الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكن ليس المراد بالحجر عليهم هو حقيقة الحجر: وهوالمنع الشرعي الذي يمنع نفوذ التصرف؛ لأن المفتي لو أفتى بعد الحجر، وأصاب، جاز، وكذا الطبيب لو باع الأدوية، نفذ بيعه، فدل على أن المراد هو المنع الحسي أي يمنع هؤلاء الثلاثة عن عملهم حساً؛ لأن المنع من العمل من باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بسبب أن الطبيب الجاهل يفسد أبدان الناس، والمفتي الماجن يفسد دين المسلمين، والمكاري المفلس يفسد أموال الناس، ويلحق ضرراً بهم.
المطلب الثامن ـ الحجر على المريض مرض الموت:
مرض الموت: هو الذي يغلب بسببه الموت بحسب رأي الأطباء، أو يحدث منه الموت، ولو لم يحصل الموت به غالباً، أي أن المدار على كثرة الموت من المرض، ولو لم يكن غالباً (1).
وعرفته مجلة الأحكام العدلية (م 1595) بأنه المرض الذي يعجز الرجل أو المرأة عن ممارسة أعمالهما المعتادة، ويتصل به الموت قبل مضي سنة من بدئه، إذا لم يكن في حالة تزايد أو تغير، فإن كان يتزايد، اعتبر مرض موت من تاريخ اشتداده أو تغيره، ولو دام أكثر من سنة. ويقال لصاحبه: المريض، ويقابله: الصحيح وهو من ليس في حال مرض الموت، ولو كان مريضاً بمرض آخر. ويعد المرض الذي صح منه المريض كالصحة، والمقعد والمفلوج والمسلول إذا تطاول زمن المرض ولم يقعده في الفراش كالصحيح.
وبناء عليه قال المالكية (2): المريض نوعان: مريض لايخاف عليه الموت غالباً كالأبرص والمجذوم والأرمد، وغيرهم، فلا حجر عليه أصلاً.
(1) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي: 306/ 3.
(2)
القوانين الفقهية: ص 322.
ومريض يخاف عليه في العادة كالُحمَّى القوية والسُّل وذات الجنب وشبهها. وفي رأيي أن تقدير خطر الموت عائد لظروف تقدم الطب في كل عصر. فإذا كان السل مثلاً مرضاً خطيراً في الماضي، فقد أصبح في عصرنا غير خطير بعد اكتشاف عصيات السل؛ وعلاجه المناسب له.
واتفق أئمة المذاهب (1) على جواز الحجر على مريض الموت لحق الورثة. وصرح المالكية أنه يلحق به: من يخاف عليه الموت كالمقاتل في صف القتال، والمحبوس للقتل، أو المحكوم بالإعدام، والحامل إذا بلغت ستة أشهر، ودخلت في السابع ولو بيوم. واختلف في راكب البحر وقت الهول بشدة ريح أو غيرها، والأصح أنه لايعتبر كمريض الموت.
والذي يحجر به على مريض الموت: هو تبرعاته فقط فيما زاد عن ثلث تركته، حيث لا دين، فيحجر على المريض في تبرع كهبة وصدقة ووصية ووقف وبيع محاباة، وبيع مشتمل على غبن، فيما يزيد عن ثلث ماله، أي أن حكم تبرعاته كحكم وصيته، تنفذ من الثلث، وتكون موقوفة على إجازة الورثة في الزائد عن الثلث. فإن برئ من مرضه، صح تبرعه. وهذا رأي الحنفية والشافعية والحنابلة. فإن استغرقت الديون جميع تركته حجر عليه جميع تصرفاته دون نظر إلى الثلث رعاية لحقوق الدائنين الغرماء.
وقال المالكية: لاينفذ من الثلث تبرع المريض في الحال أو لا ينجز للمتبرع له إلا إذا كان المال المتبرع منه مأموناً أي لايخشى تغيره وهو العقار كدار وأرض
(1) الدر المختار: 480/ 5 ومابعدها، شرح السراجية: ص5، الشرح الكبير: 306/ 3 ومابعدها، الشرح الصغير: 399/ 3 - 402، مغني المحتاج: 165/ 2، القوانين الفقهية: ص 322 ومابعدها، المغني: 465/ 4، كشاف القناع: 404/ 3.