الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و
إن كان المدعى به ديناً والصلح عن إقرار:
أـ فإن كان دراهم أو دنانير فصالح منها
، فلا يخلو الأمر من إحدى حالتين: إما أن يصالح منها على خلاف جنسها أو على جنسها.
ففي الحالة الأولى: إن كان بدل الصلح عين مال معلوم جاز الصلح، ويكون العقد بمنزلة بيع الدين بالعين، وإن كان بدل الصلح ديناً من الدراهم والدنانير، لايجوز الصلح، حتى لا يؤدي الاتفاق إلى بيع الدين بالدين.
وفي الحالة الثانية أي (الصلح على جنس الدين) كأن صالح من دراهم على دراهم: فإن صالح على مثل حقه قدراً وصفة، مثل أن يصالح من ألف جياد على ألف جياد، فلا شك في جواز هذا الصلح؛ لأن المدعي استوفى عين حقه.
وإن صالح على أقل من حقه قدراً وصفة، مثل أن يصالح من الألف الجياد على خمس مئة رديئة يجوز الصلح أيضاً، ويصير المدعي مستوفياً بعض حقه، ومبرئاً المدعى عليه من الباقي.
وإن صالح على أكثر من حقه قدراً وصفة، مثل أن يصالح من الألف الرديئة على ألف وخمس مئة جيدة لا يجوز الصلح؛ لأنه ربا في هذه الحالة؛ لأن القاعدة المقررة في هذه الحالات كلها هي: أن الصلح متى وقع على جنس ما هو المستحق بعقد المداينة يعتبر استيفاء من المدعي لحقه، فإذا تعذر جعله استيفاء يعتبر معاوضة، فتطبق شروط المعاوضة (1).
وفي الحالة الأخيرة يعتبر العقد معاوضة؛ لأنه بعكس الحالة التي سبقتها؛ فإنه يتعذر اعتبار المدعي مستوفياً بعض حقه ومسقطاً البعض الآخر.
(1) تكملة فتج القدير: 41/ 7، المبسوط: 27/ 21، تبيين الحقائق: 41/ 5، الدر المختار: 500/ 4.
وعلى هذا: إذا صالح على أكثر من حقه صفة لا قدراً بأن صالح من ألف رديئة على ألف جيدة، جاز الصلح، ويشترط تطبيق شروط عقد الصرف حينئذ، ومنها الحلول أو التقابض، فإذا وجد التقابض وهما في مجلس واحد جاز؛ لأن الجودة لا قيمة لها عند مقابلتها بجنسها. وإن افترقا ولم يتم القبض في المجلس بطل العقد، لأن هذا عقد صرف.
وإذا صالح على أكثر من حقه صفة وأقل منه قدراً بأن صالح من ألف درهم رديئة على خمس مئة جيدة، لا يجوز الصلح في ظاهر الرواية عند الحنفية؛ لأن الصلح من الرديء على الجيد اعتياض عن صفة الجودة، وهذا لا يجوز؛ لأن الجودة في الأموال الربوية لا قيمة لها عند مقابلتها بجنسها، للقاعدة الشرعية المروية حديثاً:«جيدها ورديئها سواء» (1) والعقد هنا عقد صرف، وليس استيفاء للحق؛ لأن مستحق الرديء لا يستحق الجيد، وإذا كان العقد صرفاً فإن من المقرر أن بيع ألف درهم رديئة بخمس مئة جيدة لا يجوز لأنه ربا.
والخلاصة: أن الصلح متى وقع على أقل من جنس حق المدعي من الدراهم والدنانير يعد استيفاء لبعض الحق، وإبراء عن الباقي. ومتى وقع على أكثر من جنس حقه منها، أو وقع على جنس آخر من دين أو عين يعتبر معاوضة (2).
وبناء عليه: إذا صالح المدعي من الدين الحال على الدين المؤجل وهما في القدر سواء، كأن يصالح من ألف حالَّة على ألف مؤجلة، جاز الصلح، ويكون
(1) قال الحافظ الزيلعي عن هذا الحديث: غريب. ومعناه يؤخذ من إطلاق حديث أبي سعيد الخدري، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«الذهب بالذهب، والفضة بالفض، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد، فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء» أخرجه مسلم (راجع نصب الراية: 37/ 4).
(2)
البدائع: 44/ 6، تبيين الحقائق: 42/ 5، الدر المختار: 500/ 4.
