الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك قال الحنفية: إن أنفق الملتقط على اللقطة بغير إذن الحاكم فهو متبرع، لأنه لا ولاية له على ذمة المالك في أن يشغلها بالدين بدون أمره، وإن أنفق عليها بإذن الحاكم، كان ما ينفقه ديناً على المالك؛ لأن للقاضي ولاية في مال الغائب رعاية لمصالحه، فإذا رفع الأمر إلى القاضي ينظر في الأمر: فإن كان للبهيمة منفعة، وهناك من يستأجرها أجَرَها وأنفق عليها من أجرتها؛ لأن في إجارتها رعاية لمصلحة المالك، وإن كانت البهيمة لا منفعة لها بطريق الإجارة وخاف أن تستغرق النفقة قيمتها، أمر القاضي الملتقط ببيعها وحفظ ثمنها.
وإن رأى الأصلح ألا يبيعها، بل ينفق عليها، أذن له في النفقة وجعل النفقة ديناً على مالكها، فإذا حضر المالك فللملتقط أن يحبس اللقطة عنده حتى يحضر النفقة، وإن أبى أن يؤدي النفقة باعها القاضي، ودفع للملتقط قدر النفقات التي أنفقها (1).
5 - شرط رد اللقطة إلى صاحبها:
يشترط لرد اللقطة إلى صاحبها أن يذكر علامة يميزها عن غيرها، أو يثبت أنها له بالبينة، أي بشهادة شاهدين، فإذا أثبت كونها له أو ذكر علامة تميزها، كأن يصف عفاصها (وعاءها) ووكاءها (ما تربط به من الخيول وغيرها) ووزنها وعددها، فيحل حينئذ للملتقط أن يدفعها إليه، وإن شاء أخذ منه كفيلاً؛ لأن ردها إليه بالعلامة مما قد ورد به الشرع. وهذا باتفاق العلماء، لكن هل يجبر الملتقط قضاء على رد اللقطة بمجرد وصف العلامة المميزة لها، أو لابد من البينة؟ خلاف بين العلماء (2).
(1) بداية المجتهد: 304/ 2، مغني المحتاج: 410/ 2، البدائع: 203/ 6، فتح القدير: 428/ 4 وما بعدها، تبيين الحقائق: 305/ 3، المهذب: 432/ 1، المبسوط: 9/ 11، المغني: 633/ 5 وما بعدها.
(2)
فتح القدير: 431/ 4، المبسوط: 8/ 11، البدائع: 202/ 6، تبيين الحقائق: 306/ 3، الدر المختار: 353/ 3، بداية المجتهد: 302/ 2، مغني المحتاج: 416/ 2، المهذب: 431/ 1، المغني: 644/ 5 وما بعدها.
قال الحنفية، والشافعية على المذهب عندهم: لا يجبر الملتقط على تسليم اللقطة إلى من يدعيها بلا بينة، لأنه مدع، فيحتاج إلى بينة كغيره، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر» (1). ولأن اللقطة مال للغير، فلا يجب تسليمه بالوصف كالوديعة، لكن يحل للملتقط دفع اللقطة لمن يدعيها عند إصابة العلامة عند الحنفية، أو إذا غلب على ظن الملتقط صدق المدعي عند الشافعية، عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«فإن جاء صاحبها، وعرَّف عفاصها، ووكاءها، وعددها فأعطها إياه، وإلا فهي لك» .
وقال المالكية والحنابلة: يجبر الملتقط على تسليم اللقطة لصاحبها إذا وصفها بصفاتها المذكورة، سواء غلب على ظنه صدقه أم لم يغلب، ولا يحتاج إلى بينة، عملاً بظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم:«فإن جاء أحد يخبرك بعددها، ووعائها، ووكائها، فادفعها إليه» .
وفي حديث زيد السابق: «اعرف وكاءها وعفاصها، ثم عرفها سنة فإن لم تعرف، فاستنفقها، وإن جاء طالبها يوماً من الدهر، فأدِّها إليه» يعني إذا ذكر صفاتها؛ لأن هذا هو المذكور في صدر الحديث، ولم يذكر البينة في شيء من الحديث، ولو كانت شرطاً للدفع لم يجز الإخلال به، ولا أمر بالدفع بدونه، ولأن إقامة البينة على اللقطة متعذر؛ لأنها ضاعت حال الغفلة والسهو. وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«البينة على المدعي» يعني إذا كان هناك منكر، ولا منكر ههنا. وهذا هو الرأي الأرجح حقاً.
(1) حديث حسن رواه البيهقي وأحمد هكذا، وهو في الصحيحين بلفظ آخر من حديث ابن عباس (نصب الراية: 95/ 4، نيل الأوطار: 305/ 8، سبل السلام: 132/ 4، الإلمام: ص 521، شرح مسلم: 2/ 12).