الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيحبسه المرتهنان على طريق المهايأة (1)، فإن تهايآ، كان كل واحد منهما في نَوْبته كالعَدْل في حق الآخر. ويرى الشافعية أنه إذا وفى الراهن دين أحد المرتهنين، انفك من المرهون قسطه الذي يقابله من الدين. أما إن تعددت العين المرهونة كرهن سيارتين مقابل دين مقداره مئتا ألف، ثم وفى المدين بعض الدين الذي يقابل إحدى السيارتين، فإن كان رهن السيارتين مقابل الدين بلا تفريق، لم يكن له الحق بقبض سيارة حتى يوفّي الدين كله. وإن كان رهن السيارتين مفرقاً بأن قال: كل سيارة بمئة ألف، كان له الحق بقبضها؛ لأن العقد صار في حكم عقدين حين عين حصة كل من المرهونين.
وإذا هلك المرهون، صار كل واحد من المرتهنين مستوفياً حصة دينه من المرهون؛ لأن الاستيفاء يتجزأ. وفي حالة الهلاك هذه لو قضى الراهن دين أحدهما، استرد ما قضاه من الدين؛ لأن ارتهان كل منهما باق، حتى يعود الرهن إلى الراهن؛ لأن كل مرتهن كالعدل بالنسبة للمرتهن الآخر في حالة عدم قابلية تجزئة المرهون.
المطلب الثاني ـ شروط الصيغة:
اشترط الحنفية (2) في صيغة الرهن ألا يكون معلقاً بشرط، ولا مضافاً إلى زمن مستقبل؛ لأن عقد الرهن يشبه عقد البيع من ناحية كونه سبيلاً إلى إيفاء الدين واستيفائه، فلا يقبل التعليق بشرط، والإضافة للمستقبل، وإذا علق الرهن أو أضيف، كان فاسداً كالبيع (3).
(1) المهايأة: أن يتفق الاثنان على أن يأخذ كل واحد منهما المرهون عنده مدة معلومة.
(2)
البدائع: 135/ 6.
(3)
الدر المختار: 374/ 5، 357، قال في الدر: الأجل في الرهن يفسده.
وإذا اقترن الرهن بالشرط الفاسد أو الباطل، صح الرهن، وبطل الشرط؛ لأن الرهن ليس من عقود المعاوضات المالية. جاء في الزيادات والبزازية: والرهن لا يبطل بالشروط الفاسدة؛ لأنه تبرع بمنزلة الهبة، إذ لا يستوجب الراهن على المرتهن شيئاً، بتمليكه حبس الرهن عنده.
ولكن جاء في البدائع (1): أن الرهن تبطله الشروط الفاسدة كالبيع، بخلاف الهبة.
والأصح في تقديري هو رواية البزازية والزيادات؛ لأن الرهن ليس من المعاوضات، فيصح الرهن وإن سقط الدين بهلاكه، جاء في الهداية: الرهن عقد تبرع، لأنه لا يستوجب بمقابلته شيئاً على المرتهن (2).
والشرط المشروط في الرهن عند غير الحنفية إما صحيح أو فاسد، والفاسد إما مفسد للعقد، وإما لاغٍ باطل وحده والعقد صحيح، على تفصيل فيما يأتي.
قال الشافعية (3): الشروط المشروطة في الرهن ثلاثة أنواع:
1 -
الشرط الصحيح: وهو أن يشترط في الرهن ما يقتضيه كتقدم وفاء المرتهن عند تزاحم الغرماء، ليستوفي منه دينه، مفضلاً على بقية الدائنين، أو أن يشرط فيه مصلحة للعقد ولا يترتب عليه جهالة، كالإشهاد به، فيصح العقد والشرط، كالبيع.
2 -
الشرط الباطل أو اللغو: وهو أن يشرط فيه مالا مصلحة فيه ولا غرض، كأن لا يأكل الحيوان المرهون كذا، فيبطل الشرط، ويصح العقد.
(1) 140/ 6.
(2)
تكملة فتح القدير على شرح الهداية: 190/ 8.
(3)
مغني المحتاج: 121/ 2 ومابعدها، المهذب: 310/ 1 - 312، نهاية المحتاج: 254/ 3 ومابعدها.
