الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحاكم لبعد مسافة، أو لعدم تلبية طلب المالك، فليشهد المالك على العمل بنفسه، أو الإنفاق إن أراد الرجوع بما يعمله أو ينفقه؛ لأن الإشهاد حال العذر كالحكم ويصرح في الإشهاد بضرورة الرجوع.
وقال الحنابلة: إن هرب العامل، فلرب المال الفسخ؛ لأن المساقاة عقد جائز غير لازم.
صفة يد العامل: يد العامل في المساقاة والمزارعة والمغارسة يد أمانة، فإذا ادعى هلاك شيء من الثمر أو الزرع أو الشجر، بغير تقصير ولا تعد، كان القول قوله، فيصدق بيمينه، كذلك يصدق بيمينه إن اتهمه المالك بخيانة وأنكر هو؛ لأنه أمين، والقول قول الأمين بيمينه.
المطلب الثاني ـ حكم المساقاة الفاسدة:
تفسد المساقاة باختلال شرط من شرائطها المطلوبة شرعاً، فإذا لم يتوافر شرط صحة مثلاً فسد العقد. وأهم حالات الفساد عند الحنفية (1) ما يأتي:
1 -
اشتراط كون الناتج (الخارج) كله لأحد العاقدين، لعدم توافر معنى الشركة به.
2 -
شرط كون جزء معين من الثمرة لأحد العاقدين، كنصف قنطار عنب أو تمر، أو شرط جزء محدد من غير الثمرة، كمبلغ نقدي؛ لأن المساقاة شركة في الثمرة فقط.
3 -
شرط مشاركة المالك في العمل، إذ لا بد من التخلية بين العامل والعمل في الشجر، ومهمة العامل الأصلية في هذا العقد هي العمل.
(1) البدائع: 186/ 6، تكملة الفتح: 47/ 8 ومابعدها، تبيين الحقائق: 285/ 5، الدر المختار ورد المحتار: 202/ 5، 205، اللباب شرح الكتاب: 234/ 2.
4 -
اشتراط الجذاذ أو القطاف على العامل؛ لأنه ليس من المساقاة في شيء عندهم، ولعدم التعامل به بين الناس؛ لأن الأصل: كل ما كان من عمل قبل الإدراك كسقي وتلقيح وحفظ فعلى العامل، وما بعده كجذاذ وحفظ، فعلى العاقدين.
5 -
شرط كون الحمل والحفظ بعد القسمة على العامل؛ لأنه ليس من أعمال المساقاة.
6 -
اشتراط عمل تبقى منفعته على العامل بعد انقضاء مدة المساقاة، كغرس الأشجار، وتقليب الأرض، ونصب العرايش، ونحوه؛ لأنه لا يقتضيه العقد، ولا من أعمال المساقاة.
7 -
الاتفاق على مدة لا يحصل فيها الإثمار عادة، لإضرار العامل، ولفوات المقصود وهو الشركة في الخارج. كما أن المساقاة تفسد، إذا كانت الثمرة قد انتهت ونضجت؛ لأن العامل إنما يستحق بالعمل، ولا أثر للعمل بعد الإدراك والتناهي.
8 -
المساقاة مع الشريك، كأن يكون بستان مشترك بين اثنين مناصفة، فيدفعه أحدهما للآخر مساقاة، على أن له الثلثين، وللشريك المساقي الثلث؛ لأن في المساقاة معنى الإجارة، ولا يجوز كون الشخص أجيراً وشريكاً، أي مستأجراً من شريكه، وشريك المستأجر؛ لأن استئجار الشريك على العمل في المشترك لا يصح، إذ يجب أن يكون عمل الأجير في خالص ملك المستأجر.
فإذا عمل لا يستحق الأجر على شريكه، ويقع عمل العامل لنفسه. وهذا، أي الحكم بالفساد اختاره الحنابلة من بين وجهين، إذا لم يجعل للعامل شيء في مقابل العمل.
