الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنفعة، أي إن منفعة الحيوان ليست من جنس منفعة الأرض؛ لأن الأرض للنماء والإنبات، والحيوان للعمل وشق الأرض.
ولوقدر العقد إجارة للعامل، فاشتراط البذر عليه مفسد؛ لأنه ليس تبعاً له.
وعليه تفسد المزارعة إذا اشترطت الآلة أو الحيوان أو العمل على صاحب الأرض، كما تفسد إذا اشترط الخارج كله لأحد العاقدين، أو اشترط الحصاد والدياس أو الحمل والحفظ على العامل المزارع؛ لأنه لا يتعلق به صلاح الزرع.
المبحث الرابع ـ حكم المزارعة الصحيحة والفاسدة:
أولاً ـ حكم المزارعة الصحيحة عند الحنفية:
للمزارعة الصحيحة عند الحنفية (1) أحكام هي ما يأتي:
1 -
كل ما كان من عمل المزارعة مما يحتاج الزرع إليه لإصلاحه، كنفقة البذر ومؤنة الحفظ، فعلى المزارع، لأن العقد تناوله.
2 -
كل ما كان نفقة على الزرع، كالسماد وقلع الأعشاب والحصاد والدياس، فعلى العاقدين على قدر نصيبهما من الناتج.
وقال المالكية: على العامل بعد الحرث والزرع ما يحتاج الزرع إليه من خدمة وسقي وتنقية وحصاد ونقله إلى الأندر (البيدر) ودراسته فيه، وتصفيته إلى أن يصير حباً مصفى، فيقسمانه على الكيل (2).
(1) البدائع: 181/ 6 وما بعدها، تكملة الفتح: 39/ 8، تبيين الحقائق: 282/ 5، الكتاب مع اللباب: 231/ 2 وما بعدها، الدر المختار: 199/ 5.
(2)
التاج والإكليل: 177/ 3.
3 -
الناتج من الأرض يقسم بين العاقدين بحسب الشرط المتفق عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم:«المسلمون عند شروطهم» (1). فإن لم تخرج الأرض شيئاً، فلا شيء لواحد من العاقدين على الآخر، أما إنه لا شيء للعامل، فلأنه مستأجر ببعض الخارج الناتج، ولم يوجد. هذا بخلاف المزارعة الفاسدة: يجب للعامل أجر المثل إن لم تخرج الأرض شيئاً. والفرق أن الواجب في العقد الصحيح هو المسمى وهو بعض الخارج، فإذا لم يوجد لم يجب شيء. وأما الواجب في المزارعة الفاسدة فهو أجر مثل العمل في الذمة لا في الخارج، فعدم الخارج لا يمنع وجوبه في الذمة.
4 -
عقد المزارعة كما تقدم في صفته غير لازم عند الحنابلة، ويلزم بالبذر عند المالكية، وقال الحنفية: هو عقد غير لازم في جانب صاحب البذر لازم في جانب العاقد الآخر. ولا يجوز له فسخ المزارعة إلا بعذر كما سيأتي. فإذا امتنع صاحب البذر من العمل، لم يجبر عليه. وإن امتنع الذي ليس من قبله البذر، أجبره الحاكم على العمل؛ لأنه لا يلحقه بالعقد ضرر، والعقد لازم بمنزلة الإجارة إلا إذا كان هناك عذر تفسخ به الإجارة، فتفسخ به المزارعة. وسبب التفرقة بين العاقدين: أن صاحب البذر لا يمكنه تنفيذ العقد إلا بإتلاف ملكه وهو البذر، في التراب، فلا يكون الشروع فيه ملزماً في حقه، إذ لا يجبر الإنسان على إتلاف ملكه، أما العاقد الآخر فليس من قبله إتلاف ملكه، فكان الشروع في حقه ملزماً.
5 -
الكراب (الحراثة) والسقي: إن تم الإتفاق عليه أو الاشتراط يجب الوفاء به على من شرط عليه. وإن لم يتفق عليه يجبر عليه العاقد بحسب الزراعة المعتادة. فإن كانت الأرض تسقى بماء السماء لا يجبر أحد على السقي، وإلا فعلى
(1) رواه الحاكم عن أنس وعائشة، وهو حديث صحيح. ورواه أبو داود والحاكم عن أبي هريرة بلفظ:«المسلمون على شروطهم» وأخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عمرو بن عوف باللفظ الأخير (نصب الراية: 112/ 4، الجامع الصغير).
النحو المعتاد. فإذا قصر المزارع في عقد المزارعة الصحيحة في سقي الأرض حتى هلك الزرع بهذا السبب يضمن لوجوب العمل عليه فيها، ويضمن ضمان الأمانات بالتقصير؛ لأن الأرض في يده أمانة. ولا يضمن في المزارعة الفاسدة.
6 -
تجوز الزيادة على الشرط المذكور من الخارج الناتج، والحط عنه، والقاعدة فيه: هي أنه كلما احتمل إنشاء العقد عليه، احتمل الزيادة، وما لا فلا، والحط جائز في الحالتين جميعاً، كالزيادة في الثمن في عقد البيع.
فلو زاد العامل المزارع في حصة صاحب الأرض بعد الحصاد، وكان البذر منه أي من العامل، لم يجز؛ لأن الزيادة على الأجرة تمت بعد انتهاء عمل المزارعة واستيفاء المعقود عليه وهو المنفعة، وهو لا يجوز، إذ لو أنشأ العقد بعد الحصاد، لايجوز، فلا تجوز الزيادة.
وإن كانت الزيادة للمزارع في هذه الحالة من صاحب الأرض، جازت؛ لأنها حط من الأجرة المستحقة له، وهو لا يتطلب قيام المعقود عليه.
فإن كان البذر من صاحب الأرض، فزاد في حصة المزارع بعد الحصاد، فالحكم أنه لا تجوز الزيادة من المالك؛ لأنها تمت بعد استيفاء المعقود عليه، وتجوز الزيادة من المزارع؛ لأنها حط من الأجرة المستحقة له.
أما إن حدثت الزيادة من كل واحد من العاقدين، قبل الحصاد، فيجوز.
7 -
لو مات أحد المتعاقدين قبل إدراك الزرع، ترك إلى الإدراك، ولا شيء على المزارع لبقاء عقد الإجارة ههنا ببقاء المدة.
والخلاصة: يلتزم صاحب الأرض بالتزامين: تسليم الأرض مع حقوقها الارتفاقية، وإصلاح الأدوات الزراعية، ويلتزم العامل المزارع بالتزامين آخرين في