الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والخلاصة: إن موت الراهن وعزله العدل، ينعزل به العدل عند الشافعية والحنابلة؛ لأن الوكالة عقد جائز غير لازم، فلا يجبر الراهن على إبقائها.
وقال الحنفية: ينعزل في تعيين متأخر عن الرهن، ولا ينعزل في تعيين مقترن بالرهن.
وقال المالكية: لا ينعزل. واتفقوا على أن العدل لا ينعزل بعزل المرتهن له ولا بموته؛ لأنه وكيل الراهن، إذ الرهن ملكه، ولو انفرد بتوكيله صح، فلم ينعزل بعزل غيره.
أحكام العدل أو ما له وما عليه:
للعدل حقوق وواجبات هي ما يأتي (1):
1ً - يجب على العدل أن يحفظ الرهن، كما يحفظ ماله. فيحفظه بنفسه أو بواسطة من يحفظ ماله عنده؛ لأنه في الحفظ بحكم الوديع.
2ً - وعليه أن يبقيه تحت يده، فليس له أن يدفعه إلى الراهن أو إلى المرتهن إلا بإذن الآخر، لاتفاقهما على وضع الرهن تحت يده، وعدم رضا كل منهما عن حفظ الآخر له. وليس للمرتهن ولا للراهن أخذ الرهن من يد العدل؛ لأن لكل منهما حقاً في الرهن، فحق الراهن في الحفظ، وحق المرتهن في الاستيفاء، ولا يملك أحدهما إبطال حق الآخر.
ولو دفعه العدل إلى أحدهما من غير رضا صاحبه، فلصاحبه أن يسترده ويعيده إلى يد العدل.
(1) البدائع: 148/ 6 ومابعدها، تبيين الحقائق: 80/ 6 ومابعدها، تكملة فتح القدير: 221/ 8 ومابعدها، الدر المختار: 358/ 5 ومابعدها، اللباب: 57/ 2، الشرح الصغير: 321/ 3، مغني المحتاج: 134/ 2 ومابعدها، المغني: 353/ 4 ومابعدها.
وإذا هلك الرهن في يد أحدهما قبل استرداده، ضمن العدل قيمته، بسبب اعتدائه عليه بدفعه إلى أحدهما، أي ضمن الأقل من قيمته ومن الدين، وهذا باتفاق الحنفية، والمالكية.
ومثله في الحكم أن يسلمه العدل إلى أجنبي بدون رضاها قبل سقوط الدين. وإذا ضمن العدل قيمته، فدفعها إليهما، فلهما عندئذ أن يجعلاها رهناً في يده، إلى وفاء الدين. وليس للعدل بنفسه أن يجعل القيمة رهناً في يده؛ لأنه هو الذي دفع القيمة، فلو جعلها رهناً يصير قاضياً ومقضياً وبينهما تناف. فإن وفى الراهن الدين وأراد أن يأخذ قيمة الرهن من العدل، نظرنا في الأمر:
إن كان العدل قد ضمن بسبب دفعه إلى الراهن، لم يكن للراهن أخذ قيمة الرهن منه؛ لأن حقه قد وصل إليه حين دفع إليه الرهن، فتكون القيمة حقاً للعدل.
وإن كان العدل قد ضمن بسبب دفعه إلى المرتهن، كان للراهن أن يأخذ قيمة الرهن منه؛ لأنها بدل عن عين الرهن. وعندئذ ليس للعدل أن يرجع بما ضمن على المرتهن، إذا كان قد دفعه إليه على وجه العارية أو الوديعة؛ لأن العدل قد دفع إليه ملكه الذي تملكه من وقت الدفع حين ضمن قيمته (1). وإن كان قد دفعه إليه رهناً فيكون مضموناً على المرتهن كالمقبوض على سوم الرهن أو على سوم البيع؛ لأنه دفعه إليه على وجه الضمان.
3ً - ليس للعدل أن ينتفع بالرهن، ولا أن يتصرف فيه بالإجارة، أو الإعارة، أو الرهن؛ لأن الواجب عليه الإمساك، وليس له حق الانتفاع والتصرف. وليس
(1) وبعباره أخرى: إن العدل بأداء الضمان ملك العين المرهونة من وقت الدفع للمرتهن، وتبين أنه أودع أو أعار ملك نفسه، ولا يضمن المستعير ولا الوديع إلا بالتعدي.
