض

- ‌الفرع الأول في الإجهاض بعد نفخ الروح

- ‌ الأدلة على تحريم الإسقاط بعد نفخ الروح:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌ الدليل على أن نفخ الروح يكون بعد تمام أربعة أشهر:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الفرع الثاني في الإجهاض قبل نفخ الروح

- ‌ أدلة القائلين بتحريم إسقاط النطفة:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌ دليل من أباح إسقاط النطفة:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌ دليل من قال: يجوز إسقاط الجنين قبل التخلق:

- ‌ دليل من قال: يجوز إسقاط الجنين قبل أن ينفخ فيه الروح:

- ‌الفرع الثالث في الإجهاض للضرورة بعد نفخ الروح

- ‌ دليل القائلين بجواز إسقاط الجنين إنقاذًا لآمه:

- ‌المبحث الثالث في وقت تخلق الجنين

- ‌الفصل الثالثفي حكم الدم النازل مع الولادة

- ‌ دليل من لم يعتبره نفاسًا:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الفصل الرابعفي الدم الذي تراه الحامل قبل الولادة

- ‌ دليل الحنابلة على أن الدم قبل الولادة بيوم أو يومين نفاس:

- ‌الفصل الخامسفي النقاء المتخلل بين الدمين

- ‌القول الأول: في مذهب الحنفية قولان:

- ‌القول الثاني:مذهب المالكية في النفاس المتقطع

- ‌القول الثالث:ذهب الشافعية

- ‌القول الرابع:في المذهب الحنبلي روايتان:

- ‌القول الخامس:قال أبو ثور:

- ‌ الراجح من هذه الأقوال:

- ‌الفصل السادسفي المرأة تلد ولم تر دمًا

- ‌ دليل من قال: لا يجب الغسل:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الفصل السابعفي جماع النفساء إذا طهرت قبل الأربعين

- ‌ دليل الجمهور على إباحة الوطء:

- ‌‌‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌ دليل الحنابلة على كراهة الوطء:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌ دليل من قال: يحرم الوطء:

- ‌الفصل الثامنفي أقل النفاس

- ‌ أدلة الجمهور على أن النفاس لا حد لأقله:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الفصل التاسعفي أكثر مدة النفاس

- ‌ أدلة من قال: أكثر النفاس أربعون:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع:

- ‌الدليل الثامن:

- ‌الدليل التاسع:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌ أدلة القائلين بأن أكثر النفاس ستون

- ‌الدليل الثالث:

- ‌ دليل من قال لا حد لأكثر النفاس:

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الفصل العاشرفي ابتداء مدة النفاس إذا وضعت توأمين

- ‌ دليل من قال: ابتداء النفاس من الأول:

- ‌ دليل من قال: ابتداء النفاس من الولد الثاني:

- ‌ دليل من قال: ابتداؤه من الأول وتستأنف المدة من الثاني:

- ‌ الراجح من هذه الأقوال:

- ‌الفصل الحادي عشرفي الأحكام المترتبة على النفاس

الفصل: ‌المبحث الثالث في وقت تخلق الجنين

‌المبحث الثالث في وقت تخلق الجنين

مدخل في ذكر الضابط الفقهي:

• تخلق الجنين منها ما هو خفي دل عليه حديث حذيفة ويكون بعد الأربعين، ومنه ما هو ظاهر دل عليه حديث ابن مسعود، ويكون في طور المضغة، والله أعلم.

[م-800] متى يبدأ الجنين بالتخلق.

ورد في كتاب الله وفي سنة رسول الله المراحل التي يمر بها الجنين.

أما الكتاب، فقوله تعالى:(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون: 12، 13، 14].

وقال سبحانه: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ

ص: 385

وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [الحج: 5].

وقال سبحانه: (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)[الزمر: 6].

فقوله سبحانه: خلقًا من بعد خلق إشارة إلى الأطوار التي يمر بها الجنين.

وقال سبحانه: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[غافر: 67].

وقال سبحانه وتعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ)[الإنسان: 2].

وقال: (خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ)[العلق: 2].

(أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى) [القيامة: 37، 38].

(2027 - 487) ومن السنة ما رواه البخاري من طريق الأعمش، عن زيد بن وهب،

قال عبد الله: حدثنا رسول الله -وهو الصادق المصدوق- قال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع، فيسبق عليه كتابه، فيعمل بعمل أهل النار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة

(1)

.

(2028 - 488) وروى مسلم من طريق ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن

(1)

البخاري (3208)، ومسلم (2643).

ص: 386

أبي الزبير المكي أن عامر بن واثلة حدثه،

أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول: الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره، فأتى رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له حذيفة بن أسيد الغفاري، فحدثه بذلك من قول ابن مسعود، فقال: وكيف يشقى رجل بغير عمل؟ فقال له الرجل: أتعجب من ذلك؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها، وخلق سمعها وبصرها، وجلدها، ولحمها، وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضى ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب أجله؟ فيقول ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب رزقه؟ فيقضى ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص

(1)

.

(1)

مسلم (2645). قال القاضي عياض وغيره: ليس هو على ظاهره، ولا يصح حمله على ظاهره، بل المراد بتصويرها

. إلخ أنه يكتب ذلك ثم يفعله في وقت آخر؛ لأن التصوير عقب الأربعين الأولى غير موجود في العادة وإنما يقع في الأربعين الثالثة، وهي مدة المضغة اهـ. كما في الديباج على صحيح مسلم (6/ 8). يقصد حديث ابن مسعود إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكًا

إلخ.

وحجة القاضي عياض أن الحديث فيه: (ويكتب الملك)، إلا أن الكتابة التي احتج بها القاضي عياض إنما هي للأمور المستقبلية كالأجل، والرزق، وأما التخليق فقد عبر عنه بصيغة الماضي، بعث الله إليها ملكًا، فصورها، وخلق سمعها، وبصرها، وجلدها، ولحمها، وعظمها

وقد اطلعت على كتاب يصور مراحل الجنين، وكان يكبر العلقة، والمضغة عشرات المرات فكان يظهر فيها تخطيط، وحدود للجمجة والأعضاء إلا أنه لا يتبين أنه خلق آدمي، وإنما هو خلق بدائي، فربما التخلق الذي في حديث حذيفة هو التخلق الخفي الذي لا يظهر بالعين المجردة وإنما عن طريق التكبير عشرات المرات، والمقصود في حديث ابن مسعود هو التخلق الجلي الذي يظهر لكل الناس. والله أعلم. ثم وجدت من كلام أهل العلم ما يؤيد هذا، قال ابن القيم كما في فتح الباري: قوله «ثم تكون علقة مثل ذلك» فإن العلقة وإن كانت قطعة دم لكنها في هذه الأربعين الثانية تنتقل عن صورة المني، ويظهر التخطيط فيها ظهورًا خفيًا على التدريج، ثم يتصلب في الأربعين يومًا بتزايد ذلك التخلق شيئًا فشيئًا حتى يصير مضغة مخلقة ويظهر للحس ظهورًا لا خفاء به، وعند تمام الأربعين الثالثة والطعن في الأربعين الرابعة ينفخ فيه الروح.

ص: 387

وسوف يكون كلامنا في تناول هذه الآيات، والحديثين.

فقد ذكر الله سبحانه وتعالى أطوار خلق الإنسان، فبين أن ابتداء خلقه من تراب، فالتراب هو الطور الأول.

والطور الثاني: هو النطفة.

والنطفة في اللغة: هو الماء القليل. ومنه قول الشاعر

وما عليك إذا أخبرتني دنفًا

وغاب بعلك يومًا أن تعوديني

وتجعلي نطفة في القعب باردة

وتغمسي فاك فيها ثم تسقيني

فقوله: وتجعلي نطفة: أي ماء قليلًا في القعب، والمراد بالنطفة في هذه الآية الكريمة: نطفة المني المختلطة من ماء الرجل، وماء المرأة خلافًا لمن زعم أنها من ماء الرجل وحده.