وأجاز الشافعية العقد إذا شرط للعامل زيادة على حصته، أي أن الشافعية والحنابلة يجيزون هذه الصورة، وهي حالة الاتفاق على زيادة حصة العامل مقابل عمله (1)، كأن يكون الشجر بينهما نصفين، فيشترط له ثلثا الثمرة، ليكون السدس عوض عمله، فإن شرط له مقدار نصيبه أو دونه، لم يصح، لاستحقاقه نصيبه بالملك. ويكون الاتفاق بأن يقول الشريك لشريكه: ساقيتك على نصيبي، أو أطلق. فإذا قال: ساقيتك على كل الشجر، لم يصح.
ويترتب على فساد المساقاة عند الحنفية الأحكام التالية (2):
1 -
لا يجبر العامل على العمل؛ لأن الجبر على العمل بحكم العقد، وهو لم يصح.
2 -
الخارج كله لصاحب الشجر، لكونه نماء ملكه، وأما العامل فلا يأخذ منه شيئاً؛ لأن استحقاقه بالشرط في العقد، ولم يصح.
3 -
وإذا فسدت المساقاة، فللعامل أجر مثله، كالإجارة الفاسدة.
4 -
يجب أجر المثل عند أبي يوسف في حال الفساد مقدراً بالمسمى، لايتجاوز عنه. وعند محمد: يجب أجر المثل تاماً بالغاً ما بلغ.
أثر فساد العقد في المذاهب الأخرى: قال المالكية (3): إذا وقعت المساقاة فاسدة، فإن عثر عليها قبل العمل، فسخت. وإن عثر عليها بعد العمل، فسخت في أثنائه، ووجب فيها أجرة المثل إن خرج المتعاقدان عن المساقاة إلى إجارة فاسدة
(1) مغني المحتاج: 327/ 2، المحلي على المنهاج: 63/ 3، الشرح الكبير مع المغني: 580/ 5، كشاف القناع: 533/ 3.
(2)
البدائع: 188/ 6.
(3)
القوانين الفقهية: ص 280، الشرح الصغير: 722/ 3 وما بعدها، بداية المجتهد: 248/ 2.
أو بيع فاسد؛ لأن للعامل فيها أجر ما عمل، قلّ أو كثر، فلا ضرر عليه في الفسخ. ومثال التحول إلى الإجارة الفاسدة: اشتراط زيادة شيء معين أو عرض تجاري من صاحب البستان للعامل؛ لأنه يصبح المالك كأنه استأجر العامل على أن يعمل له في بستان بهذه الزيادة وبجزء من ثمرة البستان، وهي إجارة فاسدة توجب الرد لأجرة مثل أجر العامل ويحسب منها تلك الزيادة، ولا شيء للعامل من الثمرة، ولو بعد تمام العمل. فإن كانت الزيادة من العامل للمالك، فقد خرج العاقدان إلى بيع فاسد: هو بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، إذ كأن العامل اشترى الجزء المسمى بما دفعه للمالك من الزيادة، وبأجرة عمله، فوجب له أجرة مثله، وأخذ ما دفعه، ولا شيء له من الثمرة.
وإن لم يخرج المتعاقدان عن المساقاة لعقد آخر، بأن كان الفساد لضرر، أو لفقد شرط غير الزيادة المتقدمة، أو لوجود مانع، أو بسبب الغرر كالمساقاة على حوائط (بساتين) مختلفة، استمرت المساقاة بمساقاة المثل، كالمساقاة على ثمر بدا صلاحه وآخر لم يبد صلاحه، لاحتواء العقد على بيع ثمر مجهول (وهو الجزء المسمى للعامل) بشيء مجهول (وهو العمل)، وكاشتراط عمل المالك مع العامل بجزء من الثمرة أو مجاناً، وكاشتراط آلة أو دابة للمالك في بستان صغير، لأنه ربما كفاه ذلك، فيصير كأن العامل اشترط جميع العمل على المالك. ويجوز اشتراط الدابة على المالك في بستان كبير. وهذا التفصيل لابن القاسم. وقال ابن الماجشون: ترد إلى إجارة المثل في كل نوع من أنواع الفساد.
وقال الشافعية والحنابلة (1): إذا خرج الثمر بعد العمل مستحقاً لغير المساقي المالك، كأن أوصى بثمر الشجر المساقى عليه، أو خرج الشجر مستحقاً، فللعامل
(1) مغني المحتاج: 326/ 2 - 327، 331، المهذب: 393/ 1، المغني: 381/ 5، 392، كشاف القناع: 532/ 3، 502.