الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا السكنى فيه مثل أي شيء حرام، لكن لو تلف المغصوب عند الغاصب أو استهلكه (أي فات عنده بتعبيرهم)، فالأرجح عندهم أنه يجوز للغاصب الانتفاع به؛ لأنه وجبت عليه قيمته في ذمته، فقد أفتى بعض المحققين بجواز الشراء من لحم الأغنام المغصوبة إذا باعها الغاصب للجزارين، فذبحوها؛ لأنه بذبحها ترتبت القيمة في ذمة الغاصب، إلا أنهم قالوا: ومن اتقاه فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومعناه أن الغاصب يتملك بالضمان الشيء المغصوب من يوم التلف.
وقال الشافعية والحنابلة (1): لا يملك الغاصب العين المغصوبة بدفع القيمة؛ لأنه لا يصح أن يتملكه بالبيع لغيره لعدم القدرة على التسليم، فلا يصح أن يتملكه بالتضمين، كالشيء التالف لا يملكه بالإتلاف.
وبناء عليه تحرم عندهم تصرفات الغاصب بعقد أو غيره، ولا تصح (2)، لحديث:«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (3) أي مردود، فلا يجوز له بيعه أو إجارته، كما لا يجوز له إتلافه واستعماله كأكل ولبس وركوب وحمل عليه وسكنى العقار، لحديث «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم» .
4 - تغير العين المغصوبة عند الغاصب:
قال الحنفية: قد يتغير المغصوب عند الغاصب بنفسه أوبفعل الغاصب، وهذا
(1) المهذب: 368/ 1، مغني المحتاج: 277/ 2، 279، كشاف القناع: 120/ 4، 123 وما بعدها، المغني: 251/ 5 - 253.
(2)
وكذلك قال الحنابلة خلافاً للجمهور: يحرم الحج ولا يصح من المال المغصوب وسائر العبادات كالصلاة بثوب مغصوب، أو في مكان مغصوب، والوضوء من ماء مغصوب، وإخراج زكاته بخلاف عبادة لا يحتاج فيهاإلى المغصوب كالصوم والذكر والاعتقاد (كشاف القناع: 123/ 4 وما بعدها، وراجع للمؤلف أصول الفقه: 82/ 1، ط دار الفكر، طبعة ثانية).
(3)
رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها.
الأخير قد يكون تغيراً في الوصف أو تغيراً في الاسم والذات (1). وكل حالات التغير يكون المغصوب فيها موجوداً.
أـ فإذا تغير المغصوب بنفسه كما لو كان عنباً فأصبح زبيباً، أو رطباً فأصبح تمراً، فيتخير المالك بين استرداد عين المغصوب، وبين تضمين الغاصب قيمته.
ب ـ وأما تغير وصف المغصوب بفعل الغاصب من طريق الإضافة أو الزيادة، كما لو صبغ الثوب، أو خلط الدقيق (السويق) بسمن، أواختلط المغصوب بملك الغاصب بحيث يمتنع تمييزه كخلط البر بالبر أو يمكن بحرج كخلط البر بالشعير، فيجب إعطاء الخيار للمالك: إن شاء ضمّن الغاصب قيمة المغصوب قبل تغييره، وإن شاء أخذه وأعطى الغاصب قيمة الزيادة مثل ما زاد الصبغ في الثوب؛ لأن في التخيير رعاية للجانبين.
وهذا مذهب المالكية أيضاً (2).
وقال الشافعية (3): إن أمكن فصل الزيادة من الصباغة أو السمن، أجبر الغاصب عليه في الأصح، وإن لم يمكن: فإن لم تزد قيمة المغصوب فلا شيء للغاصب فيه، وإن نقصت قيمته لزم الغاصب أرش النقص؛ لأن النقص حصل بفعله، وإن زادت قيمة المغصوب اشترك الغاصب والمالك فيه أثلاثاً: ثلثاه للمغصوب منه، وثلثه للغاصب. فإن حدث في ملك أحدهما نقص لانخفاض سعره أوزيادة لارتفاع سعره عمل به.
(1) تكملة فتح القدير: 375/ 7، 384، اللباب مع الكتاب: 191/ 2، 193، تبيين الحقائق: 226/ 5، 229، الدر المختار: 134/ 5 - 138، البدائع: 160/ 7 وما بعدها.
(2)
الشرح الكبير: 454/ 3.
(3)
مغني المحتاج: 291/ 2 وما بعدها.
وقال الحنابلة (1) كالشافعية إجمالاً: إلا أنهم قالوا: لا يجبر الغاصب على قلع الصبغ من الثوب؛ لأن فيه إتلافاً لملكه وهو الصبغ. وإن حدث نقص ضمن الغاصب النقص؛ لأنه حصل بتعديه، فضمنه، وإن حصلت زيادة، فالمالك والغاصب شريكان بقدر ملكيهما، فيباع الشيء، ويوزع الثمن على قدر القيمتين. وبه يظهر أن الفقهاء متفقون على ضمان النقص، وعلى حق الغاصب في الزيادة.
جـ ـ وأما تغير ذات المغصوب واسمه بفعل الغاصب بحيث زال أكثر منافعه المقصودة: كما لو غصب شاة فذبحها وشواها، أو طبخها، أو غصب حنطة فطحنها دقيقاً، أو حديداً فاتخذه سيفاً، أونحاساً فاتخذه آنية، فإنه يزول ملك المغصوب منه عن المغصوب، ويملكه الغاصب، ويضمن بدله: المثل في المثلي، والقيمة في القيمي. ولكن لا يحل له الانتفاع به حتى يؤدي بدله استحساناً؛ لأن في إباحة الانتفاع قبل أداء البدل فتح باب الغصب، فيحرم الانتفاع قبل إرضاء المالك بأداء البدل أو إبرائه، حسماً لمادة الفساد.
وكذلك قال المالكية كما بان في فرع (3) السابق.
وقال الشافعية والحنابلة (2): لا ينقطع حق المالك في ملكه، وله أن يأخذه، وأرش نقصه إن نقص، ولا شيء للغاصب في زيادته في الصحيح من مذهب الحنابلة.
وقال أبو حنيفة (3) مثل الشافعية والحنابلة فيمن غصب فضة أو ذهباً، فصكها (ضربها) دراهم أو دنانير، أو صنعها آنية، لا يزول ملك مالكها عنها، ولا شيء
(1) كشاف القناع: 86/ 4، 103 وما بعدها، المغني: 266/ 5 وما بعدها.
(2)
المهذب: 369/ 1، المغني: 243/ 5.
(3)
تكملة الفتح مع العناية: 379/ 7، الكتاب مع اللباب: 192/ 2.