الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثابت الأعرج، ويؤيده أن عدم جواز طلاق المكره روي عن ابن عمر في سنن البيهقي، وفي صحيح البخاري، وفي موطأ مالك.
وأما ما استدل به الحنفية من عموم قوله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد} [البقرة:230/ 2] فهو معارض لقوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} [البقرة:225/ 2] والمستكره لم يطلق قط، بل إن حديث «لا طلاق في إغلاق» يقيد إطلاق آية الطلاق، حتى على مذهب الحنفية القائلين بأن هذا الحديث ظني، والظني لا يقيد القطعي؛ لأن هذه الآية قيدت بحديث مشهور وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يكبر (أو
يعقل أو يحتلم)، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق» (1) فصارت ظنية، فأصبحت بعدئذ صالحة لتقييدها بخبر ظني (2).
ثانياً ـ التصرفات التي تحتمل الفسخ:
إذا أكره الإنسان إكراهاً تاماً أو ناقصاً على تصرف يحتمل الفسخ أي يقبل الرد، ويشترط فيه الرضا كالبيع والشراء والهبة والإجارة ونحوها، فإن الإكراه عند جمهور الحنفية يفسده أي أن التصرف نافذ، ولكنه فاسد، وحينئذ يملك المشتري المبيع بالقبض. وسبب الفساد: هو أن الرضا شرط نفاذ هذه التصرفات، والإكراه
(1) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة إلا الترمذي وصححه الحاكم، وأخرجه ابن حبان عن عائشة، ورواه بعضهم عن علي وعمر ابن عباس وأبي هريرة وغيرهم (مجمع الزوائد: 251/ 6، سبل السلام: 180/ 3، الإلمام: ص 66، 421.
(2)
راجع البدائع: 182/ 7 ومابعدها، تكملة فتح القدير: 303/ 7، تبيين الحقائق: 5 - 188، الدر المختار: 96/ 5، مجمع الضمانات: ص 206، المحلى: 383/ 8 ومابعدها، مغني المحتاج: 289/ 3، الشرح الكبير للدردير: 367/ 2، المغني: 118/ 7، بحث الإكراه للأستاذ البرديسي ـ القسم الثاني: ص 2 ومابعدها.
يعدم الرضا، وانتفاء الشرط يترتب عليه انتفاء المشروط، وهو النفاذ، فيفسد التصرف. وعليه يكون بيع المستكره وإجارته وهبته فاسدة، ولكن للمستكره بعد زوال الإكراه الخيار بين إمضاء التصرف وفسخه؛ لأن الرضا كما ذكرت شرط لصحة هذه التصرفات.
وقال المالكية وزفر من الحنفية: تعتبر هذه التصرفات بالإكراه موقوفة؛ لأن الرضا شرط في صحة العقد، لا في انعقاده، حتى لو أجاز المستكره ما أكره عليه بعد زوال الإكراه أصبح العقد صحيحاً، ولو كان العقد فاسداً لما جاز؛ لأن الفاسد لا يجوز بالإجازة، ولا يرتفع الفساد بالإجازة كسائر البيوع الفاسدة، فأشبه بيع الفضولي، وبما أنه بيع موقوف، لا يثبت به الملك بالقبض.
والخلاصة: إن أبا حنيفة وصاحبيه ذهبوا إلى أن الإكراه يفسد العقد إفساداً فقط، لا إبطالاً، وتترتب عليه الأحكام المقررة لفساد العقود إلا من ناحية واحدة، وهي أنه بعد زوال الإكراه، لو أجاز المستكره العقد، صح هذا العقد، ويصبح ملزماً؛ لأن الفساد إنما كان صيانة لمصلحته الخاصة لا لمصلحة عامة. وأما زفر فيجعل العقد غير نافذ كعقد الفضولي، فهو صحيح موقوف بالنسبة للمستكره، ويتوقف على إجازته بعد زوال الإكراه، وبما أن هذا العقد يجوز ويلزم بالإجازة، فهذا دليل على كون العقد موقوفاً لا فاسداً؛ لأن العقد الفاسد يفسخ فسخاً ولا يجاز إجازة. ويلاحظ أن دليل زفر أقوى وأوجه، ولكن المعتمد عند الحنفية هو رأي الإمام وصاحبيه (1).
وقال باقي الفقهاء: تعتبر هذه التصرفات مع الإكراه باطلة غير صحيحة (2).
(1) راجع المدخل الفقهي للأستاذ الزرقاء: ص 364.
(2)
البدائع: 186/ 7، تكملة فتح القدير: 293/ 7 ومابعدها، الكتاب مع اللباب: 108/ 4، تبيين الحقائق: 182/ 5، الدر المختار ورد المحتار: 89/ 5 ومابعدها، المحلى: 380/ 8، غاية المنتهى: 5/ 2، بحث الإكراه للأستاذ البرديسي ـ القسم الثاني: ص 25.