الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبناء عليه: ليس لصاحب السفل أن يحدث في بنائه أي تغير، كدق وتد، أو فتح نافذة، أو رفع جدار، إلا برضا صاحب العلو، وإن لم يضر به. وليس لصاحب العلو زيادة بناء يوهن السفل.
وقال الصاحبان: الأصل في تصرف الجار الإباحة؛ لأنه تصرف في ملكه، والملك يقتضي إطلاق التصرف، كما يشاء المالك، إلا إذا لحق بسببه ضرر بالغير، فيمنع حينئذ المالك منه، وبناء عليه: لصاحب السفل أو الطابق الأدنى أن يصنع ما لا يضر بالبناء الأعلى.
وهذا الرأي هو المعقول، والأصح في تقديري، وهو الاستحسان المفتى به عند الحنفية (1).
المطلب السابع ـ حق الجوار:
تعريفه، ومدى صلاحية الجار أو حق الجار بالتصرف في ملكه.
حق الجوار: المراد به هو حق الجوار الجانبي: وهو الناشئ عن تلاصق الحدود وتجاورها، ويكون لكل من الجارين الحق في الارتفاق بعقار جاره، على ألا يلحق به ضرراً بيناً فاحشاً.
والامتناع عما يؤذي الجار واجب ديانة، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه» (2) أي غوائله وشروره، ومع ذلك للفقهاء آراء قضائية في منع الضرر بالجار (3):
(1) انظر الدر المختار: 375/ 4.
(2)
رواه مسلم عن أبي هريرة.
(3)
البدائع: 264/ 6 وما بعدها، فتح القدير: 506/ 5، المبسوط: 21/ 15، الأم: 222/ 3 وما بعدها، ط الأميرية، المحلى: 241/ 8، م 1355، مختصر المعاملات الشرعية: ص23.
فقال أبو حنيفة بمقتضى القياس: والشافعية والظاهرية: لصاحب الملك أن يفعل في ملكه ما يشاء، وهو مطلق التصرف في خالص ملكه، وإن ألحق الضرر بغيره، فله فتح ما شاء من النوافذ، وهدم ما شاء من الجدران، وحفر ما رأى من الآبار، وإنشاء ما يشاء من المصانع، واتخاذ ما أراد من السكنى أو المتجر.
لكن في الجدار المشترك: قال الشافعية في الجديد (1): ليس لأحد الشريكين وضع جذوعه عليه بغير إذن شريكه، وليس له أن يدق وتداً أو يفتح كوَّة أو نحوهما مما يضايق فيه عادة إلا بإذن شريكه، ولا أن يستند إليه ويسند متاعاً لا يضر، وله ولغيره مثل هذا الانتفاع في جدار الأجنبي؛ لأنه لا ضرر على المالك، فلا يضايق فيه، بل له الانتفاع، ولو منعه المالك.
وقال الصاحبان بمقتضى الاستحسان الذي أخذت به المجلة: يتقيد استعمال مالك العقار وتصرفه بما لا يؤدي إلى ضرر بيّن فاحش بجاره، ولقوله عليه الصلاة والسلام:«لا ضرر ولا ضرار» . وهذا هو المفتى به عند الحنفية.
والضرر البين الفاحش: ما يكون سبباً لهدم أو سقوط بناء الجار، أو ما يوهن البناء، أو ما يؤذي الجار أذىً بالغاً على وجه دائم، أو ما يؤدي إلى سلخ حق الانتفاع بالكلية: وهو ما يمنع من الحوائج الأصلية، كأن يحول داره إلى فرن أو مصنع للحديد أو مطحنة للحبوب، أو حمام أو تنور أو يبني جداراً يمنع به النور عن جاره.
فإن فعل شيئاً مما ذكر، منع منه، وأمر بإزالته، وكان ضامناً ما يترتب عليه من تلف بدار جاره، سواء أكان بالمباشرة أم بالتسبب.
(1) مغني المحتاج: 189/ 2.
وقال المالكية والحنابلة (1): يتقيد استعمال المالك بألا يضر بالآخرين، ولو بالنية والقصد، فإ لم تكن له مصلحة ظاهرة في التصرف، أو لم يقصد سوى الإضرار بالآخرين، منع منه؛ لأن المسلم ممنوع من قصد الإضرار.
لكن المشهور عند المالكية أن الشخص لا يمنع إذا أراد أن يعلي بنياناً يمنع جاره الضوء والشمس، ويمنع إذا أراد أن يبني بنياناً يمنع الهواء. واتفق المالكية على منع أنواع من الضرر المحدث، هي: فتح كوة أو طاقة يكشف منها على جاره، فيؤمر بسدها أو سترها، وأن يبني شخص في داره فرناً أو حماماً أو كير حداد، أو صائغ، مما يضر بجاره دخانه، فيمنع منه إلا إن احتال في إزالة الدخان. وأن يصرف ماءه على دار جاره أو على سقفه، أو يجري في داره ماء، فيضر بحيطان جاره. ومن طرق تجنب الضرر: كاتم الصوت وعازل الحرارة، وصفاية الدخان.
والخلاصة: أن الاتجاه الأقوى في الفقه الإسلامي يجيز للمالك أن يتصرف في ملكه بما لا ضرر فيه على الجار، أما ما بان ضرره الفاحش، أو أشكل فيه الحال، فإنه ممنوع.
وإذا كان الشيء قديماً قبل الجوار، يظل قائماً، ما لم يكن فيه ضرر بالجار الجديد.
(1) الموافقات: 349/ 2، القوانين الفقهية: ص 341.