الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني ـ الموات القابل للإحياء:
لا تصلح كل أرض للإحياء، وإنما منها ما يقبل الإحياء، ومنها ما لا يقبل. وقد اتفق الفقهاء على أن الأرض التي لم يملكها أحد، ولم يوجد فيها أثر عمارة وانتفاع، تملك بالإحياء.
كما اتفقوا على أن الأراضي التي لها مالك معروف بشراء أو عطية، لم ينقطع ملكه، لا يجوز إحياؤها لأحد، غير أصحابها.
واختلفوا في أنواع أخرى من الأرض (1):
النوع الأول: ما ملك بالإحياء، ثم ترك حتى دثر (درس) وعاد مواتاً:
قال الشافعية والحنابلة (2): لا يملك بالإحياء؛ لأن الأحاديث التي أجازت الإحياء مقيدة بغير المملوك: «من أحيا أرضاً ميتة ليست لأحد» «ليس لعرق ظالم حق» ، ولأن سائر الأموال لا يزول الملك عنها بالترك.
وقال أبو يوسف من الحنفية (3). يملك بالإحياء، ما لا يعرف له مالك بعينه إذا كان بعيداً من القرية، بحيث إذا وقف إنسان جهوري الصوت في أقصى العمران من دور القرية، فصاح بأعلى صوته، لم يسمع الصوت فيه. وعند محمد: إن ملكت في الإسلام لا تكون مواتاً، وإذا لم يعرف مالكها تكون لجماعة المسلمين. وظاهر الرواية المفتى به: عدم ارتفاق البلدة به كما سيذكر.
وقال المالكية (4): يملك بالإحياء ما اندرس من عمارة الأرض، لعموم
(1) المغني: 513/ 5 ومابعدها، كشاف القناع: 206/ 4.
(2)
مغني المحتاج: 362/ 2، المهذب: 423/ 1، المغني: 514/ 5، كشاف القناع: 206/ 4.
(3)
الكتاب مع اللباب: 219/ 2، تبيين الحقائق: 35/ 6، الدر المختار: 307/ 5.
(4)
الشرح الكبير: 66/ 4، 68، الشرح الصغير: 87/ 4.
الحديث: «من أحيا أرضاً ميتة فهي له» ، ولأن أصل هذه الأرض مباح، فإذا تركت حتى تصير مواتاً، عادت إلى الإباحة.
النوع الثاني: ما يوجد فيه آثار ملك قديم من الجاهلية كآثار الروم ومساكن ثمود ونحوها يملك بالإحياء في المذاهب الأربعة (1)، وهو الأظهر عند الشافعية، إذ لا حرمة لملك الجاهلية، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«عادِيّ الأرض لله ولرسوله ثم هو بعد لكم» (2) أي قديم الخراب بحيث لم يملك في الإسلام.
والرأي الثاني للشافعي: أنه لا يملك بالإحياء، لأنه ليس بموات.
النوع الثالث: ما جرى عليه الملك في الإسلام لمسلم أو ذمي غير معين، أي لم يعرف مالكه: يملك بالإحياء عند الحنفية والمالكية، وفي رواية عن أحمد، لعموم الأخبار الواردة في مشروعية الإحياء، ولأنه أرض موات لا حق فيها لقوم بأعيانهم، فأشبهت ما لم يجر عليه ملك مالك.
وقال الشافعية: هو مال ضائع، أمره إلى الإمام الحاكم في حفظه إلى ظهور مالكه، أو بيعه وحفظ ثمنه واستقراضه على بيت المال، أي لا يملك بالإحياء.
والصحيح عند الحنابلة: أنه لا يملك بالإحياء، فلا أثر لإحيائه ويكون فيئاً بمنزلة ما جلا عنه الأعداء خوفاً منا، أي يوزع في سبيل المصالح العامة (3).
والخلاصة: إن الشافعية والحنابلة متفقون على أنه لا يملك بالإحياء، والحنفية والمالكية يقولون بجواز إحيائه.
(1) المراجع السابقة.
(2)
رواه عن طاوس سعيد بن منصور في سننه وأبو عبيد في الأموال (المغني، المكان السابق).
(3)
المراجع السابقة.