قال الزبيدي في تاج العروس: في التنزيل: (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ) قال الفراء: الأمشاج: هي الأخلاط: ماء الرجل، وماء المرأة، والدم والعلقة

(1)

.

وقال ابن السكيت: الأمشاج: الأخلاط. يريد النطفة؛ لأنها ممتزجة من أنواع، ولذلك يولد الإنسان ذا طبائع مختلفة

(2)

.

(1)

ونقل البخاري هذا الكلام في صحيحه في تفسير سورة الإنسان (8/ 884) غير منسوب، وأوضح ابن حجر أن هذا الكلام للفراء. والله أعلم

(2)

تاج العروس (3/ 487). وذكر ابن جرير الطبري في تفسيره (12/ 354 ـ 356): أربعة معان للنطفة الأمشاج، ورجح أن تكون الأمشاج بمعنى الأخلاط.

قال ابن جرير الطبري في تفسيره

وقوله: (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ) يقول تعالى ذكره: إنا خلقنا ذرية آدم من نطفة، يعني: من ماء الرجل وماء المرأة. والنطفة: كل ماء قليل في وعاء كان ذلك ركية أو قربة أو غير ذلك كما قال عبد الله بن رواحة:

....................

هل أنت إلا نطفة في شنه

وقوله (أمشاج) يعني أخلاط، واحدها: مشج، ومشيج، مثل خدن وخدين =

ص: 388

وقال الشنقيطي: قوله تعالى: (خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ)[النحل: 4]، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه خلق الإنسان من نطفة، وهي مني الرجل ومني المرأة؛ بدليل قوله تعالى:(إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ)[الإنسان: 2]، أي أخلاط من ماء الرجل وماء المرأة

(1)

.

= ومنه قول رؤبة بن العجاج:

يطرحن كل معجل نشاج

لم يكس جلدا في دم أمشاج

يقال منه: مشجت هذا بهذا إذا خلطته به، وهو ممشوج به ومشيج أي مخلوط به، كما قال أبو ذؤيب:

كأن الريش والفوقين منه

خلال النصل سيط به مشيج

واختلف أهل التأويل في معنى الأمشاج الذي عنى بها في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة، ونسب الطبري هذا القول إلى ابن عباس وعكرمة، والربيع، والحسن، ومجاهد.

القول الثاني: قال آخرون: إنما عنى بذلك إنا خلقنا الإنسان من نطفة ألوان ينتقل إليها، يكون نطفة، ثم يصير علقة، ثم مضغة ثم عظما ثم كسي لحما، ونسب هذا القول لابن عباس، وعكرمة.

القول الثالث: وقال آخرون عني بذلك اختلاف ألوان النطفة.

ونسب هذا القول لابن عباس، ومجاهد.

القول الرابع: قال آخرون بل هي العروق التي تكون في النطفة، ونسب هذا القول لابن مسعود، وزيد بن ثابت.

قال الطبري: وأشبه هذه الأقوال بالصواب قول من قال معنى ذلك من نطفة أمشاج نطفة الرجل ونطفة المرأة لأن الله وصف النطفة بأنها أمشاج وهي إذا انتقلت فصارت علقة فقد استحالت عن معنى النطفة فكيف تكون نطفة أمشاجا، وهي علقة، وأما الذين قالوا: إن نطفة الرجل بيضاء، وحمراء، فإن المعروف من نطفة الرجل أنها سحراء على لون واحد وهي بيضاء تضرب إلى الحمرة وإذا كانت لونا واحدا لم تكن ألوانا مختلفة وأحسب أن الذين قالوا هي العروق التي في النطفة قصدوا هذا المعنى». وانظر هذه الأقوال أيضًا في تفسير أبي السعود (9/ 70)، وتفسير السيوطي (8/ 368)، وتفسير القرطبي (19/ 120)، وزاد المسير (8/ 428).

(1)

أضواء البيان (2/ 330). ويقول د. محمد علي البار في كتابه: خلق الإنسان بين الطب والقرآن (ص: 185 - 192): «لم تكن البشرية تعرف شيئًا عن النطفة الأمشاج ـ يقصد عن طريق علومها التجريبية ـ (وهي الأخلاط من الذكر والأنثى) فقد كان الاعتقاد السائد لدى الفلاسفة، والأطباء أن الجنين الإنساني إنما يتكون من ماء الرجل، وإن رحم المرأة ليس إلا محضنًا لذلك الجنين، وشبهوا ذلك بالبذرة ترمى في الأرض فتأخذ منها غذاءها، وتخرج شجرة يافعة وارفة الظلال يانعة الثمار، وليس للمرأة دور في إيجاد الجنين سوى رعايته وتغذيته ..

ثم ذكر نظريات الناس حول إيجاد الجنين من وقت أرسطو إلى القرن التاسع عشر، وقال بعد عرضه لها:

وهكذا يبدو بوضوح أن الإنسانية لم تعرف بواسطة علومها التجريبية أن الجنين الإنساني أو الحيواني يتكون من امتشاج واختلاط نطفة الذكر ونطفة الأنثى إلا في القرن التاسع عشر، ولم يتأكد لها ذلك إلا في القرن العشرين، والإعجاز في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة أنهما قد أكدا بما لا يدع مجالًا للشك أن الإنسان إنما خلق من نطفة مختلطة سماها النطفة الأمشاج (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) [الإنسان: 2].

ص: 389

وقال صاحب الدر المنثور بعد ذكر بعض الروايات في تفسير الأمشاج بالأخلاط من ماء الرجل وماء المرأة. وأخرج الطستي عن ابن عباس: أن نافع ابن الأزرق

(1)

، قال: أخبرني عن قوله: (مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ) قال: أخلاط ماء الرجل وماء المرأة إذا وقع في الرحم. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت أبا ذؤيب وهو يقول:

كأن الريش والفوقين منه

* * *

خلال النصل خالطه مشيج

ونسب في اللسان هذا البيت لزهير بن حرام الهذلي، وأنشده هكذا:

كأن النصل والفوقين منها * * *

خلال الريش سيط به مشيج

حتى قال: إذا عرفت معنى ذلك، فاعلم أنه تعالى بين أن ذلك الماء هو النطفة، منه ما هو خارج من الصلب: وهو ماء الرجل. ومنه ماهو خارج من الترائب، وهو

(1)

نافع بن الأزرق الحروري، له ترجمة في لسان الميران (6/ 144)، وقال: ذكره الجوزجاني في كتاب الضعفاء. وكان نافع من رؤوس الخوارج، وإليه تنسب الطائفة الأزارقة، وكان قد خرج في أوائل دولة يزيد بن معاوية، وكان قتله في جمادى الآخرة، سنة خمس وستين، وكان يطلب العلم وله أسئلة عن ابن عباس، في جزء من روايته عن نافع المذكور، وأخرج الطبراني بعضها في مسند ابن عباس من المعجم الكبير.

ص: 390

ماء المرأة

(1)

،

وذلك في قوله جل وعلا:

(فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) [الطارق: 5 - 7]، لأن المراد بالصلب: صلب الرجل، وهو ظهره، والمراد: بالترائب: ترائب المرأة، وهي موضع القلادة منها

(2)

.

(1)

يقول د. محمد علي البار في كتابه: خلق الإنسان بين الطب والقرآن (ص: 120 ـ 122): الماء الذي يخرج من فرج المرأة لا علاقة له بتكوين الجنين؛ لأن الجنين إنما يتكون من الحيوان المنوي للرجل، وبويضة المرأة، ولكن العلم الحديث يكشف شيئًا مذهلًا: أن الحيوان المنوي يحمله ماء دافق: هو ماء المني.

كذلك البويضة في المبيض تكون في حويصلة جراف، محاطة بالماء، فإذا انفجرت الحويصلة تدفق الماء على أقتاب البطن، وتلقفت أهداب البوق (قناة فالوب) البويضة لتدخلها إلى قناة الرحم، حيث تلتقي بالحيوان المنوي لتكون النطفة الأمشاج.

مما تقدم، أن للمرأة نوعين من الماء:

أولهما: ماء لزج، يسيل ولا يتدفق، وهو ماء المهبل، وليس له علاقة في تكوين الجنين سوى مساعدته في الإيلاج، وفي ترطيب المهبل، وتنظيفه من الجراثيم والميكروبات.

