الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الحنفية فلم يجيزوا في قسمة التقاضي قسمة تفريق إدخال النقود (الدراهم والدنانير) في القسمة، إلا بتراضي الشركاء فيما بينهم؛ لأن القسمة تجري في المشترك والمشترك بينهما العقار، لا النقود، فلو كان بين اثنين دار، وأراد قسمتها، وكان في أحد الجانبين فضل بناء، فأراد أحدهما أن يكون عوض البناء دراهم، وأراد الآخر أن يكون عوضه عن الأرض، فإنه يجعل عوضه من الأرض، ولا يكلف الذي وقع البناء في نصيبه أن يرد دراهم بدلاً عن الزيادة، إلا بالتراضي، لما في القسمة من معنى المبادلة، فيجوز دخول الدراهم فيها بالتراضي دون جبر القاضي، إلا إذا تعذر، فحينئذ للقاضي التعديل بالدراهم، للضرورة (1).
نماذج من القسمة:
أبان الفقهاء أهم حالات القسمة، وهي كيفية قسمة الدور، والأرض والبناء، والدار والضيعة (الأرض العرصة غير المبنية)، والدار والحانوت والسفل والعلو، والطريق.
المطلب الأول ـ قسمة الدور:
اتفق الحنفية (2): على أنه إذا كانت الدور المشتركة في بلدين، فلا تجتمع في القسمة، وتقسم دار كل بلد على حدة.
أما إذا كانت الدور المشتركة في بلد واحد، فتقسم أيضاً عند أبي حنيفة كل دار على حدة؛ لأن الدور أجناس مختلفة، لاختلاف المقاصد باختلاف المحالّ (المواقع) والجيران، والقرب من المسجد والماء والسوق مثلاً، فلا يمكن التعديل في
(1) تكملة الفتح: 15/ 8، تبيين الحقائق: 271/ 5، اللباب: 101/ 4، البدائع: 19/ 7، م (1149) مجلة.
(2)
تكملة الفتح: 13/ 8، تبيين الحقائق: 270/ 5، البدائع: 22/ 7، اللباب: 98/ 4 وما بعدها، الدر المختار ورد المحتار: 184/ 5.
القسمة وإنما تقسم قسمة تفريق، ولا يضم بعض الأنصبة إلى بعض، إلا إذا تراضوا. وهذا هو الصحيح عند الحنفية.
وقال الصاحبان: الرأي في هذه القسمة (وهي قسمة التقاضي) إلى القاضي، يفعل ما يراه الأصلح، فإن وجد الأصلح للشركاء في قسمة جمع، بأن يجمع حصة كل شريك في دار، فعل، وإن وجد الأصلح في قسمة التفريق بأن يقسم كل دار على حدة، فعل؛ لأن الدور ـ في رأيهما ـ من جنس واحد من حيث الاسم والصورة، وأصل السكن، فيفوض الأمر إلى القاضي لاختيار الأصلح من القسمة: إما قسمة الجمع أو قسمة التفريق.
وهذا الخلاف بين الإمام وصاحبيه جارٍ في قسمة الدار الواحدة. فعند الإمام: لا تقسم قسمة جمع إلا بالتراضي. وعند الصاحبين: يفوض الأمر إلى القاضي، ليحقق المصلحة والعدل في اختيار نوع القسمة.
وأما البيوت (الغرف) فتقسم باتفاق الحنفية قسمة جمع، سواء أكانت متباينة أم متلاصقة، لتقاربها في معنى السكنى (1).
والشافعية يرون أن الدار المختلفة الأبنية تقسم قسمة تعديل بالقيمة، لاختلاف الأغراض باختلاف المحالّ والأبنية (2).
(1) يتلخص مذهب الحنفية فيما يلي: قال في الدرر: ههنا أمور ثلاثة: الدور، والبيوت، والمنازل، فالدور متلازمة كانت أو متفرقة: لا تقسم قسمة واحدة إلا بالتراضي. والبيوت تقسم مطلقاً لتقاربها في معنى السكنى، والمنازل: إن كانت مجتمعة في دار واحدة، متلاصقاً بعضها ببعض، قسمت قسمة واحدة، أي قسمة جمع، وإلا فلا، لأن المنزل أصغر من الدار، وأ كبر من البيت، ففيه بيتان أو ثلاثة، والبيت مسقف واحد له دهليز، فألحقت المنازل بالبيوت إذا كانت متلاصقة، وبالدور إذا كانت متباينة. وقال الصاحبان في كل ما ذكر: ينظر القاضي إلى أعدل الوجوه، ويمضي على ذلك. هذا رأي متقدمي الحنفية. وقال متأخرو الحنفية: لعل هذا في زمانهم، وإلا فالمنازل والبيوت، ولو من دار واحدة تتفاوت تفاوتاً فاحشاً في زماننا (رد المحتار: 184/ 5، اللباب: 99/ 4).
(2)
بجيرمي الخطيب: 344/ 4.