الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السفه، باتفاق المذاهب، لقوله تعالى:{وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم} [النساء:6/ 4].
إلا أن أبا حنيفة (1) قال: يستمر الحجر على البالغ غير الرشيد إلى بلوغه خمساً وعشرين سنة، ثم يسلم إليه ماله، ولو لم يرشد؛ لأن في الحجر عليه بعد هذه السن إهداراً لكرامته الإنسانية، ولقوله تعالى:{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده} [الإسراء:34/ 17] وهذا قد بلغ أشده، ويصلح أن يكون جَدَّاً في هذه السن، ولأن المنع عنه للتأديب، ولا يتأدب بعدئذ غالباً، فلا فائدة في المنع، فلزم الدفع إليه.
وقال الصاحبان وباقي الأئمة (2): إذا بلغ الولد غير رشيد، لا يسلم إليه ماله، ويستمر الحجر عليه، حتى يؤنس رشده، ولو بلغ الستين من عمره، للآية السابقة {فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم} [النساء:6/ 4] حيث شرط الله تعالى لدفع أموال اليتامى إليهم شرطين: البلوغ وإيناس الرشد، والحكم المعلق على شرطين لا يثبت بدونهما، ولقوله تعالى:{ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} [النساء:5/ 4] أي أموالهم.
ثالثاً ـ البلوغ:
يحدث البلوغ إما بالأمارات الطبيعية أو بالسن. أما الأمارات أو العلامات الطبيعية، فاختلفت المذاهب في تعدادها:
فقال الحنفية (3): يعرف البلوغ في الغلام بالاحتلام، وإنزال المني، وإحبال المرأة. والمراد من الاحتلام هو خروج المني في نوم أو يقظة، بجماع أو غيره.
(1) البدائع: 171/ 7، تكملة الفتح: 316/ 7، تبيين الحقائق: 195/ 5، اللباب: 69/ 2.
(2)
بداية المجتهد: 277/ 2، القوانين الفقهية: ص 321، الشرح الكبير: 298/ 2، المهذب: 331/ 1، مغني المحتاج: 166/ 2، 170، المغني: 457/ 4 ومابعدها، كشاف القناع: 440/ 3.
(3)
البدائع: 171/ 7، الدر المختار: 107/ 5، تبيين الحقائق: 203/ 5، تكملة الفتح: 323/ 7.
والدليل على كونه علامة البلوغ قوله تعالى: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا} [النور:59/ 24] وخبر «رفع القلم عن ثلاثة، منها: عن الصبي حتى يحتلم (1)» وروى أبو داود عن علي بن أبي طالب قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يُتم بعد الاحتلام» .
وإذا تحقق البلوغ بالاحتلام تحقق بالإنزال؛ لأن الاحتلام سبب لنزول الماء عادة، فعلق الحكم به. وكذا الإحبال؛ لأنه لا يتحقق بدون الإنزال عادة.
ويعرف البلوغ في الأنثى بالحيض لخبر رواه الخمسة إلا النسائي: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» (2) أو بالحبل لأن الحمل دليل على إنزال المرأة فيحكم ببلوغها منذ حملت. وأدنى مدة البلوغ للغلام اثنتا عشرة سنة، وللأنثى تسع سنين، وهو المختار عند الحنفية.
فإذا لم يحصل بلوغ طبيعي، ثبت البلوغ بالسن، فمتى بلغ الولد (ذكراً أو أنثى) سن الخامسة عشرة فقد بلغ الحلم على المفتى به، وهو سن المراهقة.
وقال أبو حنيفة: يبلغ الغلام إذا أتم ثماني عشرة سنة، والأنثى سبع عشرة سنة؛ لأنه إنما يقع اليأس عن الاحتلام الذي علق الشرع الحكم به بهذه السن.
ومذهب المالكية (3): علامات البلوغ الطبيعية سبعة، خمسة منها مشتركة بين
(1) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم عن عائشة بلفظ: «وعن الصبي حتى يكبر» ورواه أحمد وأبو داود والحاكم عن علي وعمر بلفظ: «وعن الصبي حتى يحتلم» (نصب الراية: 161/ 4 ومابعدها).
(2)
وروى ابن خزيمة في صحيحه عن عائشة: «لا يقبل الله صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار» والحائض: من بلغت سن المحيض. والخمار: ما يغطى به رأس المرأة. فدل ذلك على بدء تكليفها (نيل الأوطار: 67/ 2).
(3)
الشرح الكبير: 293/ 3.
الجنسين، واثنان مختصان بالأنثى. فالحيض والحبل خاص بالمرأة. وإنزال المني مطلقاً في نوم أو يقظة، وإنبات شعر العانة الخشن، لا الزغب، ونتن الإبط، وفرق أرنبة الأنف، وغلظ الصوت: مشترك بين الذكر والأنثى. ودليل حصول البلوغ بالإنبات: حديث الترمذي عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اقتلوا شيوخ المشركين، واستحيوا شَرْخهم، والشرخ: الغلمان الذين لم يُنْبتوا» .
فإن لم يظهر شيء مما ذكر، كان بلوغ الصغير بتمام ثماني عشرة سنة، وقيل: بالدخول فيها.
ومذهب الشافعية (1): يحصل البلوغ إما باستكمال خمس عشرة سنة قمرية، أو بالاحتلام أو بخروج المني وقت إمكانه من ذكر أو أنثى، ووقت إمكانه: استكمال تسع سنين، أو بنبات شعر العانة الخشن الذي يحتاج في إزالته لنحو حلق. وأما نبات شعر الإبط واللحية، فليس دليلاً للبلوغ لندورهما دون خمس عشرة سنة.
ويزيد على المذكور بالنسبة للمرأة: الحيض والحبل.
والخلاصة: أن البلوغ عندهم يحصل بخمسة أشياء: ثلاثة يشترك فيها الرجل والمرأة، وهي الإنزال (الاحتلام) والإنبات والسن. واثنان تختص بهما المرأة وهما الحيض والحبل.
ودليلهم على تحديد السن بـ 15 سنة: خبر ابن عمر: «عُرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزني، ولم يرني بلغت، وعرضت عليه
(1) مغني المحتاج: 166/ 2 ومابعدها، المهذب: 330/ 1.