وثانيهما: ماء يتدفق، وهو يخرج مرة واحدة في الشهر من حويصلة جراف بالمبيض عندما تقترب هذه الحويصلة المليئة بالماء الأصفر ـ وفي صحيح مسلم من حديث ثوبان: أن ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر ـ من حافة المبيض، فتنفجر عند تمام نموها وكماله، فتندلق المياه على أقتاب البطن، ويتلقف البوق، البويضة، فيدفعها دفعًا رقيقًا حتى تلتقي بالحيوان المنوي الذي يلقحها في الثلث الوحشي من قناة الرحم.

هذا الماء يحمل البويضة تمامًا كما يحمل ماء الرجل الحيوانات المنوية. كلاهما يتدفق، وكلاهما يخرج من بين الصلب والترائب: ماء دافق يحمل الحيوانات المنوية.

وماء دافق من حويصلة إجراف بالمبيض يحمل البويضة. وصدق الله العظيم حيث يقول: (فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ).

(2)

اختلف في الترائب: هل المراد بها ترائب المرأة، أم المراد بها ترائب الرجل، والعلم الطبي يؤكد أن المراد بها ترائب الرجل والمرأة.

قال ابن القيم في إعلام الموقعين (1/ 158): «ولا خلاف أن المراد بالصلب: صلب الرجل. واختلف في الترائب:

فقيل: المراد بها ترائبه أيضًا. وهي عظام الصدر: ما بين الترقوة إلى الثندوة. =

ص: 391

ومنه قول امرئ القيس:

مهفهفة بيضاء غير مفاضة

ترائبها مصقولة كالسجنجل

واستشهد ابن عباس لنافع الأزرق على أن الترائب موضع القلادة بقول المخبل أو ابن أبي ربيعة:

والزعفران على ترائبها

شرقًا به اللبات والبحر

فقوله هنا من بين الصلب والترائب يدل على أن الأمشاج هي الأخلاط المذكورة

(1)

.

= وقيل: المراد بها ترائب المرأة. قال ابن القيم: والأول: أظهر؛ لأنه سبحانه وتعالى قال (مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) ولم يقل: يخرج من الصلب والترائب، فلا بد أن يكون ماء الرجل خارجًا من بين هذين الملتقين، كما قال في اللبن:(مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ). وذكر نحو هذا في التبيان في أقسام القرآن (ص: 102 - 103).

وذكر القرطبي في تفسيره، والثعالبي في تفسيره (4/ 402): عن الحسن البصري بأنه يخرج من صلب الرجل وترائبه، وصلب المرأة وترائبها.

يقول د. محمد البار: الخصية والمبيض إنما يتكونان من الحدبة التناسلية بين صلب الجنين وترائبه، والصلب: هو العمود الفقري. والترائب: هي الأضلاع. وتتكون الخصية والمبيض في هذه المنطقة بالضبط: أي بين الصلب والترائب، ثم تنزل الخصية تدريجيًا حتى تصل إلى كيس الصفن (خارج الجسم) في أواخر الشهر السابع من الحمل، وبينما ينزل المبيض إلى حوض المرأة، ولا ينزل أسفل من ذلك».

ثم يقول الدكتور وفقه الله: والآية الكريمة إعجاز علمي كامل حيث تقول: من بين الصلب والترائب، ولم تقل من الصلب والترائب، فكلمة (بين) ليست بلاغة فحسب، وإنما تعطي الدقة العلمية المتناهية، وقد أخطأ كثير من المفسرين القدامى حيث لم يهتموا بهذه اللفظة، وقالوا: إن المني يخرج من صلب الرجل، وماء المرأة يكون في ترائبها، وهذا خطأ علمي، وخطأ منهجي؛ حيث لم يعطوا الآية حقها فحذفوا كلمة (بين) ولذا وقعوا في الخطأ، والذي أوجب لهم هذا الخطأ أنهم رأوا أهل اللغة قالوا: الترائب: موضع القلادة من الصدر. قال الزجاج: أهل اللغة مجمعون على ذلك، وهذا لا يدل على اختصاص الترائب بالمرأة، بل يطلق على الرجل والمرأة. قال الجوهري: الترائب عظام الصدر، ما بين الترقوة إلى الثندوة

إلخ كلامه وفقه الله. انظر كتابه الإنسان بين الطب والقرآن (ص: 113 - 119).

(1)

أضواء البيان (3/ 213).

ص: 392

أما رأي الطب: في النطفة الأمشاج:

يذكر الأطباء أنه فور دخول الحيوان المنوي البويضة، يأخذ الحيوان المنوي طريقه إلى الطبقة الشفافة، فيفرز إنزيم الأكروزين (ACROSIN) الذي يساعد على اختراق هذه الطبقة (15 ـ 25) دقيقة، بعدها يخترق الغشاء البلازيمي للبويضة في دقيقة واحدة، وينطلق رأس الحيوان المنوي صوب نواة البويضة، وينتفخ رأس الحيوان المنوي، وتصبح المادة الوراثية لكل من الأب والأم واضحة في النواة بعد (2 ـ 4) ساعات من الاقتحام، ولا يمكن التمييز بينهما حينئذ. وتسمى هذه النطفة التي تنشأ عن اختلاط نواتي البويضة والحيوان المنوي بالأمشاج، وذلك لأن الأمشاج يعني: الاختلاط

(1)

.

الطور الثالث: العلقة.

وهي القطعة من العلق، وهو الدم الجامد. فقوله سبحانه: (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ أي قطعة دم جامدة

(2)

.

وقال الزبيدي: العلق: الدم عامة ما كان. أو هو الشديد الحمرة، أو الغليظ. أو الجامد قبل أن ييبس. قال تعالى:(خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ)[العلق: 2]. وفي حديث سرية بني سليم: فإذا الطير ترميهم بالعلق. أي بقطع الدم.

وفي التنزيل (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً)[المؤمنون: 14]، وفي حديث ابن أبي أوفى:

(1)

بتصرف، الإيات العجاب في رحلة الإنجاب (ص: 84). وانظر بتوسع كتاب الإنسان هذا الكائن العجيب (1/ 101)، ويذكر المؤلف أن البويضة قلما تعيش أكثر من 36 ساعة بعد خروجها من المبيض، ونطفة الرجل تحتاج من 7 - 30 ساعة للوصول إلى البويضة لتلقيحها. وانظر روعة الخلق (ص: 50).

(2)

انظر تفسير أبي السعود (6/ 93، 126)، وتفسير القرطبي (12/ 6)، (20/ 119)، وتفسير ابن كثير (3/ 241)، وأضواء البيان (5/ 21)، وانظر مختار الصحاح (ص: 189).

ص: 393

(أنه بزق علقة، ثم مضى في صلاته)

(1)

.

(2029 - 489) وروى مسلم من طريق حماد بن سلمة، حدثنا ثابت البناني،

عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه، فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعني ظئره، فقالوا: إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون.

قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره

(2)

.

قال القرطبي: «فاستخرج منه علقة» أي قطعة دم. والعلقة: الدم.

• رأي الطب في العلقة:

«اتفق الأطباء على أن العلقة هي المرحلة التي تعلق فيها النطفة الأمشاج (التوتة) بجدار الرحم، وتنشب فيه»

(3)

.

فيكون على هذا تسميتها علقة لكونها عالقة بجدار الرحم، وهذا التفسير له وجه في اللغة، جاء في تاج العروس:

العلوق: ما يعلق بالإنسان.

العَلَق: كل ما عُلِّق.

وأيضًا الطين الذي يعلق باليد.

والعلق: دويبة: وهي دويدة حمراء تكون في الماء تعلق في البدن

(1)

تاج العروس (13/ 344) وحديث سرية بني سليم، وابن أبي أوفى لم أقف عليهما مسندين، وقد ذكرهما ابن الأثير في النهاية (3/ 288). والله أعلم.

(2)

رواه مسلم (261 ـ 162).

