الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث ـ أحكام الصلح:
للصلح أحكام هي (1):
أولاً ـ انقطاع الخصومة والمنازعة بين المتداعيين شرعاً: فلا تسمع دعواهما بعدئذ، وهذا حكم ملازم جنس الصلح.
ثانياً ـ حق الشفعة للشفيع: إذا كان المدعى به داراً وبدل الصلح ليس داراً، وإنما هو نقد أو غيره، فإن حق الشفعة يثبت للشفيع إذا كان الصلح عن إقرار من المدعى عليه؛ لأن الصلح حينئذ يكون في معنى البيع بالنسبة لطرفي العقد. أما إذا كان الصلح عن إنكار من المدعى عليه، فلا يثبت حق الشفعة، لأنه ليس في معنى البيع بالنسبة للمدعى عليه، بل هو بذل المال لدفع الخصومة واليمين.
وإن كان بدل الصلح داراً، والصلح عن إقرار المدعى عليه يثبت حق الشفعة للشفيع في الدارين، لما عرفنا أن الصلح هنا في معنى البيع من الطرفين.
وإن كان الصلح عن إنكار يثبت للشفيع حق الشفعة في الدار التي هي بدل الصلح، ولا يثبت في الدار المدعاة؛ لأنها لم تعتبر مبيعة، إذ أن الصلح عن إنكار يعتبر معاوضة بالنسبة للمدعي، وأما بالنسبة للمدعى عليه فليس بمعاوضة، بل هو إسقاط للخصومة ودفع اليمين عن نفسه، فلم يكن للدار المدعاة حكم المبيع في حقه، فلا يثبت للشفيع حق أخذها بالشفعة.
ثالثاً ـ حق الرد بالعيب، وحكم الاستحقاق: فحق الرد بالعيب يثبت لطرفي عقد الصلح إن كان الصلح عن إقرار؛ لأنه بمنزلة البيع.
وإن كان عن إنكار يثبت حق الرد بالنسبة للمدعي، ولا يثبت بالنسبة
(1) البدائع: 53/ 6 ومابعدها، تكملة فتح القدير: 29/ 7، المبسوط: 163/ 20، تبيين الحقائق: 33/ 5، الدر المختار مع رد المحتار: 494/ 4.
للمدعى عليه؛ لأن هذا الصلح بمنزلة البيع بالنسبة للمدعي، لا بالنسبة للمدعى عليه.
وتطبق هذه الأحكام إذا كان الصلح عن إقرار، واستحق بعض المصالح عنه، فيرجع المدعى عليه على المدعي بحصة المستحق من العوض المصالح به؛ لأن الصلح مع الإقرار كالبيع، وهذا هو حكم الاستحقاق في البيع. وإذا كان الصلح عن إنكار أو سكوت فاستحق المتنازع فيه كله، رجع المدعي بالخصومة على المستحق، لقيامه مقام المدعى عليه، ورد العوض المصالح به على من أخذه منه (1)؛ لأن المدعى عليه ما بذل العوض للمدعي إلا ليدفع خصومته عن نفسه، فإذا ظهر الاستحقاق تبين أنه لا خصومة له، فيبقى العوض في يده غير مشتمل على غرضه، فيسترده. وإن استحق بعض المتنازع فيه، رد حصته، ورجع بالخصومة فيه على المستحق.
رابعاً ـ الرد بخيار الرؤية في نوعي الصلح: لأن الخيار ثبت للمدعي فيستدعي كون الصلح معاوضة عن حقه.
خامساً ـ إنه لا يجوز التصرف في بدل الصلح قبل القبض إذا كان منقولاً في نوعي الصلح؛ فلا يجوز للمدعي بيعه وهبته ونحوهما. وإن كان عقاراً يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد: لا يجوز، كما هو معروف في بحث عقد البيع.
ويجوز للمصالح في الصلح عن القصاص أن يبيع بدل الصلح أو يبرئ عنه قبل القبض، كما يجوز البيع ونحوه في المهر والخلع؛ لأن المانع من جواز التصرف في الشيء قبل القبض: هو المحافظة على العقد من الانفساخ نتيجة هلاك الشيء،
(1) تكملة فتح القدير مع العناية، المرجع السابق: ص 29، المبسوط: 149/ 20 ومابعدها، تبيين الحقائق: 32/ 5، 34، الكتاب مع اللباب: 164/ 2.