الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأحد، ويصرف خراجها (1) في مصالح المسلمين من أرزاق المقاتلة، وبناء القناطر والمساجد، وغيرها من سبل الخير، إلا أن يرى ولي الأمر في وقت من الأوقات أن المصلحة تقتضي القسمة.
وقال الحنابلة في أظهر الروايات عن أحمد (2): إن الإمام يفعل ما يراه الأصلح من قسمتها ووقفها، نظير خراج دائم يقرر عليها كالأجرة، وتكون أرضاً عشرية خراجية، العشر على المستغل، والخراج على رقبة الأرض.
وقال الحنفية والزيدية (3): الإمام بالخيار، إن شاء قسمها بين المسلمين، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، وإن شاء أقر أهلها عليها، ووضع على رؤوسهم الجزية، وعلى أراضيهم الخراج، فتكون أرض خراج، وأهلها أهل ذمة. قال ابن عابدين: القسمة بين الغانمين أولى عند حاجتهم، وتركها بيد أهلها أولى عند عدم الحاجة لتكون عدة للمسلمين في المستقبل.
الأدلة:
يتضح مما سبق أن الفقهاء متفقون على جواز قسمة الغنائم بين الغانمين، لعموم قوله تعالى {واعلموا أنما غنمتم من شيء، فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل .. } [الأنفال:41/ 8] أي أن خمس الغنيمة لمن ذكرتهم الآية، أو للدولة، والأربعة الأخماس الباقية ملك للغانمين من
(1) الخراج لغة: هو ما حصل عليه من ريع أرض أو كرائها أو أجرة غلام ونحوه، ثم سمي ما يأخذه السلطان خراجاً، فيقع على الضريبة والجزية ومال الفيء، ويختص في الغالب بضريبة الأرض.
(2)
زاد المعاد: 173/ 2، الشرح الكبير للمقدسي: 538/ 1، المحرر: 178/ 2، أحكام أهل الذمة لابن القيم: ص 102.
(3)
المبسوط: 15/ 10، 37، درر الحكام: 285/ 1، فتح القدير: 303/ 4، حاشية ابن عابدين: 316/ 3، 353، البحر الزخار: 912/ 2.
غير خلاف بين الأئمة، بدليل إسناد الحق في الغنيمة للغانمين في قوله تعالى:{غنمتم} [الأنفال:41/ 8] أسنده إليهم إسناد الملك إلى مالكه.
وبدليل ما بينته السنة بقوله صلى الله عليه وسلم وفعله، أما قوله فمثل:«أيما قرية أتيتموها وأقمتم بها فسهمكم فيها، وأيما قرية عصت الله ورسوله، فإن خمسها لله ورسوله، ثم هي لكم» (1)، فالمراد بالقرية الأولى: الفيء، ويصرف مصارفه، والمراد بالقرية الثانية: ما أخذ عنوة، فيكون غنيمة يخرج منه الخمس، وباقيه للغانمين، وهو معنى قوله:«ثم هي لكم» أي باقيها.
وأما ما فعله عليه الصلاة والسلام: فالثابت عنه أنه قسم خيبر بين الغانمين بعد أن فتحت عنوة أي قهراً لا صلحاً، وقسم أيضاً أموال بني قريظة وبني النضير (2) كما ذكر ابن القيم في زاد المعاد.
وأما المدينة ففتحت بالقرآن وأسلم عليها أهلها فأقرت بحالها. وأما مكة ففتحها الرسول صلى الله عليه وسلم عنوة، ولم يقسمها.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أما والذي نفسي بيده، لولا أن أترك آخر الناس ببّاناً (3)، ليس لهم شيء، ما فتحت علي قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، ولكني أتركها خزانة لهم، يقتسمونها» (4)، فكان رأي عمر أن يترك الأرض ولا يقسمها.
(1) رواه أحمد ومسلم وأبو داود (شرح مسلم للنووي: 69/ 1، الأموال لأبي عبيد: ص 57).
(2)
انظر شرح مسلم: 91/ 12، 164، عيني بخاري: 46/ 15، سنن أبي داود: 217/ 3، زاد المعاد: 68/ 2، نيل الأوطار: 12/ 8.
(3)
الببَّان: المعدم الذي لا شيء له. والمعنى: لولا أني أتركهم فقراء معدمين لا شيء لهم، أي متساوين في الفقر، لأنه إذا قسم البلاد المفتوحة على الغانمين بقي من لم يحضر الغنيمة، ومن يجيء بعد من المسلمين بغير شيء منها، فلذلك تركها لتكون بينهم جميعاً (فتح الباري: 395/ 7، النهاية لابن الأثير: 69/ 1).
(4)
صحيح البخاري: 86/ 4.