(3)

خلق الإنسان بين الطب والقرآن (ص: 204).

ص: 394

فقوله: تعلق في البدن إشارة إلى المناسبة من تسميتها علقة.

وعلقت الدابة: شربت الماء فعلقت بها العلقة. كما في الصحاح: أي لزمتها، وقيل: تعلقت بها.

وعُلِقَ: نشب العلق في حلقه عند الشراب.

العلائق من الصيد: ما علق الحبل برجلها

(1)

.

يقول الدكتور محمد البار: فلفظ العلقة يطلق على كل ما ينشب ويعلق .. وكذلك تفعل العلقة إذ تنشب في جدار الرحم، وتنغرز فيه .. وتكون العلقة محاطة بالدم من كل جهاتها، وإذا عرفنا أن حجم العلقة عند انغرازها لا يزيد على مليمتر أدركنا على الفور لماذا أصر المفسرون القدامى على أن العلقة هي الدم الغليظ

فالعلقة لا تكاد ترى بالعين المجردة، وهي مع ذلك محاطة بالدم من كل جهاتها، فتفسير العلقة بالدم الغليظ ناتج عن الملاحظة بالعين المجردة

(2)

، ولم يبعد بذلك المفسرون القدامى عن الحقيقة كثيرًا، فالعالقة بجدار الرحم، والتي لا تكاد ترى بالعين المجردة محاطة بدم غليظ يراه كل ذي عينين.

وينتهي الدكتور إلى أن العلقة تنشب في الرحم وتعلق فيه في اليوم السابع من التلقيح بعد أن تكون انقسمت الخلايا فيها، وصارت مثل الكرة تمامًا أو مثل ثمرة التوتة، وقد فصلت القول فيها فيما سبق

(3)

.

(1)

انظر تاج العروس (13/ 344 ـ 354)، مختار الصحاح (ص: 189).

(2)

لا يظهر لي أن تفسير العلماء ناتج عن الملاحظة بالعين المجردة، بل ناتج عن استعمال أحد معاني الكلمة، فالعلقة باللغة تطلق على الدم، وتطلق على مايعلق، فالمفسرون اختاروا أحد معاني الكلمة، ولم يطبق المفسرون على هذا التفسير، فقد ذكر ابن الجوزي في زاد المسير المسمى علم التفسير: وقيل: سميت علقة لرطوبتها، وتعلقها بما تمر به» وقد نقله الدكتور البار في كتابه فيما سبق.

(3)

خلق الإنسان بين الطب والقرآن (ص: 205 ـ 206).

ص: 395

الطور الرابع: المضغة.

اختلفوا في معنى المضغة:

فقيل: هي القطعة الصغيرة من اللحم، على قدر ما يمضغه الآكل،

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله. الحديث

(1)

.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: (مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ)[الحج: 5].

قال ابن كثير: «إذا استقرت النطفة في رحم المرأة، مكثت أربعين يومًا كذلك، يضاف إليها ما يجتمع إليها، ثم تنقلب علقة حمراء بإذن الله، فتمكث كذلك أربعين يومًا، ثم تستحيل فتصير مضغة قطعة من لحم لا شكل فيها ولا تخطيط، ثم يشرع في التشكيل والتخطيط، فيصور منها رأس، ويدان، وصدر وبطن، وفخذان، ورجلان، وسائر الأعضاء. فتارة تسقطها المرأة قبل التشكيل والتخطيط، وتارة تلقيها وقد صارت ذات شكل وتخطيط، ولهذا قال تعالى:(ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ)[الحج: 5]، أي كما تشاهدونها، (لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى) [الحج: 5]، أي وتارة تستقر في الرحم لا تلقيها المرأة، ولا تسقطها، كما قال مجاهد في قوله تعالى:(مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) قال: هو السقط مخلوق، وغير مخلوق، فإذا مضى عليها أربعون يومًا وهي مضغة أرسل الله تعالى ملكًا فنفخ فيها الروح، وسواها كما يشاء الله عز وجل من حسن، وقبح، وذكر وأنثى، وكتب رزقها وأجلها، وشقي أو سعيد كما ثبت في الصحيحين. وذكر حديث ابن مسعود السابق

(2)

.

(1)

رواه البخاري (52)، قال: حدثنا أبو نعيم، حدثنا زكريا، عن عامر قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقي الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله في أرضه محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب. رواه مسلم (1599).

(2)

تفسير ابن كثير (5/ 395).

ص: 396

فنأخذ من هذا ما يلي:

أولًا: أن النطفة حتى تكون مضغة تحتاج إلى ثمانين يومًا.

وثانيًا: أن المضغة منها ما هو مخلق أي قد ظهر فيه تخطيط، وتصوير، ومنها ما هو غير مخلق. أي ليس فيه تصوير. فمعنى ذلك أن الأربعين الأولى وهي مرحلة النطفة، والأربعين الثانية، وهي مرحلة العلقة لا تخطيط فيها، إنما التخطيط في مرحلة المضغة، وهي من بعد الثمانين. ولذلك قال سبحانه وتعالى:(فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً)[المؤمنون: 14] فجعل خلق العظام وكسوها باللحم يعقب المضغة، وعبر بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب، أي ليس هناك تراخ طويل. وهو مقتضى حديث ابن مسعود في الصحيحين، حيث قال:(ثم يكون مضغة مثل ذلك): أربعين يومًا، ثم قال:(ثم ينفخ فيه الروح) وواضح أنه لا ينفخ فيه الروح إلا وقد أصبح بشرًا سويًا، كما قال تعالى:(ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ) إذًا في الأربعين الثالثة هي مرحلة التخليق والتصوير الذي يسبق نفخ الروح، والله أعلم

(1)

القول الثاني: في معنى المخلقة.

ذهب بعض العلماء إلى أن قوله: (مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) هي من صفة النطفة، قال: ومعنى ذلك: فإنا خلقناكم من تراب، ثم من نطفة مخلقة وغير مخلقة، فقالوا: فأما المخلقة فما كان من خلق سويٍ، وأما غير المخلقة فما دفعته الأرحام من النطف، وألقته قبل أن يكون خلقًا.

(2030 - 490) روى ابن جرير الطبري في تفسيره، قال: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا معاوية، عن داود بن أبي هند، عن عامر، عن علقمة،

(1)

وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (12/ 9) في معنى «مخلقة» : إذا رجعنا إلى أصل الاشتقاق فإن النطفة والعلقة والمضغة مخلقة؛ لأن الكل خلق الله تعالى، وإن رجعنا إلى التصوير الذي هو منتهى الخلقة كما قال تعالى:(ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ) فذلك ما قال ابن زيد وقد ساق قوله قبل: وهو المخلقة التي خلق الله فيها الرأس واليدين والرجلين، وغير المخلقة التي لم يخلق فيها شيء».

ص: 397

عن عبد الله، قال: إذا وقعت النطفة في الرحم، بعث الله ملكًا، فقال: يا رب مخلقة، أو غير مخلقة؟ فإن قال: غير مخلقة مجتها الأرحام دمًا، وإن قال: مخلقة، قال: يا رب فما صفة هذه النطفة؟ أذكر أم أنثى؟ ، ما رزقها؟ ما أجلها؟ أشقي أم سعيد؟ قال: فيقال له: انطلق إلى أم الكتاب، فاستنسخ منه صفة هذه النطفة، قال: فينطلق الملك، فينسخها، فلا تزال معه حتى يأتي على آخر صفتها.

[رجاله ثقات، ومثله لا يقال بالرأي، إلا أنه مخالف لما في الصحيحين من حديث ابن مسعود المرفوع]

(1)

.

القول الثالث:

ومنها أن المخلقة: هي ما ولد حيًا. وغير المخلقة: هي ما كان من سقط: يعني سواء كان مخلقًا أو غير مخلق ..

وممن روي عنه هذا القول ابن عباس رضي الله عنهما، وقال صاحب الدر المنثور: أخرجه عنه ابن أبي حاتم، وصححه ونقله عنه القرطبي. وأنشد لذلك قول الشاعر.

