الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على من ساقاه أجرة المثل لعمله، لأنه ضيّع عليه منافعه بعوض فاسد، فيرجع ببدلها على المالك، وإذا فسدت المساقاة، فللعامل أجرة مثله مقابل عمله، والثمر كله لصاحب الشجر، لأنه نماء ملكه. وتفسد المساقاة بجهالة نصيب كل واحد من العاقدين، أو اشتراط نصيب مجهول، أو دراهم معلومة، أو كمية معينة من الثمرة، أو شرط اشتراك المالك في العمل، أو عمل العامل في شيء آخر غير الشجر الذي ساقاه عليه.
والخلاصة: أنه يجب باتفاق الفقهاء فسخ المساقاة الفاسدة إذا عرف الفساد قبل العمل. فإن شرع العامل بالعمل ثم اطلع على الفساد، يجب له عند الجمهور أجر المثل. كما يجب له الأجر عند المالكية إذا خرج المتعاقدان إلى عقد آخر، وإن لم يخرجا لعقد آخر، استمرت المساقاة بمساقاة المثل.
المبحث الرابع ـ انتهاء المساقاة:
تنقضي المساقاة عند الحنفية كالمزارعة بأحد أمور ثلاثة: انتهاء المدة المتفق عليها، موت أحد المتعاقدين، فسخ العقد إما بالإقالة صراحة أو بالأعذار، كما تفسخ الإجارة (1).
ومن الأعذار: أن يكون العامل سارقاً معروفاً بالسرقة يخاف منه سرقة الثمر أو الأغصان قبل الإدراك؛ لأنه يلزم صاحب الأرض ضرر لم يلتزمه، فيفسخ به.
ومن الأعذار أيضاً: مرض العامل إذا كان يضعفه عن العمل؛ لأن في إلزامه استئجار أجراء، زيادة ضرر عليه، ولم يلتزمه فيجعل عذراً. وفي اعتبار سفر
(1) البدائع: 188/ 6، تكملة الفتح: 48/ 8، تبيين الحقائق: 268/ 5، الدر المختار: 204/ 5، اللباب: 234/ 2.
العامل عذراً للفسخ روايتان، الصحيح أنه يوفق بينهما، كما في مرض العامل، فهو عذر إذا شرط عليه عمل نفسه، وغير عذر إذا أطلق العقد عن الشرط.
وإذا مات العامل، كان لورثته تعهد الثمر حتى يدرك، وإن كره صاحب الشجر رعاية لمصلحة الجانبين. وإن مات المالك استمر العامل بعمله كما كان، وإن كره ورثة المالك. وإن مات العاقدان، كان الخيار في الاستمرار لورثة العامل، فإن أبى ورثة العامل الاستمرار في العمل، كان الخيار فيه لورثة صاحب الأرض.
وإذا انقضت مدة المساقاة ولم ينضج الثمر، بأن كان فجاً، بقيت المساقاة استحساناً لوقت النضوج، ويخير العامل، إن شاء ترك وإن شاء عمل كما في المزارعة، ولكن بدون أجر، أي لا يجب على العامل أن يدفع للمالك أجر حصته إلى أن يدرك الثمر؛ لأن الشجر لا يجوز استئجاره، بخلاف المزارعة، حيث يجب على العامل أجر مثل الأرض؛ لأن الأرض يجوز استئجارها. ويكون العمل كله في المساقاة على العامل، وفي المزارعة على العاقدين، لأنه لما وجب أجر المثل للأرض في المزارعة بعد انتهاء المدة، لم يستحق العمل على العامل، كما كان يستحق عليه قبل انتهائها.
وإن أبى العامل العمل، خير المالك أو ورثته بين أمور ثلاثة: إما أن يقتسم الثمر على حسب الشرط، وإما أن يعطي العامل قيمة نصيبه من الثمر، وإما أن ينفق على الثمر حتى يبلغ أو ينضج، ثم يرجع بالنفقة بقدر حصة العامل من الثمر؛ لأنه ليس للعامل إلحاق الضرر بغيره.
لكن قال الزيلعي: الرجوع على العامل بالنفقة بنسبة حصته فقط: فيه إشكال، وكان ينبغي أن يرجع عليه بجميع النفقة؛ لأن العامل إنما يستحق بالعمل، وكان العمل كله عليه، فلو رجع عليه بحصته فقط، أدى الرجوع إلى استحقاق العامل بلا عمل في بعض المدة.
وقال المالكية (1): المساقاة عقد موروث، ولورثة المساقي أن يأتوا بأمين يعمل إن لم يكونوا أمناء، وعلى المالك العمل إن أبى ورثة العامل من العمل من تركته. ولا تنفسخ المساقاة إذا كان العامل لصاً أو ظالماً أو عجز عن العمل، وعلى العامل استئجار من يعمل، أو يستأجر من حظه من الثمر إن لم يكن له شيء؛ لأن المساقاة عندهم عقد لازم، لا يفسخ بالأعذار، فليس لعاقد فسخها بعد العقد، دون الآخر ما لم يتراضيا عليه.
