الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو اقترض وقبض وتلف المأخوذ في يده أو أتلفه فلا ضمان عليه، ولا يصح إقراره بدين قبل الحجر عليه أو بعده، كالصبي. كما لا يصح إقراره بإتلاف المال أو جناية توجب المال في الأظهر، كدين المعاملة. ويصح إقراره بالحد والقصاص، لعدم تعلقهما بالمال، ولبعد التهمة. وتقطع يده لو كان الحد سرقة. ولا يلزمه المال لو عفا مستحق القصاص؛ لأن المال ثبت باختيار غيره، لا بإقراره.
وحكمه في العبادة الواجبة مطلقاً، والمندوبة البدنية كالرشيد، لاجتماع الشرائط فيه. أما المندوبة المالية كصدقة التطوع، فليس هو فيها كالرشيد. لكن لا يفرق الزكاة بنفسه؛ لأنه ولاية وتصرف مالي، لكن لو أذن له الولي، وعين له المدفوع إليه، صح صرفه، كالصبي المميز، بشرط أن يكون تصرفه بحضرة الولي أو نائبه، لأنه قد يتلف المال إذا خلا به، أو يدّعي صرفه كاذباً.
ويصح نذره في الذمة بالمال، لا بعين ماله. وإذا أحرم بحج مفروض (أصلي أو قضاء أو منذور قبل الحجر)، أعطى الولي كفايته لثقة ينفق عليه في طريقه، كما قال الحنفية. وإن أحرم حال الحجر بتطوع من حج أو عمرة، أو بنذر بعد الحجر، وزادت مؤنة سفره عن نفقته المعتادة في أثناء الإقامة (أو الحضر)، فللولي منعه من الإتمام، أو الإتيان به، صيانة لماله، والمذهب أنه يكون كمُحْصَر (ممنوع من إكمال الحج)، فيتحلل؛ لأنه ممنوع من المضي، ويتحلل بالصوم؛ لأنه ممنوع من المال. لكن لو كان له في طريقه كسب، قدرَ زيادة المُؤنة، لم يجز منعه؛ لأن الإتمام بدون التعرض للمال ممكن.
4 - مذهب الحنابلة
(1): السفيه: هو الذي لا يحسن التصرف.
(1) المغني: 469/ 4 - 475، كشاف القناع: 440/ 3 - 443.
ولا بد للحجر عليه ـ كما قال سائر الأئمة ـ من حكم الحاكم، كما أن رفع الحجر عنه لا بد له من الحكم؛ لأنه حجر ثبت بحكمه، فلم يزل إلا به، كالمدين المفلس.
ومن حجر عليه الحاكم استحب له إظهاره والإشهاد على الحجر عليه، لتجتنب معاملته، كما قال الشافعية، ومن عامله بعدئذ فهو المتلف لماله.
وولي السفيه: هو الأب، أو وصيه بعده، أو الحاكم عند عدمهما، إن كان محجوراً عليه صغيراً، واستديم الحجر عليه لسفهه. وإن جدد الحجر عليه بعد بلوغه، لم ينظر في ماله إلا الحاكم؛ لأن الحجر وإزالته يفتقر إلى حكم الحاكم، فكذلك النظر في ماله.
وأما تصرفاته: فيصح نكاحه بإذن وليه وبغير إذنه، كما قال الحنفية، إن احتاج إليه؛ لأنه في هذه الحالة مصلحة محضة، ويتقيد بمهر المثل فلا يزيد عليه؛ لأن الزيادة تبرع، وليس السفيه من أهله. فإن لم يكن السفيه محتاجاً إلى التزوج، لا يصح تزوجه إلا بإذن وليه؛ لأنه تصرف يجب به مال، فلم يصح بغير إذن وليه كالشراء.
ويصح طلاقه؛ لأن الطلاق ليس بتصرف في المال، كما يصح خلعه زوجته؛ لأنه إذا صح الطلاق من دون دفع مال منه، فالخلع الذي يجلب له المال أولى، لكن لا يدفع العوض إليه. وهو متفق عليه فقهاً، كما لا حظنا.
ويصح ظهاره وإيلاؤه ولعانه ونفي النسب باللعان عن السفيه، وإقراره بنسب ولد منه.