أفي غير المخلقة البكاء * * * فأين الحزم ويحك والحياء

(2)

.

القول الرابع: معنى مخلقة: أي تامة، وغير مخلقة غير تامة.

حكاه ابن جرير الطبري بإسناده من طريقين عن قتادة.

قال الشنقيطي في تفسير معنى: تامة وغير تامة، قال والمراد بهذا القول عند قائله أن الله جل وعلا يخلق المضغ متفاوتة، منها ما هو كامل الخلقة سالم من العيوب، ومنها ما هو على عكس ذلك. فيتبع ذلك التفاوت تفاوت الناس في خلقهم وصورهم، وطولهم، وقصرهم، وتمامهم ونقصانهم. اهـ فيكون معنى غير مخلقة: ليس السقط،

(1)

رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (24922)، وهذا الأثر على خلاف ما جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود، وما جاء في حديث مسلم من حديث حذيفة بأن الله يأمر الملك أن يكتب، ولا يحيله إلى أم الكتاب. والله أعلم.

(2)

أضواء البيان (5/ 21).

ص: 398

ولكن معناه: أي غير سالم من العيوب: الخَلْقِية وغير الخلقية.

وممن روي عنه هذا القول قتادة كما نقله عنه ابن جرير وغيره، وعزاه الرازي لقتادة والضحاك

(1)

.

القول الخامس: في معنى مخلقة وغير مخلقة.

معنى ذلك المضغة مصورة إنسانًا، وغير مصورة، فإذا صورت فهي مخلقة، وإذا لم تصور فهي غير مخلقة: وهو السقط.

ذكر ذلك ابن جرير الطبري في تفسيره من ثلاثة طرق، عن مجاهد، وحكاه عن عامر الشعبي، وعن أبي العالية

(2)

.

والفرق بينه وبين القول الأول: يتفقان أن كلا منهما كان سقطًا، إلا أن القول الأول حده بالنطفة إذا سقطت، وهذا لم يقيده، فهذا القول أعم منه. والله أعلم.

رجح ابن جرير هذا القول، فقال: وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: المخلقة: المصورة خلقًا تامًا، وغير المخلقة: السقط قبل تمام خلقه؛ لأن المخلقة وغير المخلقة من نعت المضغة، والنطفة بعد مصيرها مضغة لم يبق لها حتى تصير خلقًا سويًا إلا التصوير، وذلك هو المراد من قوله:(مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ)[الحج: 5]، خلقًا سويًا، وغير مخلقة بأن تلقيه الأم مضغة، ولا تصوير، ولا ينفخ فيها الروح

(3)

.

ورد هذا الشنقيطي رحمه الله، فقال: «هذا القول الذي اختاره الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى، لا يظهر صوابه، وفي نفس الآية الكريمة قرينة تدل على ذلك، وهي قوله جل وعلا في أول الآية:(فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ) ولأنه على القول المذكور الذي اختاره الطبري يصير المعنى: ثم خلقناكم من مضغة مخلقة وخلقناكم

(1)

أضواء البيان (5/ 21).

(2)

تفسير الطبري (9/ 110، 111).

(3)

المرجع السابق.

ص: 399

من مضغة غير مخلقة، وخطاب الناس بأن الله خلق بعضهم من مضغة غير مصورة فيه من التناقض كما ترى فافهم.

فإن قيل: في نفس الآية الكريمة قرينة تدل على أن المراد بغير المخلقة: السقط؛ لأن قوله: (وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى)[الحج: 5] يفهم منه أن هناك قسمًا آخر لا يقره الله في الأرحام إلى ذلك الأجل المسمى، وهو السقط، فالجواب: أنه لا يتعين فهم السقط من الآية؛ لأن الله يقر في الأرحام ما يشاء أن يقره إلى أجل مسمى، فقد يقره ستة أشهر، وقد يقره تسعة، وقد يقره أكثر من ذلك كيف يشاء. أما السقط فقد دلت الآية على أنه غير مراد بدليل قوله (فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم) الآية لأن السقط الذي تلقيه أمه ميتًا ولو بعد التشكيل والتخطيط لم يخلق الله منه إنسانًا واحدًا من المخاطبين بقوله:(فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ) الآية. فظاهر القرآن يقتضي أن كلًا من المخلقة وغير المخلقة يخلق منه بعض المخاطبين، بقوله:(يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ) الآية [الحج: 5]، وبذلك تعلم أن أولى الأقوال بالآية هو القول الذي لا تناقض فيه؛ لأن القرآن أنزل ليصدق بعضه بعضًا، لا ليتناقض بعضه مع بعض، وذلك هو القول الذي قدمنا عن قتادة والضحاك، وقد اقتصر عليه الزمخشري في الكشاف ولم يحك غيره، وهو أن المخلقة هي التامة وغير المخلقة هي غير التامة»

(1)

.

ولا يترجح لي ما رجحه الشيخ رحمه الله، فالذي يظهر لي أن المخلقة هي المصورة، التي ظهر فيها التخطيط، وغير المخلقة التي لا تخطيط فيها، وهي مرحلة يمر بها الجنين، ولا يلزم منه أن يكون سقطًا حتى نعترض على هذا التفسير بما ذكره الشنقيطي. فقد لا يسقط ويكون الله سبحانه وتعالى خلقنا من المضغة قبل تخليقها، كما خلقنا من النطفة والعلقة التي لا تخليق فيها. والله أعلم.

(1)

أضواء البيان (5/ 21).

ص: 400

• رأي الطب في معنى مخلقة وغير مخلقة:

مر معنا مرحلة النطفة الأمشاج، ثم العلقة: والتي فسرناها طبيًا: بما يعلق في جدار الرحم فيما بين اليوم السادس والسابع منذ التلقيح. وفي اليوم العشرين أو الحادي والعشرين تبدأ بالظهور كتلة بدنية على جانبي المحور، ثم يتولى ظهورها تباعًا فيما يعرف بالكتل البدنية وتتولى هذه الكتل بالظهور حتى ليبلغ عددها عند اكتمالها 42 إلى 45 كتلة على كل جانب من القمة إلى المؤخرة، ولا يكاد ظهورها يكتمل حتى تبدأ الكتل التي في القمة تتمايز بحيث لا تكون جميع الكتل في مستوى واحد.

ويتضح أمامنا أن المضغة somites أو الجنين ذا الكتل البدنية من اليوم العشرين أو الحادي والعشرين، وتستمر في الظهور إلى اليوم الثلاثين حيث يكون هناك 28 كتلة بدنية على كل جانب، ولا تكاد تظهر كتل جديدة حتى تكون الكتل القديمة قد تمايزت إلى قطاع عظمي، وقطاع عضلي، وقطاع جلدي.

وهكذا نرى الأسبوع الرابع (21 - 30) مخصص لظهور الكتل البدنية، والأسبوع الخامس والسادس، لتحول الكتل البدنية إلى قطاع عظمي وعضلي، والأسبوع السادس والسابع: لتكسي العظام بالعضلات.

فتكون مرحلة التخلق قد ظهرت عند تمام أربعين أو اثنين وأربعين يومًا، وهذا التقدير يتفق مع حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه في مسلم، وسوف نذكره إن شاء الله تعالى.

يقول الدكتور البار: وقد كان المفسرون القدامى يصفون المضغة بأنها مقدار ما يمضغ من اللحم، وقد ذهبت إلى ذلك في الطبعة الأولى .. ولكني بعد إعادة النظر والمناقشة أرى الآن أن وصف المضغة ينطبق تمام الانطباق على مرحلة الكتل البدنية، إذ يبدو الجنين فيها وكأن أسنانًا انغرزت فيه ولاكته، ثم قذفته

(1)

.

(1)

خلق الإنسان بين الطب والقرآن (ص: 252) هذا وقد ذكر الدكتور البار تفسيرات أخرى في حاشيته (208)، فقال في معنى مخلقة وغير مخلقة: =

ص: 401

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= إن العلقة وهي تنغرز في جدار الرحم، وتنشب فيه في اليوم السابع من التلقيح تبدأ بالتمايز إلى طبقتين:

خارجية: ووظيفتها قضم خلايا الرحم، والاتصال المباشر بالبرك الدموية الرحمية لامتصاص الغذاء منها.

