الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«الناس شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار» (1) وفي رواية «والملح» وشركة الناس فيها شركة إباحة، لا شركة ملك، لعدم إحرازها، فهم سواء في الانتفاع بها ومنها الماء العام، فيثبت لهم حق الشرب.
ثالثاً ـ الأحكام العامة لحق الشرب أو الانتفاع بالمياه:
للانتفاع بالمياه أحكام عامة أهمها ما يأتي (2):
1ً ـ المحافظة على حافة البئر أو العين أو النهر (مجرى الماء مطلقاً): فإن لم يفعل كان لصاحب المجرى منعه من الانتفاع، دفعاً للضرر عنه، عملاً بالحديث النبوي:«لا ضرر ولا ضرار» . ومن الضرر تسرب الماء إلى أرض الجار على وجه غير معتاد، وعليه الضمان إذا كان متعدياً. قال الحنفية: ولا يضمن من ملأ أرضه ماء، فنزت أرض جاره أو غرقت، أي في حال السقي المعتاد الذي تتحمله الأرض عادة، لأنه متسبب غير متعد، فإن كان السقي غير معتاد، ضمن وعليه الفتوى (3).
2ً ـ يجب على المنتفع إمرار الماء من طريق عام إن وجد، فإن لم يوجد، كان على صاحب الطريق الخاص الإذن بإمرار الماء، أو إخراج حاجته من الماء، لقول
(1) المراد بالماء: ما ليس بمحرز، فإذا أحرز فقد ملك، فخرج من أن يكون مباحاً، كالصيد إذا أحرز، فلا يجوز لأحد أن ينتفع به حينئذ إلا بإذنه. والمراد بالكلأ: الحشيش الذي ينبت بنفسه من غير أن ينبته أحد، ومن غير أن يزرعه ويسقيه، فيملكه من قطعه وأحرزه، وإن كان في أرض غيره. والمراد بالنار: الاستضاءة بضوئها، والاصطلاء بها، والإيقاد من لهبها، وليس لصاحبها أن يمنع من ذلك إن كانت في الصحراء، بخلاف ما لو أراد غيره أن يأخذ الجمر، لأنه ملكه، ويتضرر بذلك، فكان له منعه كسائر أملاكه، إلا إذا لم يكن له قيمة (تبيين الحقائق: 39/ 6).
(2)
انظر الأموال ونظرية العقد في الفقه الإسلامي للدكتور محمد يوسف موسى: ص 175 وما بعدها.
(3)
تكملة الفتح: 149/ 8، الدر المختار: 317/ 5.
عمر رضي الله عنه لمحمد بن مَسْلَمة حينما شكاه الضحاك بن خليفة الذي أراد إمرار ماء من أرض ابن مَسْلمة: «والله، ليمرَّن به، ولو على بطنك» (1).
3ً ـ حق الشرب يورث، وتصح الوصية بالانتفاع به، حتى عند الحنفية، الذين يرون عدم توارث الحقوق والمنافع إلا ما استثني، ويجوز بيعه تبعاً للأرض، لامستقلاً منفرداً عنها عند الحنفية، كما أوضحت سابقاً؛ لأنه مجهول الكمية، وبيع المجهول لا يصح لما فيه من الضرر أو الظلم، ولأن الحقوق عند الحنفية ليست بمال متقوم في ظاهر الرواية، فلا تقبل الإفراد بالبيع أو الهبة أو الإجارة أو التصدق بها (2).
والأولى الأخذ برأي غير الحنفية القائلين بجواز التصرف في الحقوق والمنافع؛ لأنها أموال متقومة، في عرف الناس.
4ً ـ إذا كان الماء مملوكاً لشخص واحد، كان له حق الانتفاع به كيفما شاء، فإن كان الماء لجماعة مشتركة أو أناس كثيرين، وزع بينهم بالعدل، إما بالمناوبة الزمانية (المهايأة): بأن يستقل واحد بالماء في زمن معين. وإما بالكوى، أي بفتحات جانبية للماء إلى المزارع والجداول، بما يتناسب ومساحة أرض كل منتفع بهذا الماء. وهذا رأي الشافعية أيضاً (3). ومقتضى العدل في التوزيع: أنه إذا كان نهر بين قوم، واختصموا في الشرب، كان الشرب بينهم على قدر مساحة أراضيهم، كما بينت؛ لأن المقصود هو الانتفاع بسقي الأراضي، فيقدر حقهم بقدرها، بخلاف الطريق؛
(1) تنوير الحوالك شرح الموطأ: 218/ 2 وما بعدها.
(2)
الدر المختار: 316/ 5 وما بعدها، تبيين الحقائق: 43/ 6، تكملة الفتح: 150/ 8، البدائع: 189/ 6.
(3)
المهذب: 428/ 1، مغني المحتاج: 375/ 2.
لأن المقصود منه هو المرور، وهو لا يختلف قدره سعة وضيقاً، ولا عبرة لسعة الدار وضيقها؛ لأن المقصود الاستطراق.
كما أن مقتضى العدل أيضاً أن يتم تغيير التوزيع برضا الجميع، فليس لمشترك بلا رضاهم أن يشق جدولاً من النهر، أو ينصب عليه رحى، أو آلة نزح، أو جسراً، أو يوسع فم النهر، أو أن يقسم بالأيام بعد أن كانت القسمة بالفتحات أو أن يسوق نصيبه إلى أرض أخرى ليس لها فيه شرب؛ لأن القديم يترك على قدمه لظهور الحق فيه، ولأنه يمنع الضرر بالآخرين، وفي التوسعة وغيرها إضرار بهم (1).
5ً ـ يصح رفع دعوى الشِرْب بغير أرض استحساناً عند الحنفية (2)؛ لأن الشرب مرغوب فيه، منتفع به، ويمكن أن يملك بغير أرض بالإرث، أو الوصية، ولأنه قد تباع الأرض دون الشرب فيبقى الشرب وحده، فإذا استولى عليه غيره، كان له أن يدفع الظلم عن نفسه، بإثبات حقه بالبينة.
6ً ـ ينتفع الناس بماء الأمطار أو السيول أو النهر الصغير الذي يزدحم الناس فيه: بأن يبدأ بالأعلى، فيسقي أرضه، حتى يصل إلى الكعب (النهاية)، ثم يرسله إلى من يليه، فيسقي ويحبس الماء حتى يصل إلى كعبه، ثم يرسله إلى من يليه، فيفعل كذلك، وهلم جرا إلى آخره (3)، لحديث عبادة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في شرب النخل من السيل: أن الأعلى يشرب قبل الأسفل، ويترك الماء إلى الكعبين،
(1) الدر المختار: 315/ 5 وما بعدها، تبيين الحقائق: 42/ 6، تكملة الفتح: 148/ 8 وما بعدها، نهاية المحتاج: 258/ 4، المهذب: 428/ 1، المغني: 533/ 5 - 536.
(2)
الدر المختار: 314/ 5، تبيين الحقائق: 40/ 6، تكملة الفتح: 147/ 8.
(3)
المهذب: 428/ 1،مغني المحتاج: 373/ 2، كشاف القناع: 219/ 4 وما بعدها، المغني: 531/ 5.