الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - التصرف الحسي المرخص بالإكراه:
هو كإجراء كلمة الكفر على اللسان مع اطمئنان القلب بالإيمان، أو سب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أو الصلاة إلى الصليب، أو إتلاف مال المسلم، فهذه الأمور لا تباح، ولكن يرخص فعلها عند الإكراه التام، وإن امتنع المستكره عن فعلها حتى قتل، كان مثاباً ثواب الجهاد؛ لأن تحريمها لم يسقط عن فاعلها. وأما وإن كان الإكراه ناقصاً، فلا يرخص فيها أصلاً، ويحكم بكفر فاعلها، وإن كان قلبه مطمئناً بالإيمان، وهذا مذهب الحنفية والمالكية. وعليه، لا يرخص بهذا التصرف إلا في حالة الإكراه الملجئ.
ورخص الشافعية والحنابلة والظاهرية التلفظ بالكفر عند الإكراه الناقص؛ لأن الكثير من حوادث الإكراه على الكفر في بدء الإسلام كانت إكراهاً ناقصاً، فهذا هو الراجح إذن من الرأيين.
والترخيص بإجراء كلمة الكفر عند الإكراه التام ثابت بقوله تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} [النحل:16/ 106]. وهذا هو مذهب الجمهور والظاهرية.
أما المالكية: فلا يبيحون إجراء كلمة الكفر على اللسان إلا في الإكراه على القتل فقط، أما الإكراه بقطع عضو، فلا يعتبرونه مبيحاً لإجراء كلمة الكفر على اللسان.
ويلاحظ أن الامتناع عن الكفر أفضل، بدليل ما روي أن مسيلمة الكذاب أخذ اثنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لأحدهما: ما تقول في محمد؟ قال: رسول الله، قال: فما تقول في؟ قال: وأنت أيضاً، فخلى سبيله. وقال للآخر: ما تقول في محمد؟ قال: رسول الله، قال: كما تقول في؟ قال: أنا أصم، لا
أسمع، فأعاد عليه ثلاث مرات، فأعاد جوابه، فقتله، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«أما الأول فقد أخذ برخصة الله تعالى، وأما الثاني فقد صدع بالحق، فهنيئاً له» (1).
وأما الترخيص بسبِّ النبي صلى الله عليه وسلم عند الإكراه، فهو جائز لما روي أن عمار بن ياسر رضي الله عنهما، لما أكرهه الكفار على سبِّ محمد صلى الله عليه وسلم، رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ما وراءك يا عمار؟ قال: شر يا رسول الله، ما تركوني حتى نلت منك، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:«إن عادوا فعد» (2).
ولو امتنع المستكره عن سب النبي حتى مات كان مأجوراً، بدليل ما روي من قصة خبيب، فقد أخذه المشركون وباعوه من أهل مكة، فأخذوا يعذبونه على أن يذكر آلهتهم بخير، ويسب محمداً، فلم يسب إلا آلهتهم، ولم يذكر محمداً إلا بخير، ولما يئسوا من كفره، أجمعوا على قتله، فسألهم أن يصلي ركعتين، فأوجز في صلاته حتى لا يظنوا أنه يخشى الموت، ثم سألهم أن يلقوه على وجهه ليموت وهو ساجد، فأبوا عليه ذلك، فرفع يديه إلى السماء، ثم قال: اللهم إني لا أرى إلا وجه عدو، فاقرأ رسول الله مني السلام، ثم قال: اللهم أحص هؤلاء عدداً، واجعلهم بدَد َا َ، ولا تبق منهم أحداً، ثم أنشأ يقول:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي
فلما قتلوه وصلبوه، تحول وجهه نحو القبلة، فقال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم:«هو سيد الشهداء، وهو رفيقي في الجنة» (3).
(1) تفسير القرطبي: 189/ 10، التلخيص الحبير: ص371.
(2)
رواه الحاكم والبيهقي وابن أبي شيبة وأبو نعيم وعبد الرزاق وإسحاق بن راهويه وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه (راجع نصب الراية: 158/ 4).
(3)
روى قصة القتل أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة (راجع نصب الراية، المرجع السابق: ص159، نيل الأوطار: 253/ 7 ومابعدها)، وقول الرسول «هو سيد الشهداء .. إلخ» حديث غريب كما قال الزيلعي، لأن المعروف أن حمزة سيد الشهداء كما روى الحاكم.