الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الإجماع: فقد أجمع أهل العلم على جواز الحوالة في الجملة (1). فهي عقد جائزفي الديون دون الأعيان؛ لأنها تنبئ عن النقل، والتحويل يكون في الدين لا في العين، أي أن النقل الحكمي لا يكون في العين فلا تصح فيها الحوالة.
ركن الحوالة:
ركن الحوالة عند الحنفية: الإيجاب من المحيل، والقبول من المحال والمحال عليه، بألفاظ مخصوصة هي صيغة الحوالة. فالإيجاب: أن يقول المحيل للدائن: أحلتك على فلان. والقبول من المحال والمحال عليه: أن يقول كل واحد منهما: قبلت أو رضيت أو نحوهما. والسبب في أنه لا بد من رضا المحال عليه عند الحنفية: هو أن الحوالة تصرف على المحال عليه بنقل الحق إلى ذمته، فلا يتم إلا بقبوله ورضاه، إذ أنه الذي يلزمه الدين، ولا لزوم إلا بالتزامه، وكونه مديناً للمحيل لا يمنع من تغير صفة الالتزام؛ لأن الناس يتفاوتون في اقتضاء الدين سهولة ويسراً، أو صعوبة وعسراً.
وأما رضا المحال: فلا بد منه؛ لأن الدين حقه، وهو في ذمة المحيل، والدين هو الذي ينتقل بالحوالة، والذمم متفاوتة في حسن القضاء والمطل، فلا بد من رضاه، وإلا لزم الضرر بإلزامه اتباع من لا يوافيه.
وأما المحيل فقد شرط القدوري رضاه؛ لأن ذوي المروءات قد يأنفون بتحمل غيرهم ما عليهم من الدين، وذكر في الزيادات وهو الرأي المختار عند بعضهم: أن الحوالة تصح بدون رضاه؛ لأن التزام الدين من المحال عليه تصرف في حق نفسه، والمحيل لا يتضرر به بل فيه نفعه (2).
(1) انظر المغني: 521/ 4، المهذب: 337/ 1، مغني المحتاج: 193/ 2، بداية المجتهد: 294/ 2، فتح القدير: 444/ 5.
(2)
البدائع: 15/ 6 ومابعدها، فتح القدير: المرجع السابق مع العناية بهامشه، مختصر الطحاوي: ص 102، رد المحتار: 301/ 4 ومابعدها.
وقال الحنابلة والظاهرية: يشترط رضا المحيل فقط، وأما المحال والمحال عليه فيلزمهما قبول الحوالة؛ لأن الأمر في الحديث عندهم للوجوب كما عرفنا، ولايعتبر رضاهما (1)، بعكس الحنفية تماماً، واكتفى الحنابلة باشتراط علم المحال به والمحال عليه. والسبب في عدم اشتراط رضا المحال عليه هو أن للمحيل أن يستوفي الحق بنفسه وبوكيله، وقد أقام المحال مقام نفسه في القبض، فلزم المحال عليه الدفع إليه كالوكيل.
وقال المالكية في المشهور عندهم والشافعية في الأصح عندهم: يشترط لصحة الحوالة رضاالمحيل والمحال فقط؛ لأن للمحيل إيفاء الحق من حيث شاء، فلا يلزم بجهة معينة، وحق المحال في ذمة المحيل، فلا ينتقل إلا برضاه؛ لأن الذمم تتفاوت في الأداء والقضاء. وأما المحال فلا يجب عليه الرضا بالحوالة؛ لأن الأمر في الحديث الوارد بمشروعية الحوالة للاستحباب، فلا يلزم المحال قبول الإحالة.
ولايشترط رضا المحال عليه؛ لأنه محل الحق والتصرف، ولأن الحق للمحيل فله أن يستوفيه بغيره، والأمر هو مجرد تفويض بالقبض، فلا يعتبر رضا من عليه، كما لو وكل إنسان غيره بقبض دينه، ويخالف المحال عليه المحال بأن الحق له فلا ينقل بغير رضاه كالبائع، أما المحال عليه فالحق عليه، فلا يعتبر رضاه، كالشيء المبيع (2).
يفهم مما سبق أن للحوالة عند الجمهور غير الحنفية أركاناً أو عناصر ستة تقوم عليها وهي: محيل وهو المدين، ومحال ويسمى أيضاً محتالاً وحويلاً وهو رب الدين أو الدائن، ومحال عليه أو محتال عليه وهو الذي التزم الدين للمحال،
(1) المغني: 522/ 4، 525، 527، غاية المنتهى: 114/ 2، كشاف القناع: 374/ 3.
(2)
بداية المجتهد: 294/ 2، الشرح الكبير: 325/ 3، المهذب: 338/ 1، مغني المحتاج: 193/ 2 ومابعدها.