وداخلية: ووظيفتها تكوين الجنين وأغشيته.

باختصار أن هناك طبقتين: مخلقة، وغير مخلقة، فالطبقة الخارجية غير مخلقة قطعًا، والداخلية مخلقة؛ لأنه يخلق منها الجنين، وأغشيته.

قال البار: وهناك وجه قوي أشار إليه الدكتور عزيز عبد العليم رئيس قسم وأستاذ جراحة الأطفال في جامعة طنطا، قال: الآية مخلقة وغير مخلقة تتحدث عن خلايا غير متميزة undiferrentiated cells وهي خلايا عميمة وجميمة، ولها قدرة بأمر بارئها وخالقها على التشكل والتحول، وهي موجودة في الجنين في مرحلة المضغة وما بعدها، وتعرف بالخلايا الميزانيكيمية mesenchymal cells ومصدرها الطبقة المتوسطة (الميزودرم)، وهذه الخلايا تتحول إلى خلايا متميزة عند تكون العظام، أو خلايا الدم الحمراء، أو البيضاء أو عندما تلتئم الجروح والكسور، ولها دور هام في الجنين والطفل، بل وفي البالغ والكبير.

هذه الخلايا غير المتميزة هي الخلايا غير المخلقة، وأما الخلايا المتميزة فهي مخلقة، وعلى ذلك فإن مخلقة وغير مخلقة هي صفة للمضغة، وما بعد المضغة حتى نهاية العمر. قال البار تعقيبًا: وهو وجه مستساغ، ودليله من علم الطب قائم، ولا يمنعه مفهوم الآية، بل يؤيده.

يقول الدكتور ليزلي في كتابه DEVEVOPMENTAL ANATOMY الطبعة السابعة (ص: 26): «وفي الجنين تتمايز الخلايا على حسب برامج زمنية مختلفة، فمنها ما يتمايز (يتخلق) بسرعة، ويسير في طريقه حثيثًا إلى نهايته المحددة المرسومة له (المقدرة) .. ومنها ما يسير ببطء في هذا التمايز .. ومنها ما يتوقف بعد المسير، ثم يواصل سير التمايز، وتبقى مجموعة من هذه الخلايا غير متمايزة إلى آخر العمر .. وتشكل بذلك الاحتياطي الذي يمكن أن يطلب في أي لحضة.

وفي كتاب مع الطب في القرآن للدكاترة عبد الحميد دياب، وأحمد قرقوز: «فطور المضغة يمر إذًا بمرحلتين: .. المرحلة الأولى: حيث لم يتشكل أي عضو أو أي جهاز وأسميها مرحلة المضغة غير المخلقة.

والمرحلة الثانية: حيث تم فيها تمييز الأجهزة المختلفة، وأسميناها: مرحلة المضغة المخلقة. وهكذا يتضح جليًا إعجاز القرآن الكريم في وصفه لطور المضغة بقوله: (ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ)، وقد اعتبر المؤلفان أن مرحلة المضغة تبدأ من الأسبوع الثالث، وتكون في هذه المرحلة غير مميزة حتى نهاية الأسبوع الرابع .. ويبدأ التمايز في بداية الأسبوع الخامس، وهو ما يؤدي إلى ظهور الأعضاء، والأجهزة، وبذلك يكون قبل مرحلة التمايز DIFFERENTIATION =

ص: 402

هذا فيما يتعلق بالآيات، بقي أن نستعرض الأحاديث التي ذكرناها.

(2031 - 491) منها حديث ابن مسعود رواه البخاري من طريق الأعمش عن زيد بن وهب،

قال عبد الله: حدثنا رسول الله -وهو الصادق المصدوق- قال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكًا فيؤمر بأربع كلمات ويقال له: اكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة

(1)

.

قال الحافظ في الفتح: «حديث ابن مسعود بجميع طرقه يدل على أن الجنين يتقلب في مائة وعشرين يومًا في ثلاثة أطوار، كل طور منها في أربعين، ثم بعد تكملتها ينفخ فيه الروح»

(2)

.

= هو المضغة غير المخلقة، وما بعد التمايز، يعتبر المضغة المخلقة. قال الدكتور البار تعليقًا: وهو قريب من المفهوم السابق الذي ذكرناه عن الدكتور عزيز عبد العليم، والذي وسع مفهومه باعتبار التمايز يستمر منذ مرحلة المضغة إلى أن يولد، ثم يستمر بعد ذلك أثناء الحياة متفاوتة حتى نهاية العمر. اهـ نقلًا من كتاب الدكتور محمد البار.

(1)

البخاري (3208)، ومسلم (2643).

(2)

فتح الباري (11/ 591)، وإليك بقية كلام الحافظ، قال رحمه الله:«وقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذه الأطوار الثلاثة من غير تقييد بمدة في عدة سور. منها في الحج، ودلت الآية على أن التخليق يكون للمضغة، وبين الحديث أن ذلك يكون فيها إذا تكاملت الأربعين، وهي المدة التي إذا انتهت سميت مضغة، وذكر الله النطفة ثم العلقة، ثم المضغة في سورة أخرى وزاد في سورة قد أفلح بعد المضغة (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً)، ثم قال: وقد رتب الأطوار في الآية بالفاء؛ لأن المراد أنه لا يتخلل بين الطورين طور آخر، ورتبها في الحديث بـ «ثم» إشارة إلى المدة التي تتخلل بين الطورين ليتكامل فيها الطور، وإنما أتى بـ ثم بين النطفة والعلقة؛ لأن النطفة قد لا تكون إنسانًا، وأتى بـ ثم في آخر الآية عند قوله:(ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً) ليدل على ما يتجدد له بعد الخروج من بطن أمه ..

ص: 403

بينما حديث حذيفة في مسلم ظاهره يعارض حديث ابن مسعود. فبداية التخلق كما أرشد إليها حديث حذيفة الغفاري يكون بعد اثنتين وأربعين ليلة،

(2032 - 492) فقد روى مسلم من طريق ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي الزبير المكي أن عامر بن واثلة حدثه،

أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول: الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيره. فأتى رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له حذيفة بن أسيد الغفاري، فحدثه بذلك من قول ابن مسعود، فقال: وكيف يشقى رجل بغير عمل؟ فقال له الرجل: أتعجب من ذلك؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا، فصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضى ربك ما شاء، ويكتب الملك ثم يقول: يا رب أجله؟ فيقول ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب رزقه؟ فيقضى ربك ما شاء ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص

(1)

.

ومر معنا رأي الأطباء بما يوافق حديث حذيفة. فقد ذكرنا عن الأطباء أن النطفة الأمشاج تبقى إلى اليوم السادس، ففي اليوم السادس أو السابع تتحول إلى علقة، بحيث تعلق في جدار الرحم.

وفي الاسبوع الرابع (21 - 30) مخصص لظهور الكتل البدنية، والأسبوع الخامس والسادس، لتحول الكتل البدنية إلى قطاع عظمي وعضلي، والأسبوع السادس والسابع: لتكسى العظام بالعضلات. وهكذا يبقى في الرحم جنينًا مخلقًا في الأسبوع السابع

(2)

.

(1)

مسلم (2645).

