الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كذلك إذا كانت الشفة تأتي على الماء كله، بأن كان جدولاً صغيراً، والمواشي الواردة عليه كثيرة، فقال أكثر الفقهاء منهم الحنفية: للمالك حق المنع، لأنه يلحقه ضرر به، كسقي الأرض.
الرابع ـ الماء المحرز في الأواني:
مملوك لصاحبه بالإحراز، فلا يحق لغيره الانتفاع به إلا بإذن صاحبه، لا شرباً ولا سقياً ولا غيره.
لكن للمضطر الذي يخاف على نفسه من الهلاك بسبب العطش، ولم يجد سوى هذا الماء المحرز: أن يأخذ هذا الماء من صاحبه، ولو بالقوة، لكن بغير سلاح إذا كان الماء فاضلاً عن حاجة صاحبه، كما تبين في حق الشرب.
المطلب الثالث ـ حق المجرى:
تعريفه، و
أحكامه
.
تعريف حق المجرى:
هو حق صاحب الأرض البعيدة عن مجرى الماء، في إجراء الماء إلى أرضه لسقيها. وقد يكون المجرى نفسه مملوكاً لصاحب المجرى، أو لصاحب الأرض التي هو فيها وهو الكثير، أو لهما معاً، أو مشتركاً بين كثيرين.
أحكامه: المبدأ العام في الشرع أنه ليس لصاحب الأرض منع جاره من إمرار الماء في أرضه، عملاً بقول عمر المتقدم، لمن منع جاره من إرسال الماء في أرضه:«والله ليمرن به، ولو على بطنك» .
وليس لصاحب الأرض أيضاً أن ينقل المجرى من مكانه إلا برضا أصحاب الحق فيه، ولهم الحق في ترميمه، ومنع تسرب الماء منه، وتعميقه، وتقوية جانبيه. كما أن لصاحب الأرض مطالبتهم بإصلاحه، حتى لا يتسرب الماء منه، فيتلف مزروعاته.
وإذا كان المجرى مشتركاً بين جماعة، فليس لأحدهم سده إلا برضا الجميع على أن يسده كل واحد في نوبته. فإن منعوه من سده، كان له رفع الماء إلى أرضه بآلة (1)، ودليل اشتراط رضا الجميع بسد المجرى هو قاعدة:«يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام» .
وحق المجرى إن كان قديماً في أرض الغير يترك على حاله (2)، عملاً بقاعدة:«القديم يترك على قدمه» ولا يُزال، إلا إذا كان فيه ضرر على صاحب الأرض، عملاً بقاعدة:«الضرر لا يكون قديماً» .
وإن أريد إحداث مجرى جديد: فإن كان في طريق عام، أنشئ بإذن السلطة، لمنع الضرر وتحقيق المصلحة العامة.
وإن كان في أرض مملوكة لغيره، أحدث بإذن المالك، ولكن ليس للمالك المنع من إحداثه، ما لم يلحق به ضرر بسببه، عملاً بقول عمر السابق:«والله ليمرن به ولو على بطنك» (3).
(1) البدائع: 190/ 6 وما بعدها، الأموال ونظرية العقد: ص 176 وما بعدها، مختصر المعاملات الشرعية: ص 20.
(2)
الدر المختار ورد المحتار: 314/ 5، الخراج لأبي يوسف: ص 99.
(3)
والقصة هي: روى مالك في موطئه (218/ 2) عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه: أن الضحاك بن خليفة ساق خليجاً له من العريض، فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة، فأبى محمد: فقال له الضحاك: لم تمنعني، وهو لك منفعة، تشرب به أولاً وآخراً، ولا يضرك؟ أبى محمد، فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب، فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة، فأمره أن يخلي سبيله، فقال محمد: لا، فقال عمر: لم تمنع أخاك ما ينفعه، وهو لك نافع، تسقي به أولاً وآخراً، وهو لا يضرك؟ فقال محمد: لا، والله، فقال عمر: والله ليمرن به، ولو على بطنك. فأمره عمر أن يمر به، ففعل الضحاك. وانظر الخراج ليحيى بن آدم: ص 110.