الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالرهن لا يترتب عليه نقص المرهون، كالركوب، والاستخدام، والسكنى، واللبس، والحمل على الدابة أو السيارة؛ لأن منافع الرهن ونماءه ملك للراهن، ولا يتعلق بها الدين عندهم، ولخبر الدارقطني والحاكم:«الرهن مركوب ومحلوب» وخبر البخاري: «الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً» .
أما ما يترتب عليه نقص قيمة الرهن كالبناء والغرس في الأرض المرهونة، فلا يجوز للراهن إلا بإذن المرتهن مراعاة لحقه. وللمرتهن أن يرجع عن إذنه قبل تصرف الراهن.
وإذا أمكن الراهن الانتفاع بالمرهون بغير استرداد كإيجار آلة عند المرتهن، لم يسترد من المرتهن. وإن لم يمكن الانتفاع به بغير استرداد كأن يكون داراً يسكنها، أو دابة أو سيارة يركبها، فيسترد للحاجة إليه، حتى إذا انتهى انتفاعه به، رده على المرتهن.
ثانياً ـ انتفاع المرتهن بالرهن:
يرى الجمهور غير الحنابلة: أنه ليس للمرتهن أن ينتفع بشيء من الرهن. وحملوا ما ورد من جواز الانتفاع بالمحلوب والمركوب بمقدار العلف على ما إذا امتنع الراهن من الإنفاق على الرهن، فأنفق عليه المرتهن، فله الانتفاع بمقدار علفه. والحنابلة يجيزون الانتفاع للمرتهن بالرهن إذا كان حيواناً، فله أن يحلبه ويركبه بقدر ما يعلفه وينفق عليه (1). وتفصيل المذاهب كما يأتي:
1 -
قال الحنفية (2): ليس للمرتهن أن ينتفع بالمرهون استخداماً ولا ركوباً ولا
(1) بداية المجتهد: 273/ 2.
(2)
الدر المختار ورد المحتار: 342/ 5، البدائع: 146/ 6، تبيين الحقائق: 67/ 6، الهداية مع تكملة الفتح: 201/ 8.
سكنى ولا لبساً ولا قراءة في كتاب، إلا بإذن الراهن؛ لأن له حق الحبس دون الانتفاع. فإن انتفع به، فهلك في حال الاستعمال يضمن كل قيمته، لأنه صار غاصباً.
وإذا أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بالمرهون، جاز مطلقاً عند بعض الحنفية. ومنهم من منعه مطلقاً؛ لأنه ربا أو فيه شبهة الربا، والإذن أو الرضا لا يحل الربا ولا يبيح شبهته. ومنهم من فصل فقال: إن شرط الانتفاع على الراهن في العقد، فهو حرام؛ لأنه ربا، وإن لم يشرط في العقد، فجائز؛ لأنه تبرع من الراهن للمرتهن. والاشتراط كما يكون صريحاً، يكون متعارفاً، والمعروف كالمشروط.
وهذا التفصيل هو المتفق مع روح الشريعة، والغالب من أحوال الناس أنهم عند دفع القرض إنما يريدون الانتفاع، ولولاه لما أعطوا الدراهم، وهذا بمنزلة الشرط؛ لأن المعروف كالمشروط، وهو مما يُعيِّن المنع، كما قال ابن عابدين.
وأرى أن الاحتياط في الدين أمر واجب، وكل قرض جر نفعاً مشروطاً أو متعارفاً فهوعند الحنفية ربا، وقد صرح ابن نجيم في الأشباه أنه يكره (أي تحريماً) للمرتهن الانتفاع بالرهن (1). وقال في التتارخانية ما نصه:«ولو استقرض دراهم، وسلم حماره إلى المقرض ليستعمله إلى شهرين، حتى يوفيه دينه، أو داره ليسكنها، فهو بمنزلة الإجارة الفاسدة، إن استعمله، فعليه أجر مثله، ولا يكون رهناًَ» . وعليه نرى أن مااعتاده الناس في زماننا من رهن الدور على أن يسكنها المرتهن، ريثما يرد إليه الراهن دينه، وهو قرض، غير جائز باتفاق المذاهب، وليس العقد من قبيل بيع الوفاء، لعدم انصراف مقاصد الناس إلى البيع.
(1) المقرر في القانون المدني السوري والمصري يتفق مع الشريعة، فقد نص فيهما على أنه ليس للمرتهن أن ينتفع بالرهن دون مقابل.
2 -
وفصل المالكية (1) فقالوا: إذا أذن الراهن للمرتهن بالانتفاع أو اشترط المرتهن المنفعة، جاز إن كان الدين من بيع أو شبهة (معاوضة)، وعينت المدة بأن كانت معلومة، للخروج من الجهالة المفسدة للإجارة، لأنه بيع وإجارة، وهو جائز. والجواز كما قال الدردير بأن يأخذ المرتهن المنفعة لنفسه مجاناً، أو لتحسب من الدين على أن يعجل دفع باقي الدين. ولايجوز إن كان الدين قرضاً (سلفاً)؛ لأنه قرض جر نفعاً. ولا يجوز الانتفاع في حالة القرض إن تبرع الراهن للمرتهن بالمنفعة أي لم يشترطها المرتهن؛ لأنها هدية مديان، وقد نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم (2).
والخلاصة: إن هناك ثماني صور لاشتراط المرتهن منفعة الرهن لنفسه، سبعة منها ممنوعة، وواحدة منها فقط جائزة. أما الممنوعة فأربع صور منها في القرض: وهي ما إذا كانت مدة المنفعة معينة، أو مجهولة، مشترطة أو متطوعاً بها، وثلاث صور منها في البيع: وهي ما إذا كانت متطوعاً بها، سواء كانت مدتها معينة أم مجهولة، أو كانت مشترطة ولم تعين مدتها أي المدة مجهولة.
