الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحنابلة، فإن عاد الراهن فرده إلى المرتهن، عاد اللزوم عند الحنابلة بحكم العقد السابق. وعند الحنفية والمالكية: لا يعود الرهن إلا بعقد جديد.
ودليلهم عموم قوله تعالى: {فرهان مقبوضة} [البقرة:283/ 2] الذي يفهم منه اشتراط وجود القبض واستدامته.
وقال الشافعية (1): ليس استدامة القبض فيما يمكن الانتفاع به مع بقائه من شروط صحة القبض، فلا يمنع القبض إعارة المرهون للراهن، أو أخذ الراهن المرهون بإذن المرتهن، واستعماله للركوب والسكنى والاستخدام، ويبقى وثيقة بالدين، لخبر الدارقطني والحاكم:«الرهن مركوب ومحلوب» وخبر البخاري «الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً» ، ولأن الرهن عقد يعتبر القبض في ابتدائه، فلم يشترط استدامته كالهبة.
وأما إذا كان المرهون مما لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكه، لم يكن للراهن طلب استرداده للانتفاع به بعد قبضه، ووجب استمرار يد المرتهن عليه؛ إذ لا ضمان لحقه إلا بذلك، حتى لا يتعرض حقه للضياع والتلف.
القبض السابق للرهن، أو رهن ما في يد المرتهن:
إذا كان المرهون موجوداً في يد المرتهن بطريق الإعارة أو الإيداع أو الإجارة أو الغصب، فهل يكتفى بالقبض السابق على عقد الرهن عن قبض الرهن بعده، فيصح العقد ويلزم بمجرد الإيجاب والقبول، أو يلزم تجديد القبض المطلوب للرهن بعد العقد مرة أخرى؟
فيه رأيان: رأي الجمهور ورأي الشافعية:
(1) المهذب: 311/ 1، مغني المحتاج: 130/ 2، 131، 132.
1 -
قول الجمهور: يرى الحنفية والمالكية والحنابلة (1): أنه يكتفى بالقبض السابق عن قبض الرهن، ولا حاجة لتجديد القبض.
أما الحنفية فقرروا بالمناسبة مبدءاً ينطبق على الهبة والرهن ونحوهما. فقالوا: إن المرهون إذا كان مقبوضاً عند العقد، فينوب عن قبض الرهن إذا تجانس القبضان، بأن كان كل منهما مماثلاً للآخر في قوته، وإذا اختلفا ناب الأعلى عن الأدنى.
وتوضيحه أن القبض كما تبين في الهبة نوعان: قبض أمانة، وقبض ضمان. فقبض الأمانة كقبض الوديعة. وقبض الضمان كقبض الغصب، والثاني أقوى من الأول.
فإذا تجانس القبضان: السابق واللاحق المطلوب، أي أنهما كانا من نوع واحد، بأن كان كلاهما قبض أمانة أو قبض ضمان، قام القبض الأول مقام القبض الثاني المطلوب. وقبض الرهن قبض أمانة (2)، وليس هناك حالة يكون فيها القبض أدنى من قبض الرهن.
فلو كان المال موجوداً بيد الدائن سابقاً على سبيل الإيداع أو الإعارة أو الإجارة ثم رهنه الراهن لدى الدائن، لزم الرهن، دون حاجة لتجديد قبض آخر؛ لأن قبض الوديعة ونحوه وقبض الرهن متجانساً، فكل منهما قبض أمانة، فينوب أحدهما مناب الآخر.
(1) البدائع: 142/ 6، 126/ 5 وما بعدها، الشرح الكبير للدردير: 236/ 3، المغني: 334/ 4، الشرح الصغير: 309/ 3، بداية المجتهد: 269/ 2.
(2)
أما أن الدين يسقط كله أو بعضه بهلاك المرهون فلمعنى آخر: هو أن مالية المرهون تعتبر محبوسة لدى الدائن ضماناً لحقه ووفاء له من وجه، بوضع يده على قيمة المرهون أو على بعضها، فإذا هلك امتنع رد مالية المرهون إلى مالكه، فيتقرر بذلك استيفاء دينه من المرهون، فيسقط من الدين بقدر مالية المرهون. وعليه فإن ما يزيد من الرهن على الدين يهلك هلاك الأمانات، لأنه ليس محبوساًعلى وجه الاستيفاء.
