الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويسميها أهل العراق: القَراح. ووصف الشافعية (1) المخابرة بأنها: عمل الأرض ببعض ما يخرج منها، والبذر من العامل. والمزارعة: هي المخابرة، ولكن البذر فيها يكون من المالك.
والخلاصة: المزارعة عقد استثمار أرض زراعية بين صاحب الأرض، وآخر يعمل في استثمارها، على أن يكون المحصول مشتركاً بينهما بالحصص التي يتفقان عليها.
ثانياً ـ مشروعيتها:
لم يجز أبو حنيفة وزفر المزارعة، وقالا: هي فاسدة، وبعبارة أخرى: المزارعة بالثلث والربع في رأيهما باطلة (2). وكذلك لم يجز الشافعي المزارعة، وإنما تجوز عند الشافعية فقط تبعاً للمساقاة للحاجة، فلو كان بين النخل بياض صحت المزارعة عليه مع المساقاة على النخل بشرط اتحاد العامل، وعسر إفراد النخل بالسقي، والبياض بالعمارة: وهي الزراعة لانتفاع النخل بسقي الأرض وتقليبها. والأصح أنه يشترط: ألا يفصل العاقدان بين العقدين وإنما يؤتى بهما على الاتصال، وألا يقدم المزارعة على المساقاة، لأنها تابعة، والتابع لا يقدم على متبوعه. ولا تجوز المخابرة عند الشافعية تبعاً للمساقاة، لعدم ورود مشروعيتها (3). ودليل أبي حنيفة وزفر والشافعي على عدم مشروعية المزارعة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة (4): وهي المزارعة. ولأن أجر المزارع: وهو مما تخرجه
(1) مغني المحتاج: 323/ 2 وما بعدها.
(2)
العناية بهامش تكملة الفتح: 32/ 8، وتقييدهم بالثلث والربع باعتبار العادة في ذلك، ولتقرير محل النزاع، إذ لو لم يعين المقدار فسدت اتفاقاً.
(3)
مغني المحتاج: 324/ 2، المهذب: 349/ 1.
(4)
أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله، وأخرجه أيضاً عن ابن عمر: أن رافع بن خديج روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه (نصب الراية: 180/ 4) وروى مسلم أيضاً عن ثابت بن الضحاك: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة» وروى أبو داود والنسائي وأحمد والبخاري حديث رافع بالنهي عن كراء الأرض (نيل الأوطار: 275/ 6، 280).
الأرض إما معدوم لعدم وجوده عند العقد، أو مجهول لجهالة مقدار ما تخرجه الأرض، وقد لا تخرج شيئاً، وكل من الجهالة وانعدام محل العقد مفسد عقد الإجارة.
وأما معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر ـ كما سيأتي ـ فكان خراج مقاسمة (1) كثلث أو ربع غلة الأرض، بطريق المن والصلح، وهو جائز.
ومع هذا قال كثير من فقهاء الشافعية بمشروعية المزارعة استقلالاً، بدليل معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر، واعتبروا المخابرة في معنى المزارعة.
وقال صاحبا أبي حنيفة (أبو يوسف ومحمد)، ومالك وأحمد وداود الظاهري، وهو رأي جمهور الفقهاء: المزارعة جائزة، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع (2). ولأنها عقد شركة بين المال والعمل، فتجوز كالمضاربة، لدفع الحاجة، فصاحب المال قد لا يحسن الزراعة، والعامل يتقنها، فيتحقق بتعاونهما الخير والإنتاج والاستثمار. والعمل والفتوى عند الحنفية على قول الصاحبين، لحاجة الناس إليهم ولتعاملهم. وهذا هو الراجح. وهي تشبه الشركة والإجارة، فهي مشاركة في الناتج بين صاحب الأرض والمزارع بنسبة متفق عليها كالنصف أو الثلث للمزارع. وهي كالإجارة عن طريق المشاركة في استغلال الأرض، والأجرة فيها حصة معينة من المحصول. لكنها تتميز عن الشركة بأن نصيب المالك فيها حصة من نفس المحصول الناتج من الأرض، وليس من صافي الأرباح.
(1) الخراج نوعان: خراج وظيفة: وهو فرض جزء مقطوع معلوم سنوياً على جزء معلوم من مساحة الأرض المفتوحة. وخراج مقاسمة: وهو فرض مقدار نسبة محددة من غلة الأرض كالنصف مثلاً (تبيين الحقائق: 278/ 5).
(2)
رواه الجماعة (أحمد والأئمة الستة) عن ابن عمر، وروي أيضاً عن ابن عباس وجابر بن عبد الله (نيل الأوطار: 272/ 5).