(2)

وهذا التقدير موافق تقريبًا ما ذكره ابن القيم قال في التبيان (ص: 336)، ونقله الحافظ في الفتح ببعض التصرف كعادته (11/ 588) ح 6594، قال ابن القيم: «اقتضت حكمة الخلاق العليم سبحانه وتعالى أن جعل داخل الرحم خشنًا كالإسفنج .. وجعل فيه طلبًا للمني وقبولًا له كطلب الأرض الشديدة العطش للماء، وقبولها له، فجعله طالبًا حافظًا، مشتاقًا إليه بالعطش،

فلذلك إذا ظفر به، ضمه، ولم يضيعه، بل يشتمل عليه أتم الاشتمال، وينضم أعظم انضمام، لئلا يفسده الهواء، فيتولى القوة والحرارة التي هناك بإذن الله ملك الرحم، فإذا اشتمل على المني، ولم يقذف به إلى خارج، استدار على نفسه وصار كالكرة في الشدة إلى تمام ستة أيام (وقد ذكرت فيما سبق عن الأطباء أن نطفة الأمشاج تبقى ستة أيام قبل أن تتحول إلى علقة) فإذا اشتد نقط نقطة في الوسط، وهو موضع القلب، ونقطة في أعلاه وهي نقطة الدماغ، وفي اليمين: وهي نقطة الكبد. ثم تتباعد تلك النقط، ويظهر بينها خطوط حمر، إلى تمام ثلاثة أيام أخر، ثم تنفذ الدموية في الجميع بعد ستة أيام أخر، فيصير ذلك خمسة عشر يومًا، ويصير المجموع سبعة وعشرين يومًا، ثم ينفصل الرأس عن المنكبين، والأطراف عن الضلوع، والبطن عن الجنبين، وذلك في تسعة أيام، فتصير ستة وثلاثين يومًا، ثم يتم هذا التمييز بحيث يظهر للحس ظهورًا بينًا في تمام أربعة أيام، فيصير المجموع أربعين يومًا تجمع خلقه، وهذا مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته:(إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا)، واكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الإجمال عن التفصيل، وهذا يقتضي أن الله قد جمع فيها خلقًا جمعًا خفيًا، وذلك الخلق في ظهور خفي على التدريج» اهـ.

ص: 404

يقول الدكتور محمد البار: في نهاية الأسبوع السادس (42) يومًا تكون النطفة قد بلغت أوج نشاطها في تكوين الأعضاء، وهي قمة المرحلة الحرجة الممتدة من الأسبوع الرابع حتى الثامن، فيكون دخول الملك في هذه الفترة تنويهًا بأهميتها، وإلا فللملك ملازمة ومراعاة بالنطفة الإنسانية في كافة مراحلها

نطفة وعلقة ومضغة، ودخوله هنا لتصويرها، وشق سمعها، وبصرها، وجلدها، ولحمها، وعظامها، ثم بعد ذلك يحدد جنس الجنين ذكرًا أم أنثى بحسب ما يؤمر به، فيحول الغدة إلى خصية أو إلى مبيض

والدليل على ذلك ما يشاهد في السقط حيث لا يمكن تمييز الغدة التناسلية قبل انتهاء الأسبوع السابع، وبداية الثامن: أي أنه لا يمكن تمييزها قبل دخول الملك لتحديد جنس الجنين ذكرًا أم أنثى كما يؤمر به من خالقها

(1)

.

(1)

خلق الإنسان بين الطب والقرآن (ص: 389).

يقول الطبيب سيف الدين السباعي في كتابه: الإجهاض بين الفقه والطب والقانون (ص: 37): «المضغة: هي المرحلة الثالثة من تكون الجنين، فبعد أن زودت المضغة بمصادر التغذية المناسبة وانفصلت خلاياها إلى وريقات ثلاث، تبدأ تلك الوريقات بالتمايز، وتصوير الأعضاء، والأجهزة، ويكون ذلك في بدء الشهر الثاني، وبينما كانت العلقة تقيس 5 مم، تصبح المضغة في نهاية الشهر الثاني 30 مم طولًا، و 11 غرامًا وزنًا.

في هذه الفترة يتشكل الجهاز العصبي والحويصلان السمعي والبصري، وتظهر مولدات الغضروف والعضلات، والأدمة ووحدات الجهاز البولي والتناسلي، والأغشية المصلية، والقلب، وجهاز الهضم، وبراعم الأطراف العلوية والسفلية، وتمر المضغة بطورين: أولهما المضغة غير المخلقة، حيث تتصور الأعضاء دون أن تظهر أي تتمايز مجموعات خلوية مختلفة، ومن ثم تتطور وتتخلق معطية الأجهزة والأعضاء، وتلك المضغة المخلقة (الطور الثاني).

وفي منتصف هذا الشهر: أي في يوم (40 - 45) تحدث تبدلات خاصة تنتقل بالجنين نقلة واسعة نحو تكونه الإنساني، فالقلب الذي كان بشكل أنبوب مغلق ابتدائي يدق دقات خفيفة، يصبح في اليوم 38 قلبًا رباعي الأجواف، يضرب ضربات عادية، ويتصل بالدوران المشيمي، إلا أن سماع دقات القلب بوسائلنا العادية لا يكون قبل الأسبوع 22 من الحمل، وكذا تتشكل العينان، والأذنان والأنف، والشفتان، وبراعم الأسنان، وبعض العضلات، وتكون اليدان قصيرتين، والساقان أقصر، إلا أنها واضحة المعالم، وهكذا تصورت وتخلقت المضغة، وهذا ما أثبته الحديث الشريف الصحيح، عن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكًا فصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها، ولحمها، وعظامها، ثم يقول: أي رب ذكر أم أنثى؟ اهـ.

ص: 405

• موقف العلماء من حديث حذيفة وحديث ابن مسعود:

إما الترجيح وإما الجمع:

قال القاضي عياض وغيره: ليس هو على ظاهره، يعني حديث حذيفة، ولا يصح حمله على ظاهره، بل المراد بتصويرها

إلخ أنه يكتب ذلك ثم يفعله في وقت آخر؛ لأن التصوير عقب الأربعين الأولى غير موجود في العادة، وإنما يقع في الأربعين الثالثة، وهي مدة المضغة. اهـ

(1)

.

قال ابن الصلاح: «أعرض البخاري عن حديث حذيفة بن أسيد، إما لكونه من رواية أبي الطفيل عنه، وإما لكونه لم يره ملتئمًا مع حديث ابن مسعود، وحديث ابن مسعود لا شك في صحته، وأما مسلم فأخرجهما معًا، فاحتجنا إلى وجه الجمع بينهما بأن يحمل إرسال الملك على التعدد، فمرة في ابتداء الأربعين الثانية، وأخرى في انتهاء الأربعين الثالثة لنفخ الروح، وأما قوله في حديث حذيفة في ابتداء الأربعين

(1)

نقلًا من الديباج على صحيح مسلم (6/ 8).

ص: 406

الثانية، فصورها، فإن ظاهر حديث ابن مسعود أن التصوير إنما يقع بعد أن تصير مضغة، فيحمل الأول على أن المراد أنه يصورها لفظًا وكتابة، لا فعلًا، أي يذكر كيفية تصويرها، ويكتبها، بدليل أن جعلها ذكرًا أو أنثى إنما يكون عند المضغة.

وقال ابن حجر متعقبًا: «وقد نوزع في أن التصوير حقيقة إنما يقع في الأربعين الثالثة بأنه شوهد في كثير من الأجنة التصوير في الأربعين الثانية، وتمييز الذكر من الأنثى، فعلى هذا فيحتمل أن يقال: أول ما يبتدئ به الملك تصوير ذلك لفظًا وكتبًا، ثم يشرع فيه فعلًا عند استكمال العلقة، ففي بعض الأجنة يتقدم ذلك، وفي بعضها يتأخر، ويكون بقي في حديث حذيفة أنه ذكر العظم واللحم، وذلك لا يكون إلا بعد أربعين العلقة

(1)

، فيقوي ما قاله عياض ومن تبعه»

(2)

.

قال ابن القيم في التبيان: فإن قيل: قد ذكرتم أن تعلق الروح بالجنين إنما يكون بعد الأربعين الثالثة، وإن خلق الجنين يجمع في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، وبينتم أن كلام الأطباء لا يناقض ما أخبر به الوحي من ذلك. فما تصنعون بحديث حذيفة بن أسيد الذي رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:

يدخل الملك في النطفة بعد أن تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة، فيقول: أي رب أشقي أم سعيد؟ فيكتبان، أي رب، ذكر أم أنثى؟ فيكتبان، ويكتب عمله، وأثره، وأجله، ورزقه، ثم يطوى الصحيفة، فلا يزاد فيها، ولا ينقص.

