الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب ـ وإن كانت الكفالة مقيدة:
فإما أن تقيد بوصف التأجيل أو بوصف الحلول. فإن كانت مؤجلة إلى أجل معلوم كشهر أو سنة، جازت. ويجوز أن يكون أجل الكفالة مماثلاً لأجل الدين أو أزيد منه أو أنقص؛ لأن المطالبة بالدين حق الدائن المكفول له، فله أن يتفق مع الكفيل والمدين على ما يشاء.
وإن كان الدين حالاً، جاز التأجيل في الكفالة، ويستفيد المدين نفسه من الأجل أيضاً في ظاهر الرواية؛ لأن التأجيل إذا كان في نفس العقد، يجعل الأجل صفة للدين، والدين واحد. أما إذا كان التأجيل بعد تمام العقد، فيختص به الكفيل فقط. وإذا كان التأجيل عن الأصيل، فيستفيد الكفيل من الأجل، أما إذا أجل الكفيل، فلم يستفد الأصيل من الأجل؛ لأن المقصود تأخير المطالبة، لا إسقاط الحق.
وإذا كانت الكفالة مؤجلة إلى سنة مثلاً، فمات الأصيل قبل تمام السنة، يحل الدين في ماله، ويبقى الأجل للكفيل، وكذا يحل الدين في مال الكفيل إذا مات، ويبقى الأصيل على أجله.
هذا هو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية (1)؛ لأن الموت عند الحنفية يعصف بذمة الإنسان ويبطل الأهلية إلا بمقدار ما تقتضيه ضرورة تسوية الحقوق وثبوت الأحكام التي لها سبب في حال الحياة.
وعند الحنابلة روايتان، رجح ابن قدامة أن الدين لا يحل بالموت؛ لأن الدين مؤجل، فلا تجوز المطالبة به قبل الأجل، كما لو لم يمت (2).
(1) البدائع، المرجع السابق، المبسوط: 28/ 20، مختصر الطحاوي: ص 105، الشرح الكبير: 337/ 3، مغني المحتاج: 208/ 2.
(2)
المغني: 545/ 5.
وإن كان التأجيل إلى وقت مجهول، فتجوز الكفالة عند الحنفية والحنابلة والمالكية إذا كان الأجل متعارفاً بين الناس كالحصاد والدياس والنيروز ونحوه؛ لأن هذه الجهالة ليست فاحشة فتتحملها الكفالة. وقال الشافعي: لا يجوز التأجيل إلى هذه الأوقات، لأنه أجل مجهول (1).
وإن لم يكن الأجل متعارفاً بين الناس كالتأجيل إلى مجيء المطر أو هبوب الريح، فالأجل باطل، والكفالة صحيحة؛ لأن هذه جهالة فاحشة، فلا تتحملها الكفالة، فلا يصح التأجيل، فبطل. هذا إذا كانت الكفالة مؤجلة.
فإن كانت الكفالة حالَّة، فيجوز للدائن أن يشرط الحلول على الكفيل، سواء أكان الدين حالاً أم مؤجلاً. ولو كفل الكفيل حالاً يصح للدائن أن يؤجله بعدئذ، ويكون التأجيل خاصاً به.
وفي الجملة: يجوز في المذاهب الأربعة ضمان الدين الحال مؤجلاً، وضمان المؤجل حالاًّ؛ لأن الضمان تبرع، والحاجة تدعو إليه، فيصح على حسب ما التزم به الضامن (2)، وقد روى ابن ماجه في سننه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ضمن مديناً لوفاء دينه لمدة شهر.
وفي الكفالة بالنفس: لو تكفل شخص برجل إلى شهر أو ثلاثة أيام ونحوها: جاز، ولكن الكفيل إنما يطالب بتسليم المكفول بنفسه بعد مضي تلك المدة المتفق عليها ولا يطالب به في الحال في ظاهر الرواية.
(1) المغني، المرجع السابق: ص 560، مغني المحتاج: 307/ 2، المبسوط: 172/ 19، مجمع الضمانات: ص 273، الفرائد البهية في القواعد الفقهية: ص 142.
(2)
البدائع، المرجع السابق: الشرح الكبير: 331/ 3، نهاية المحتاج للرملي: 416/ 3، مغني المحتاج: 207/ 2، المغني: 544/ 4.