وتصح وصيته، كما قال سائر الفقهاء، لأنها محض مصلحته، لأنها تقرب إلى الله تعالى بماله، بعد استغنائه عنه.
ويصح إقراره بما يوجب حداً أو قصاصاً، كما قال سائر الفقهاء، كالزنا والسرقة والشرب والقذف والقتل العمد أو قطع اليد وما أشبهها. وإذا أقر بما يوجب القصاص، فعفا المقر له على مال، فالصواب: أنه لا يجب المال الذي عفا عليه في الحال، كما قال الشافعية؛ لأن السفيه والمقر له قد يتواطآن على العفو، بل يجب إذا انفك الحجر عنه.
ولا يصح إقراره بدين، أو بما يوجب الدين كجناية الخطأ، وشبه العمد وإتلاف المال وغصبه وسرقته، ولا يلزمه ما أقر به في حال حجره؛ لأنه محجور عليه لمصلحته، لكن الظاهر من قول الحنابلة: أنه يلزمه ما أقرَّ به بعد فك الحجر عنه.
والحكم في السفيه كالحكم في الصبي والمجنون في وجوب الضمان بإتلاف مال الغير بغير إذنه، كما قال سائر الفقهاء.
ولا تصح تبرعاته، كالهبة والوقف، كما قال بقية الفقهاء؛ لأن التبرع ضرر محض، وليس السفيه من أهله، حفظاً لماله. ولا تصح شركة السفيه ولا حوالته ولا الحوالة عليه، ولا كفالته لغيره، لأن المذكور تصرف مالي، فلم يصح منه كالبيع والشراء.
ولا تصح تصرفاته من بيع وشراء بغير إذن وليه، فتكون باطلة؛ لأنه محجور عليه لحفظ ماله عليه. فإن أذن ولي السفيه له بالبيع والشراء، فهل يصح منه؟. على وجهين:
أحدهما ـ يصح لأنه عقد معاوضة، فملكه بالإذن كالنكاح، ويظهر أن هذا هو الأرجح عندهم.
والثاني ـ لا يصح؛ لأن الحجر عليه لتبذيره وسوء تصرفه، فإذا أذن له، فقد أذن فيما لا مصلحة فيه، فلم يصح. وقد عرفنا أن هذا الوجه هو الأصح عند الشافعية.
ويلتزم السفيه بواجباته الشرعية كنفقة زوجته وخادمه ومن تلزمه نفقته، وتجب عليه الفرائض الدينية المتعلقة بالأموال، كالزكاة، لكن لا يباشر توزيعها بنفسه، بل يفرقها وليه، كسائر تصرفاته المالية. ويصح منه نذر كل عبادة بدنية كالحج والصيام والصلاة؛ لأنه غير محجور عليه في بدنه. ولا يصح منه نذر عبادة مالية كصدقة وأضحية لأنه تصرف في مال.
وإن أحرم السفيه بحج فرض، صح إحرامه به، كسائر عباداته، وتدفع النفقة من ماله إلى ثقة، ينفق عليه في الطريق، حتى يعود، كما قال باقي الفقهاء. وإن كان الحج الذي أحرم به تطوعاً، وكانت نفقته في السفر كنفقته في الحضر، أو كانت نفقته في السفر أزيد، لكن يكتسب السفيه الزائد في سفره، لم يمنعه وليه من إتمام الحج؛ لأنه وجب بالشروع. فإن كانت نفقة السفر أزيد، ولم يكتسبها فلوليه تحليله من الإحرام بحج النفل، لما عليه من الضرر فيه، ويتحلل بالصيام أي صيام عشرة أيام، كالمعسر إذا أحصر، كما قال الشافعية.
وحكم تصرف ولي السفيه، كحكم تصرف ولي الصغير والمجنون مقيد بتحقيق المصلحة للمولى عليه.
والخلاصة: أن تصرفات السفيه بالبيع والشراء ونحوهما موقوفة على إجازة وليه عند الحنفية والمالكية، وباطلة ولو بإذن الولي عند الشافعية، وباطلة بغير إذن الولي، وتصح وتنفذ بإذنه عند الحنابلة على الراجح.