له أن يبيعه إلا إذا كان مسلطاً على بيعه في عقد الرهن، أو بعده. وإذا توفي العدل، لم يحل وارثه محله في بيع الرهن؛ لأن الوكالة لا تورث. وكذلك لا يحل وصيه محله في البيع أيضاً، لأن الراهن لم يرض برأي وصيه.
وعن أبي يوسف: أنه يحل محله؛ لأن الوكالة لازمة، فصار وصيه كوصي العامل المضارب إذا مات.
ورد عليه بأن للمضارب ولاية التوكيل في حياته بدون إذن صاحب المال، بخلاف العدل، فجاز أن يقوم وصيه مقامه، كالأب في مال الصغير.
وإذا باع العدل الرهن، لم يعد رهناً؛ لأنه صار ملكاً للمشتري، وصار ثمنه هو الرهن، لأنه قام مقامه.
وللعدل أن يبيع الزيادة المتولدة من الرهن، لكونها مرهونة تبعاً للأصل. وله أن يبيع بمثل قيمة الرهن أو بأقل منه قدر ما يتغابن الناس فيه، وبالنقد والنسيئة عند أبي حنيفة. وله أن يبيع قبل حلول الأجل ويكون الثمن حينئذ رهناً عنده إلى أن يحل الأجل؛ لأن ثمن المرهون مرهون.
وقال الشافعية والحنابلة: لا يبيع العدل إلا بثمن المثل حالاً، من نقد بلده كالوكيل. وإذا باع العدل وقبض الثمن، كان الثمن عنده من ضمان الراهن لأنه ملكه، والعدل أمينه، حتى يقبضه المرتهن.
4ً - إذا هلك الرهن في يد العدل من غير تعد، كان كهلاكه في يد المرتهن؛ لأن يد العدل بالنسبة لمالية الرهن، كيد المرتهن، ويكون عند الحنفية مضموناً على المرتهن بالأقل من قيمته (أي قيمة الرهن) ومن الدين.
وإذا ضمن العدل قيمة الرهن بتعديه، أو ضمنها الأجنبي المتعدي على الرهن
بعد أن دفعه العدل إليه بلا حق، لم يستطع العدل أن يجعل القيمة رهناً في يده؛ لأنها واجبة عليه في الحالين، ولا يصلح الشخص الواحد أن يكون في آن واحد قاضياً ومقتضياً، ولكن يأخذها الراهن والمرتهن، فيجعلانها رهناً عند العدل أو عند غيره. وقال الشافعية والحنابلة: تجعل القيمة رهناً في حالة كون الأجنبي هو المتعدي على الرهن.
وإذا استحق الرهن وهو قائم في يد العدل أخذه المستحق وبطل الرهن. وإذا استحق بعد هلاكه كان المستحق بالخيار بين أن يضمن الراهن قيمته أو يضمن العدل ويرجع العدل على الراهن بما ضمن لأنه غرّه.
5ً - ليس للعدل المسلط على البيع عند الحنفية أن يعزل نفسه إلا برضا المرتهن، مراعاة لحقه، إذا كانت الوكالة بالبيع مشروطة في عقد الرهن. فيجبر على البيع إذا حل أجل الدين وأبى البيع. وإجباره بأن يحبسه القاضي أياماً ليبيع، فإن أبى بعد الحبس باعه القاضي؛ لأن بيع الرهن في هذه الحالة صار حقاً للمرتهن.
أما إذا كانت وكالة العدل بالبيع بعد عقد الرهن، فللعدل أن يعزل نفسه؛ لأنها تعد وكالة مستقلة مبتدأة، فتطبق عليها أحكام الوكالة، وقال أبو يوسف: ليس له أن يعزل نفسه.
وقال الشافعية والحنابلة: للعدل في جميع الأحوال أن يعزل نفسه؛ لأنه وكيل منفصل، فلا يجبر على المضي في الوكالة.