قيل: نتلقاه بالقبول والتصديق، وترك التحريف، ولا ينافي ما ذكرناه إذ غاية ما فيه أن التقدير وقع بعد الأربعين الثالثة، وكلاهما حق، قاله الصادق صلى الله عليه وسلم، وهذا تقدير بعد تقدير.

(1)

الثابت طبيًا خلافه كما شرحت من قبل.

(2)

فتح الباري (11/ 592) ح 6594.

ص: 407

فالأول: تقدير عند انتقال النطفة إلى أول أطوار التخليق، التي هي أول مراتب الإنسان. وأما قبل ذلك فلم يتعلق بها التخليق.

والتقدير الثاني: تقدير عند كمال خلقه ونفخ الروح، فذلك تقدير عند أول خلقه وتصويره، وهذا تقدير عند تمام خلقه وتصويره، وهذا أحسن من جواب من قال: إن المراد بهذه الأربعين التي في حديث حذيفة الأربعين الثالثة، وهذا بعيد جدًّا من لفظ الحديث، ولفظه يأباه كل الإباء، فتأمله.

فإن قيل فما تصنعون بحديثه الآخر الذي في صحيح مسلم،

(2033 - 493) فقد روى مسلم من طريق ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي الزبير المكي، أن عامر بن واثلة حدثه،

أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول: الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وعظ بغيرهـ فأتى رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له حذيفة بن أسيد الغفاري، فحدثه بذلك من قول ابن مسعود، فقال: وكيف يشقى رجل بغير عمل؟ فقال له الرجل: أتعجب من ذلك؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا، فصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضى ربك ما شاء، ويكتب الملك ثم يقول: يا رب أجله؟ فيقول ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب رزقه؟ فيقضى ربك ما شاء ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص

(1)

.

وفي لفظ آخر في الصحيح أيضًا: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين، يقول: إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة، ثم يتسور عليها الملك الذي يخلقها، فيقول: يا رب أذكر أم أنثى؟ أسوي أم غير سوي؟ ثم يقول: يا رب ما رزقه؟ وما أجله؟ وما خلقه؟

(1)

مسلم (2645).

ص: 408

ثم يجعله الله عز وجل شقيًا أم سعيدًا.

وفي لفظ آخر في الصحيح أيضًا: «أن ملكًا موكلًا بالرحم إذا أراد الله أن يخلق شيئًا بإذن الله لبضع وأربعين ليلة» ثم ذكر نحوه.

قيل: نتلقاه أيضًا بالتصديق والقبول، وترك التحريف وهذا يوافق ما أجمع عليه الأطباء من أن مبدأ التخليق والتصوير بعد الأربعين

(1)

.

فإن قيل: فكيف توفقون بين هذا، وبين حديث ابن مسعود، وهو صريح في أن النطفة: أربعين يومًا نطفة، ثم أربعين يومًا علقة، ثم أربعين يومًا مضغة .. ومعلوم أن العلقة والمضغة لا صورة فيها، ولا جلد، ولا لحم، ولا عظم

وليس بنا حاجة إلى التوفيق بين حديثه هذا وبين قول الأطباء؛ فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم معصوم، وقولهم عرضة للخطأ، ولكن الحاجة إلى التوفيق بين حديثه وحديث حذيفة المتقدم ..

قيل: لا تنافي بين الحديثين بحمد الله، وكلاهما خارج من مشكاة صادقة معصومة، وقد ظن طائفة أن التصوير في حديث حذيفة إنما هو بعد الأربعين الثالثة. وخطأ هذا ابن القيم، ثم قال: وظنت طائفة أن التصوير والتخليق في حديث حذيفة في التقدير والعلم، والذي في حديث ابن مسعود في الوجود الخارجي. والصواب يدل على أن الحد ما دل عليه الحديث من أن ذلك في الأربعين الثانية، ولكن هناك تصويران:

أحدهما: تصوير خفي، لا يظهر، وهو تصوير تقديري، كما تصور حين تفصل الثوب أو تنجر الباب: مواضع القطع، والفصل، فيعلم عليها، ويضع مواضع الفصل والوصل، وكذلك كل من يضع صورة في مادة لاسيما مثل هذه الصورة .. ينشئ فيها التصوير والتخليق على التدريج شيئًا بعد شيء، لا وهلة واحدة كما يشاهد بالعيان في التخليق الظاهر في البيضة.

(1)

في كلام ابن القيم ما يشير إلى أنه في عهده كان إجماعًا من الأطباء على أن التصوير بعد الأربعين، وهذا ما فصله الطب الحديث بعد وصوله لعلم التصوير والتكبير. والله أعلم.

ص: 409

أحدهما تصوير وتخليق علمي، لم يخرج إلى الخارج.

الثانية: مبدأ تصوير خفي، يعجز الحس عن إدراكه.

الثالثة: تصوير يناله الحس، ولكنه لم يتم بعد.

الرابعة: تمام التصوير الذي ليس بعده إلا نفخ الروح.

فالمرتبة الأولى علمية .. والثلاث الأخر عينية.

وهذا التصوير بعد التصوير، نظير التقدير بعد التقدير .. فالرب تعالى قدر مقادير الخلائق تقديرًا عامًا قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة. وهنا كتب الشقاوة والسعادة والأعمال والأرزاق والآجال.

والثاني تقدير بعد هذا، وهو أخص منه. وهو التقدير الواقع عند القبضتين حين قبض تبارك وتعالى أهل السعادة بيمينه، وقال: هؤلاء إلى الجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، وقبض أهل الشقاوة باليد الأخرى، وقال: هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون.

والثالث: تقدير بعد هذا، وهو أخص منه عندما يمنى به، كما في حديث حذيفة ابن أسيد المذكور.

والرابع: تقدير آخر بعد هذا .. وهو عندما يتم خلقه وينفخ فيه الروح، كما صرح به الحديث الذي قبله يعني: حديث ابن مسعود

(1)

.

وفي الفتح: «وقال بعضهم يحتمل أن يكون الملك عند انتهاء الأربعين الأولى يقسم النطفة إذا صارت علقة إلى أجزاء بحسب الأعضاء، أو يقسم بعضها إلى جلد، وبعضها إلى لحم، وبعضها إلى عظم، فيقدر ذلك كله قبل وجوده، ثم يتهيأ ذلك في آخر الأربعين الثانية، ويتكامل في الأربعين الثالثة.

(1)

التبيان في أقسام القرآن (ص: 345).

ص: 410

وقال بعضهم: معنى حديث ابن مسعود أن النطفة يغلب عليها وصف المني في الأربعين الأولى، ووصف العلقة في الأربعين الثانية، ووصف المضغة في الأربعين الثالثة، ولا ينافي ذلك أن يتقدم تصويره»

(1)

.

وذهب بعضهم إلى أن قوله: مخلقة وغير مخلقة صفة للنطفة، وليست للمضغة، روي ذلك عن ابن مسعود بسند صحيح.

(2034 - 494) فقد روى ابن جرير الطبري في تفسيره، قال: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا معاوية، عن داود بن أبي هند، عن عامر، عن علقمة،

عن عبد الله، قال: إذا وقعت النطفة في الرحم، بعث الله ملكًا، فقال: يا رب مخلقة، أو غير مخلقة؟ فإن قال: غير مخلقة مجتها الأرحام دمًا، وإن قال: مخلقة، قال: يا رب فما صفتها ما رزقها؟ ما أجلها؟ أشقي أم سعيد؟ ، قال: فيقال له: انطلق إلى أم الكتاب، فاستنسخ منه صفة هذه النطفة، قال: فينطلق الملك، فينسخها، فلا تزال معه حتى يأتي على آخر صفتها

(2)

.

هذا ما تيسر لي جمعه من أقوال أهل العلم في الجمع بين حديث ابن مسعود، وحديث حذيفة. والله أعلم.

* * *

(1)

فتح الباري (11/ 592)، 6594.

(2)

والحديث وإن كان رجاله ثقات إلا أنه شاذ لمخالفته ما في الصحيحين، انظر ح:(2030).

ص: 411