وقال الشافعية (2): لاتنفسخ المساقاة بالأعذار، فلو ثبتت خيانة عامل مثلاً، ضم إليه مشرف إلى أن يتم العمل؛ لأن العمل واجب عليه. فإن لم يتحفظ عن الخيانة بالمشرف، أزيلت يده بالكلية، واستؤجر عليه من مال العامل من يتم العمل، لتعذر استيفاء العمل الواجب عليه منه.
وتنتهي المساقاة عند الشافعية بانقضاء المدة، فإذا انقضت المدة كعشر سنين مثلاً، ثم ظهرت ثمرة السنة العاشرة لم يكن للعامل فيها حق؛ لأنها ثمرة حدثت بعد انقضاء العقد.
وإذا ظهرت الثمرة، ولم تكتمل، قبل انقضاء المدة كأن صارت طَلْعاً (3) أو بلحاً، تعلق بها حق العامل؛ لأنها حدثت قبل انقضاء المدة، ويجب على العامل تمام العمل.
وتنفسخ المساقاة بموت العامل إذا كانت على عين (ذات) العامل كالأجير المعين، ولا تنفسخ بموت المالك في أثناء المدة، بل يتم العامل العمل ويأخذ نصيبه،
(1) بداية المجتهد: 247/ 2، الشرح الصغير: 713/ 3.
(2)
مغني المحتاج: 331/ 2، المهذب: 391/ 1 وما بعدها.
(3)
هو بدء الحمل بأن يظهر الحمل في النخيل بين غلافين.
لكن إذا ساقى المورث من يرثه ثم مات المورث، فإن المساقاة تنفسخ؛ لأنه أي الوارث لا يكون عاملاً لنفسه.
وإذا التزم العامل المساقاة في ذمته، ثم مات قبل تمام العمل، وخلّف تركة، أتم الوارث العمل منها، لأنه حق وجب على مورثه، فيؤدَّى من تركته كغيره من الحقوق. وللوارث أن يتم العمل بنفسه أو بماله، وعلى المالك تمكينه من العمل إن كان الوارث عارفاً بعمل المساقاة أميناً، وإلا استأجر الحاكم من التركة عاملاً كفئاً. فإن لم يخلف العامل تركة، لم يقترض عليه؛ لأن ذمته خربت بالموت.
وبه يتبين أن المساقاة في الذمة لا تنتهي عند الشافعية بموت أحد العاقدين، فإذا مات المالك أو العامل، استمر العامل بعمله. ولا تنتهي المساقاة بخيانة العامل ولا بهربه أو حبسه أو مرضه قبل تمام العمل، لكن في حال الخيانة يضم إليه مشرف آخر يراقبه، وفي حال الحبس ونحوه يستأجر عليه الحاكم من يتم العمل على حسابه. وإذا اختلف المالك والعامل في مقدار الثمرة المشروطة لكل منهما، حلف كل منهما يميناً على إثبا ت دعواه ونفي دعوى خصمه، لأن كلاً منهما منكر لدعوى الآخر، فإذا تحالفا انفسخ عقد المساقاة، وكان الثمر كله للمالك، وللعامل أجرة مثله.
وقال الحنابلة (1): المساقاة كالمزارعة عقد جائز غير لازم، فيجوز لكل طرف فيها فسخها. فإن فسخت المساقاة بعد ظهور الثمرة، كانت الثمرة بينهما (أي بين المالك والعامل) على حسب الشرط المتفق عليه في العقد. لأنها (أي الثمرة) حدثت على ملكهما.
(1) المغني: 372/ 5 - 377، كشاف القناع: 528/ 3 - 530.
ويملك العامل كالمالك حصته من الثمرة بالظهور. ويلزم العامل تمام العمل في المساقاة، كما يلزم المضارب بيع العروض التجارية إذا فسخت المضاربة. وهذا موافق لما قال الشافعية.
ولا تنفسخ المساقاة بموت العامل، فإن مات العامل قام وارثه مقامه في الملك والعمل؛ لأنه حق ثبت للمورث وعليه، فكان لوارثه.
فإن أبى الوارث أن يأخذ ويعمل، لم يجبر، ويستأجر الحاكم من التركة من يعمل، فإن لم تكن له تركة، أو تعذر الاستئجار منها، بيع من نصيب العامل مايحتاج إليه لتكميل العمل واستؤجر من يعمله.
وإن فسخ العامل، أو هرب قبل ظهور الثمرة، فلا شيء له، لأنه قد رضي بإسقاط حقه، مثل عامل المضاربة إذا فسخ قبل ظهور الربح، وعامل الجعالة إذا فسخ قبل تمام عمله.
لكن إن فسخ المالك المساقاة قبل ظهور الثمرة وبعد شروع العامل في العمل، فعليه للعامل أجر مثل عمله، بخلاف المضاربة؛ لأن الربح في المضاربة لا يتولد من المال بنفسه وإنما يتولد من العمل، ولم يحصل بعمله ربح، والثمر في المساقاة متولد من عين الشجرة، وقد عمل العامل على الشجر عملاً مؤثراً في الثمر فكان لعمله تأثير في حصول الثمر وظهوره بعد الفسخ.
وإن مات العامل والمساقاة على عينه (ذاته)، أو جنّ، أو حجر عليه لسفه انفسخت المساقاة، كما قال الشافعية.
أما لو مات المالك أو جنّ، أو حجر عليه لسفه، فتفسخ المساقاة، خلافاً للشافعية.