وأما الصورة الجائزة: فهي ما إذا كانت المنفعة مشترطة في عقد البيع، والمدة معينة. ومحل الجواز فيها إذا اشترطت ليأخذها المرتهن مجاناً، أو لتحسب من الدين على أن يعجل الباقي منه.
3 -
وقال الشافعية (3) كالمالكية إجمالاً: ليس للمرتهن أن ينتفع بالعين المرهونة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يغلق الرهن من صاحبه، الذي رهنه، له غنمه وعليه
(1) الشرح الكبير للدردير والدسوقي: 246/ 3، بداية المجتهد: 273/ 2، القوانين الفقهية: ص 324.
(2)
عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أقرض فلا يأخذ هدية» أي قبل الوفاء. رواه البخاري في تاريخه (نيل الأوطار: 231/ 5).
(3)
حاشية البجيرمي على الخطيب: 61/ 3، الإفصاح لابن هبيرة: 238/ 1، مغني المحتاج: 121/ 2.
غرمه» قال الشافعي: غنمه: زياداته. وغرمه: هلاكه ونقصه. ولا شك أن من الغُنم سائر وجوه الانتفاع. وهذا رأي ابن مسعود.
فإن شرط المرتهن في عقد القرض ما يضر الراهن، كأن تكون زوائد المرهون أو منفعته له، أي للمرتهن، بطل الشرط، والرهن في الأظهر، لحديث «كل شرط ليس في كتاب الله تعالى، فهو باطل» . وأما بطلان الرهن فلمخالفة الشرط مقتضى العقد، كالشرط الذي يضر المرتهن نفسه.
أما إن كانت المنفعة مقدرة أو معلومة، وكان الرهن مشروطاً في بيع، فإنه يصح اشتراط جعل المنفعة للمرتهن؛ لأنه جمع بين بيع وإجارة في صفقة، وهو جائز. مثل أن يقول شخص لغيره: بعتك حصاني بمئة بشرط أن ترهنني بها دارك، وأن تكون منفعتها لي سنة، فبعض الحصان مبيع، وبعضه أجرة في مقابلة منفعة الدار.
فإن لم يكن الانتفاع مشروطاً في العقد، جاز للمرتهن الانتفاع بالرهن، بإذن صاحبه، لأن الراهن مالك، وله أن يأذن بالتصرف في ملكه لمن يشاء، وليس في الإذن تضييع لحقه في المرهون؛ لأنه لا يخرج عن يده، ويبقى محتبساً عنده لحقه.
4 -
وأما الحنابلة (1) فقالوا في غير الحيوان: ما لا يحتاج إلى مؤنة (قوت) كالدار والمتاع ونحوه، لا يجوز للمرتهن الانتفاع به بغير إذن الراهن بحال؛ لأن الرهن ومنافعه ونماءه ملك الراهن، فليس لغيره أخذها بغير إذنه، فإن أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بغير عوض، وكان دين الرهن من قرض لم يجز؛ لأنه قرض جر منفعة، وذلك حرام، قال أحمد: أكره قرض الدور وهو الربا المحض، يعني إذا كانت الدار رهناً في قرض ينتفع بها المرتهن.
(1) المغني: 385/ 4 ومابعدها، كشاف القناع: 342/ 3 ومابعدها.
وعبارتهم في الموضوع: «لا ينتفع المرتهن من الرهن بشيء، إلا ما كان مركوباً أو محلوباً، فيركب ويحلب بقدر العلف» . وإن كان الرهن بثمن مبيع، أو أجر دار أو دين غير القرض، فأذن له الراهن في الانتفاع، جاز، أي ولو مع المحاباة في الأجرة.
وإن كان الانتفاع بعوض هو أجر المثل من غير محاباة، جاز في القرض وغيره، لكونه لم ينتفع بالقرض، بل بالإجارة. وإن حاباه لا يجوز في القرض، ويجوز في غيره.
والخلاصة: أن الانتفاع إن كان بعوض جاز في القرض وغيره إن كان بأجر المثل، وإن كان بغير عوض لا يجوز في القرض، وإذا انتفع المرتهن من غير إذن الراهن، حسب من دينه.
وأما الحيوان: فيجوز للمرتهن أن ينتفع به إن كان مركوباً أو محلوباً، على أن يركب ويحلب، بقدر نفقته، متحرياً العدل في النفقة، وإن لم يأذنه الراهن.
ودليلهم الحديث السابق: «الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً، ولبَن الدَّر يُشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة» وجملة «الظهر يركب، والدر يشرب» جملة خبرية في معنى الإنشاء مثل: {والوالدات يرضعن أولادهن} [البقرة:233/ 2]، ولأن التصرف معاوضة، والمعاوضة تقتضي المساواة بين البدلين.
لكن قال ابن القيم في أعلام الموقعين: لا ضرورة إلى المساواة بين البدلين؛ لأن الشارع ساوى بينهما، ويعسر علينا أمر الموازنة بين الركوب واللبن وبين النفقة.
ولم يعمل الجمهور بهذا الحديث، وقالوا: إنه حديث ترده أصول وآثار صحيحة. ويدل على نسخه حديث: «لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه» (1)، وحديث:«لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه» .
(1) أخرجه البخاري في أبواب المظالم عن ابن عمر (سبل السلام: 51/ 3).