3 -
الشرط المفسد للعقد: وهو أن يشرط ما يضر المرتهن، كشرط ألا يبيعه بعد حلول أجل وفاء الدين إلا بعد شهر، أو ألا يباع بأكثر من ثمن المثل، أو أن يشرط ما يضر الراهن وينفع المرتهن، كشرط منفعة غير مقدرة بمدة للمرتهن ولا بأجر عليها، أو إعطاء المرتهن زوائد الرهن، فيبطل الشرط للجهل بها ولعدمها حين الاشتراط ولحديث:«كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل» (1)، ويبطل العقد في الأظهر، لمخالفة الشرط مقتضى العقد، كالشرط الذي يضر المرتهن.
وكذلك يفسد الشرط والعقد إذا شرط جعل زوائد الرهن كالصوف والثمرة والولد مرهونة؛ لأنها معدومة حين الاشتراط ومجهولة.
والظاهر أن الرهن يفسد أيضاً بتعليقه أو إضافته للمستقبل. وبه يتبين أن الشرط الفاسد: هو ما كان ضاراً بأحد العاقدين، أو كان فيه جهالة. والأظهر أنه متى فسد الشرط، فسد العقد.
وقال المالكية (2): يصح الشرط الذي لا يتنافى مع مقتضى العقد، ولا يؤول إلى حرام، أما ما يتنافى مع مقتضى العقد، فهو شرط فاسد، مبطل للرهن، كأن يشترط في الرهن أن يكون تحت يد الراهن، لا يقبضه المرتهن، أو ألا يباع المرهون في الدين عند حلول الأجل، أو ألا يباع الرهن إلا بما يرضى به الراهن من الثمن.
وأما الشرط الحرام الممنوع الفاسخ للعقد: فهو أن يرهن الرجل رهناً، على أنه لو جاء بحقه عند أجله، وإلا فالرهن له، فهذا فاسخ للعقد، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا يَغْلَقِ الرهن» (3).
(1) أخرجه الشيخان عن عائشة بلفظ: «ما كان من شرط ليس في كتاب الله، فهو باطل، وإن كان مئة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق» (سبل السلام: 10/ 3).
(2)
الشرح الكبير: 240/ 3 ومابعدها، بداية المجتهد: 271/ 2.
(3)
سبق شرحه، والمعنى: أنه لا يستحقه المرتهن، إذ الم يستفكه صاحبه. وكان هذا من فعل الجاهلية: أن الراهن إذا لم يؤد ما عليه في الوقت المعين، ملك المرتهن الرهن، فأبطله الإسلام (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: 379/ 3).
والخلاصة أن الشرط عند المالكية نوعان: صحيح وفاسد.
ومذهب الحنابلة (1) كالمالكية: قالوا: الشرط في الرهن نوعان: شرط صحيح، وشرط فاسد.
الصحيح: ما كان فيه مصلحة للعقد، ولايتنافى مع مقتضاه، ولا يؤول إلى حرمة يكرهها الشرع، مثل أن يشترط في الرهن أن يكون عند عدل، أو عدلين، أو أكثر، أو أن يبيعه العدل عند حلول أجل الدين أو الحق.
والفاسد: هو ما ينافي مقتضى العقد، مثل ألا يباع الرهن عند حلول أجل الحق، أو لا يستوفى الدين من ثمنه، أولا يباع إذا ما خيف تلفه، أو أن يباع بأي ثمن كان، أو ألا يباع إلا بما يرضى به الراهن. فهذه كلها شروط فاسدة، لمنافاتها مقتضى عقد الرهن؛ لأنها شروط تحول دون الوفاء بالدين عادة، وذلك يتنافى مع الغرض المقصود من الرهن.
ومن الشروط الفاسدة: أن يشترط الخيار للراهن نفسه، أو ألا يكون الرهن لازماً في حقه، أو توقيت الرهن، أو أن يكون الرهن يوماً، ويوماً لا يكون، أو كون الرهن في يد الراهن، أوأن ينتفع به، أو أن ينتفع به المرتهن، أو يكون مضموناً عليه، أو أنه متى حل أجل الحق ولم يوفه الراهن، فالرهن للمرتهن بالدين أو فهو مبيع بالدين، ولا يصح الرهن معلقاً بشرط كالبيع، أي أنه فاسد.
وهل يفسد الرهن بالشرط الفاسد عند الحنابلة؛ فيه آراء عندهم. قال القاضي أبو يعلى: يحتمل أن يفسد الرهن بهذا الاشتراط؛ لأن العاقد إنما بذل ملكه، ورضي بالرهن على هذا الشرط، فإذا لم يسلم له، لم يصح العقد لعدم الرضا به بدونه.
(1) المغني: 381/ 4 - 383، كشاف القناع: 309/ 3.