الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للغاصب؛ لأن العين باقية من كل وجه، فاسمها باق، وأحكامها الأربعة المتعلقة بالذهب والفضة باقية، وهي (الثمنية، وكونها موزونة، وجريان الربا فيها، ووجوب الزكاة عليها) فلم ينقطع حق المالك بها.
وظل الصاحبان في ذلك على أصلهما السابق (1): وهو أنه يملكها الغاصب، وعليه مثلها؛ لأنه أحدث فيها صنعة معتبرة، صيَّر بها حق المالك في حكم الهالك (التالف)، وتغاير الأصل مع الحادث المصنوع في الاسم والمعنى، فكان قبل الصنع يسمى تبراً، وبعده سمي دراهم ودنانير أو آنية.
5 - نقصان المغصوب:
نقص المغصوب في يد الغاصب قد يكون معنوياً أو حسياً مادياً، وهو يشمل عند الحنفية صوراً أربعاً هي ما يأتي (2):
أـ أن يحدث النقص بسبب هبوط الأسعار في الأسواق: وهذا لا يكون مضموناً إذا رد العين في مكان الغصب؛ لأن نقصان السعر ليس نقصاً مادياً في المغصوب بفوات جزء من العين، وإنما يحدث بسبب فتور الرغبات التي تتأثر بإرادة الله تعالى، ولا صنع للعبد فيها.
ب ـ أن يكون النقص بسبب فوات وصف مرغوب فيه، كضعف الحيوان، وزوال سمعه أو بصره، أوطروء الشلل أو العرج أو العور أوسقوط عضو من الأعضاء، فيجب على الغاصب ضمان النقص في غيرمال الربا، ويأخذ المالك العين المغصوبة، لبقاء العين على حالها.
(1) وإطلاق نص المجلة (م 899) يتمشى مع عموم مذهب الصاحبين.
(2)
البدائع: 155/ 7، تكملة الفتح: 382/ 7، تبيين الحقائق: 288/ 5 وما بعدها، اللباب شرح الكتاب: 190/ 2، رد المحتار: 132/ 5.
فإن كان المغصوب من أموال الربا كتعفن الحنطة، وكسر إناء الفضة، فليس للمالك إلا أخذ المغصوب بذاته، ولا شيء له غيره بسبب النقصان؛ لأن الربويات لا يمكنهم فيها ضمان النقصان، مع استرداد الأصل؛ لأنه يؤدي إلى الربا.
جـ ـ أن يكون النقص بسبب فوات معنى مرغوب فيه في العين، مثل الشيخوخة بعد الشباب، والهرب، ونسيان الحرفة، فيجب ضمان النقص في كل الأحوال.
د ـ أن يكون النقص بفوات (زوال) جزء من العين المغصوبة، كخرق الثوب، فيجب الضمان في جميع الأحوال.
لكن إن كان النقص يسيراً كالخرق اليسير في الثوب، فليس للمالك سوى تضمين الغاصب مقدار النقصان لبقاء العين بذاتها.
وإن كان النقص فاحشاً كالخرق الكبير في الثوب بحيث يبطل عامة منافعه، فالمالك بالخيار بين أخذه وتضمينه النقصان، لتعيبه، وبين تركه للغاصب وأخذ جميع قيمته؛ لأنه أصبح مستهلكاً له من وجه. والصحيح في ضابط الفرق بين اليسير والفاحش هو مايأتي (1):
اليسير: ما لا يفوت به شيء من المنفعة، وإنما يدخل فيه نقصان في المنفعة.
والفاحش: هو ما يفوت به بعض العين وجنس المنفعة، ويبقى بعض العين وبعض المنفعة.
وقدرت المجلة (م 900): اليسير بما لم يكن بالغاً ربع قيمة المغصوب. والفاحش: بما ساوى ربع قيمة المغصوب أوأزيد.
(1) رد المحتار: 136/ 5، تبيين الحقائق: 229/ 5، تكملة فتح القدير: 383/ 7.
وإذا وجب ضمان النقصان قوّمت العين صحيحة يوم غصبها، ثم تقوّم ناقصة، فيغرم الغاصب الفرق بينهما.
وإذا كان العقار مغصوباً، فإنه وإن لم تضمن عينه بهلاكه بآفة سماوية عند الحنفية، فإن النقص الطارئ عليه بفعل الغاصب أو بسكناه أو بسبب زراعة الأرض مضمون، كما ذكرت سابقاً؛
لأنه إتلاف وتعد منه (1).
وقال غير الحنفية (2): لا يضمن نقص المغصوب ولا زيادته بسبب هبوط الأسعار، أي كما قال الحنفية؛ لأن النقص كان بسبب فتور رغبات الناس، وهي لاتقابل بشيء، والمغصوب لم تنقص عينه ولا صفته (3)، لكن الشافعية وأبو ثور قالوا: إذا نقصت القيمة بسبب تغير الأسعار، يلزم الغاصب بضمان النقصان.
وأما النقص الحاصل في ذات المغصوب أو في صفته، فيكون مضموناً، سواء حصل النقص بآفة سماوية أو بفعل الغاصب.
إلا أن المالكية قالوا في المشهور عندهم: إذا كان النقص بأمر من السماء، فليس للمغصوب منه إلا أن يأخذ المغصوب ناقصاً كما هو، أو يُضمن الغاصب قيمة المغصوب كله يوم الغصب، ولا يأخذ قيمة النقص وحدها. وإن كان النقص بجناية الغاصب، فالمالك مخير في المذهب بين أن يضمن الغاصب القيمة يوم
(1) تكملة فتح القدير: 369/ 7، تبيين الحقائق: 229/ 5، م 905 من المجلة.
(2)
بداية المجتهد: 312/ 2 وما بعدها، الشرح الكبير مع الدسوقي: 452/ 3 وما بعدها، القوانين الفقهية: ص 331، مغني المحتاج: 286/ 2، 288، المهذب: 369/ 1، كشاف القناع: 99/ 4 ومابعدها، المغني: 228/ 5، 232، 241.
(3)
لا اعتبار بتغير السعر في السوق في غصب الذوات. أما التعدي: وهو غصب المنفعة عند المالكية فيتأثر بذلك، فللمالك إلزام الغاصب قيمة الشيء إن تغير سوقها، عما كان يوم التعدي، وله أن يأخذ عين شيئه، ولا شيء له على المتعدي.