ولو كان المال موجوداً بيد الدائن سابقاً بطريق الغصب، فرهنه صاحبه لدى الغاصب بسبب علاقة دين من بيع أو قرض، ناب قبض الغصب؛ لأنه قبض ضمان أقوى، عن قبض الرهن؛ لأنه قبض أمانة أدنى، والأعلى ينوب مناب الأدنى، أو الأقوى ينوب مناب الأضعف.
وأما المالكية: فينوب عندهم أيضاً أي قبض سابق عن قبض الرهن؛ لأن غرضهم من القبض هو الحيازة، وهي متحققة. وقد نصوا على أنه يجوز رهن العين المستأجرة عند مستأجرها قبل انتهاء مدة الإجارة، ورهن البستان عند العامل فيه بعقد المساقاة، ويكفي حوزها السابق بالإجارة والمساقاة.
وأما الحنابلة فقالوا أيضاً: إذا ارتهن المرتهن ما في يده بطريق الإعارة أو الإيداع أو الغصب ونحوه، صح الرهن، ولزم بالإيجاب والقبول، من غير حاجة إلى أمر زائد عليهما، لثبوت يده حينئذ على المال المرهون، ولم يشترط القبض إلا لإثبات اليد.
2 -
وقال الشافعية والقاضي أبو يعلى من الحنابلة (1): يكفي القبض السابق، لكن لا يصير الشيء رهناً مقبوضاً حتى تمضي مدة يتأتى فيها قبضه. فإن كان منقولاً، فبمضي مدة يمكن نقله فيها، وإن كان مكيلاً فبمضي مدة يمكن اكتياله فيها، وإن كان غير منقول فبمضي مدة التخلية. وإن كان غائباً عن المرتهن، لم يصر مقبوضاً حتى يوافيه هو أو وكيله، ثم تمضي مدة يمكن قبضه فيها؛ لأن العقد يفتقر إلى القبض، والقبض إنما يحصل بفعله أو بإمكانه، وهو لا يكون إلا في زمن.
(1) المهذب: 306/ 1، المغني: 334/ 4، مغني المحتاج: 128/ 2.
والجمهور يقولون: إذا كانت يد المرتهن على المال المرهون قبل رهنه يد ضمان، فإنها تنقلب يد أمانة بارتهانه؛ لأن السبب المقتضي للضمان قد زال بالارتهان، فيزول أثره وهو الضمان بزوال سببه، بدليل أن الضمان يزول برد المال إلى مالكه لزوال السبب المقتضي للضمان، وسبب الضمان هو الغصب أو الاستعارة عند من يقول بأن يد المستعير يد ضمان، وهم الحنابلة، والشافعية أحياناً.
وبارتهان المال لم يبق المرتهن غاصباً ولا مستعيراً، فلا يبقى الحكم مع زوال سببه. وقال الشافعية: تظل اليد السابقة إذا كانت يد ضمان كما هي. فإذا كان المال المرهون في يد المرتهن بطريق اغتصابه أو إعارته، لا يبرئه ارتهانه عن الغصب (1)، أو الإعارة، لأنه لا منافاة بين الأمرين، فلا منافاة بين يد الغرض منها التوثق وهي يد المرتهن ـ يد الأمانة، وبين اعتبارها ضامنة، بدليل أن المرتهن لو تعدى على المرهون، ضمنه، مع بقاء الرهن، بدليل اختصاصه بضمانه دون باقي الغرماء. وإذا كان عقد الرهن لا يبطل أو لا يرتفع بالضمان، بل يبقى معه، فلا يرفع الضمان الرهن ابتداء من طريق أولى.
لكن إيداع الشيء عند الغاصب يبرئه عن الغصب في الأصح؛ لأن الإيداع ائتمان، وهو ينافي الضمان، بدليل أنه لو تعدى في الوديعة لم يبق أميناً، بخلاف الرهن.
(1) وإذا كان الارتهان لا يبرئ الغاصب من الغصب، فلو أبرأ المالك غاصباً من ضمان المغصوب الباقي، لم يبرأ، لأن الأعيان لايبرأ منها، إذ الإبراء إسقاط ما في الذمة أو تمليكه، وكذا لو أبرأه عن ضمان ما يثبت في ذمته بعد تلفه، لأنه إبراء عما لم يجب. وكذلك لو أجره المغصوب، أو ضاربه به، أو وكله في التصرف فيه، لم يبرأ، كالارتهان.