الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن لم يكن قابلاً للقسمة، تناوب الشركاء في الانتفاع بطريق المهايأة.
والخلاصة: أنه تجب القسمة عند الطلب، إلا إذا كان الطالب قاصداً الضرر، فلا تجب، كما سيبين في الشرط الثاني.
الشرط الثاني ـ ألا يترتب على القسمة ضرر:
وهذه في قسمة التفريق، لأنه إذا كان في القسمة ضرر لم تتحقق المنفعة المطلوبة من المال.
ويتضح هذا الشرط في معرفة طبيعة المال، والمال في هذا الشأن نوعان (1):
أـ إن كان المال مما لا ضرر في تبعيضه أو تجزئته، بل فيه منفعة للشريكين، كالمكيل والموزون والعددي المتقارب، فتجوز قسمة التفريق قسمة جبر، ويجبر القاضي من أبى من الشركاء على قبولها تحقيقاً لمصلحة الطرفين.
ب ـ وإن كان في القسمة ضرر: فإن أضرّت بكل واحد من الشريكين لم تجز قسمة الجبر في المال المشترك كاللؤلؤ والياقوت والثوب الواحد والسرج والقوس والمصحف الكريم، والخيمة والحائط، والحمام والبيت، أو الحانوت الصغير، والفرس والجمل والشاة والبقرة؛ لأن الضرر يلحق بالشريكين معاً، والقاضي لا يملك الجبر على الإضرار.
وأما إن أضرّت القسمة بأحد الشريكين دون الآخر، كالأرض المشتركة بين شريكين ولأحدهما حصة قليلة، وللآخر الأكثر، فتجب القسمة إن طلبها صاحب الأكثر، إزالة للشيوع ومنعاً من الضرر، فهو ينتفع بنصيبه، فيجاب طلبه؛ لأن الحق لا يبطل بتضرر الغير. وإن طلبها صاحب الحصة القليلة: ففيه رأيان:
(1) البدائع: 19/ 7 - 21، تبيين الحقائق: 268/ 5 وما بعدها.
رأي الحاكم الشهيد في مختصره الكافي: إنه يقسم المال المشترك، إذ لا ضرر على صاحب الكثير، بل له فيه منفعة، وصاحب القليل قد رضي بالضرر، حيث طلب القسمة، فيجبر على القسمة.
ورأى القدوري في الكتاب: لا يقسم؛ لأن صاحب القليل متعنِّت في طلب القسمة، لكون القسمة ضرراً محضاً في حقه، فلا يعتبر طلبه، وقسمة الجبر لاتشرع بدون الطلب. وهذا هو الأصح.
وإن كانت حصة كل من الشريكين قليلة، لم يقسم القاضي بينهما، إلا بتراضيهما؛ لأن الجبر على القسمة لتكميل المنفعة، وفي هذا تفويتها، وإنما تجوز القسمة بتراضيهما؛ لأن الحق لهما وهما أعرف بشأنهما (1).
ومذهب الشافعية في قسمة الضرر والجبر قريب من مذهب الحنفية، قالوا (2): إن ما عظم ضرر قسمته: إن بطل نفعه الحالي المقصود منه بالكلية كجوهرة وثوب نفيسين، منعهم الحاكم منها، وانتفعوابه مهايأة.
وإن لم يبطل نفعه بالكلية، كأن ينقص نفعه كسيف يكسر، أو أبطل نفعه المقصود، كحمام وطاحونة صغيرين، لم يمنعهم ولم يجبهم إلى القسمة، لما فيه من إضاعة المال.
ولو كان هناك مال مشترك بين اثنين، لأحدهما حصة قليلة، كعشر دار أو حمام، أو أرض، وللآخر الأكثر وهو الباقي، أجبر صاحب الأقل على القسمة، بطلب الآخر لا عكسه.
(1) الكتاب مع اللباب: 94/ 4 وما بعدها، البدائع: 28/ 7.
(2)
بجيرمي الخطيب: 340/ 4 وما بعدها.
وكذلك قال الحنابلة (1): يجبر الحاكم على القسمة إذا كان المال قابلاً للقسمة، وأمكن انتفاع الشريكين به مقسوماً، أي إنه يشترط لصحة القسمة عندهم ألا يكون فيها ضرر، فإن كان فيها ضرر، لم يجبر الممتنع لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا ضرر ولا ضرار» .
والضرر المانع من القسمة عند الشافعي وأحمد: هو أن تنقص قيمة نصيب كل شريك بالقسمة عن حال الشركة، سواء انتفعوا به مقسوماً أم لم ينتفعوا؛ لأن نقص قيمته ضرر، والضرر منفي شرعاً.
وقال المالكية (2): إن كان الشيء المشترك مما يحتمل القسمة بلا ضرر كالأرضين وغيرها، أجبر على القسمة من أباها، وإما إذا كان المال المشترك غير قابل للقسمة كحانوت وبيت صغير وسيف، فيباع ويوزع ثمنه بين الشريكين بحسب الحصة، ويجبر على البيع من أباه من الشركاء، بشروط أربعة وهي:
1 -
أن تنقص حصة مريد البيع لو باعها مفردة عن حصة شريكه، فإن لم تنقص لو بيعت مفردة لم يجبر له الآبي عن البيع، لعدم الضرر، كما لا يجبر فيما يقبل القسمة، أي في المال المثلي.
2 -
ألا يلتزم رافض البيع لشريكه بتحمل فرق النقصان.
3 -
ألا يملك مريد البيع حصته مفردة: فإن ملكها مفردة، وأراد بيعها، وأبى صاحبه من البيع معه، لم يجبر على البيع معه، وعلى هذا فإن تملك الشريكان المال المشترك معاً بإرث أو شراء أو غيرهما، جاز إجبار الممتنع على البيع.
(1) المغني: 115/ 5 ومابعدها.
(2)
الشرح الصغير: 678/ 3 وما بعدها، القوانين الفقهية: ص 285.