هذا تأجيلاً للدين، ولو كان الصلح على العكس من الحالة السابقة: يجوز أيضاً، ويكون استيفاء من المدعي لحقه، ويصير المدعى عليه تاركاً حقه في تأجيل الدين.
ولو كان الدين مؤجلاً، فصالح صاحب الدين على بعضه معجلاً، كأن يصالح من الألف المؤجلة على خمس مئة معجلة: لا يجوز الصلح؛ لأن صاحب الدين المؤجل لا يستحق المعجل، فلا يمكن أن يجعل هذا استيفاء للحق، فصار التعاقد معاوضة عن الأجل، فلا يجوز؛ لأن الأجل ليس بمال، وبيع خمس مئة بألف لا يجوز (1).
أما لو كان الدين معجل الوفاء، فعين الدائن وقت الأداء، كأن كان له على المدين ألف ليرة حل أداؤها بحكم عقد المداينة، فقال له:(صالحتك على خمس مئة على أن تعطيها اليوم أو على أن تعجلها اليوم) فإن أعطاه في نفس اليوم برئ عن خمس مئة باتفاق الحنفية. وإن لم يعطه حتى مضى اليوم بطل الصلح وعادت الألف عليه كما كانت عند أبي حنيفة ومحمد. وعند أبي يوسف: يمضي الصلح ويبرأ عن الخمس مئة ويبقى عليه خمس مئة فقط.
وجه قول أبي يوسف: أن هذا الصلح تضمن تعليق البراءة عن بعض الدين بشرط تعجيل البعض الآخر، والبراءة لا يصح تعليقها بالشروط، فإذا لم يوجد الوفاء بالتعجيل لم ينفسخ العقد بدون شرط الفسخ صراحة، ولم يوجد شرط الفسخ، فبقي الحط عن بعض الدين صحيحاً.
ووجه قول أبي حنيفة ومحمد: هو أن شرط تعجيل بعض الدين هو شرط لانفساخ العقد عند عدم التعجيل، وهو كأنه نص صريح على شرط الفسخ، كما قال شخص لغيره: (أبيعك هذا المتاع بألف ليرة على أن تعجلها اليوم، فإن لم
(1) تكملة فتح القدير: 42/ 7.
تعجلها فلا بيع بيننا) فالبيع في هذه الصورة جائز؛ لأن شرط التعجيل شرط في الفسخ، لا في العقد، فكذا هذا في الصورة المختلف فيها؛ لأن المفهوم ضمناً أو دلالة كالمفهوم صراحة، فصارت الصورة كأن المصالح قال:(فإن لم تعجل فلا صلح بيننا).
يفهم منه أن الحنفية متفقون على أن الدائن إذا قال: (أصالحك عن الألف التي لي عليك على خمس مئة تعجلها اليوم، فإن لم تعجلها فالألف عليك) ولم يعجلها اليوم، فالصلح باطل، وعليه الألف باتفاق الحنفية، لوجود النص الصريح على الفسخ.
ولو صالح على أن (يعطيه خمس مئة إلى شهر على أن يحط عنه خمس مئة في الحال، فإن لم يعطه إلى شهر، فعليه الألف) فهو صلح صحيح؛ لأنه إبراء للحال، وتعليق لفسخ الإبراء بالشرط.
وكذلك لو أخذ الدائن من المدين كفيلاً بألف ليرة، وتصالح معه على أن يحط عنه خمس مئة، وشرط على الكفيل أنه إن لم يوفه خمس مئة إلى رأس الشهر، فعليه كل المال وهو الألف، فهو جائز، والألف لازمة للكفيل إن لم يوفه، لأنه جعل عدم إيفاء الخمس مئة إلى رأس الشهر شرطاً للكفالة بألف.
ولو ضمن الكفيل الألف ليرة بدون شرط شيء، ثم قال له الدائن:(حططت عنك خمس مئة على أن توفيني رأس الشهر خمس مئة، فإن لم توفني فالألف عليك) فهذا صحيح أيضاً، بل هو شرط أوثق من شرط الحالة الأولى؛ لأنه جعل هنا عدم التعجيل شرطاً لانفساخ الحط لا شرطاً للعقد.
ولو قال الدائن لمن عليه الألف ليرة? إن أديت إلي خمس مئة فأنت بريء من الباقي) أو قال? متى أديت خمس مئة فأنت بريء من خمس مئة) فإنه لا يصح،