الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا يلاحظ أن المذاهب الأربعة متفقة في دعاوى اختلاف الغاصب والمالك.
9 - غاصب الغاصب ومن في حكمه:
لو غصب شخص من آخر شيئاً، فجاء آخر وغصبه منه، فهلك في يده، فالمالك باتفاق المذاهب الأربعة (1) بالخيار: إن شاء ضمن الغاصب الأول، لوجود فعل الغصب منه: وهو إزالة يد المالك عنه، وإن شاء ضمن الغاصب الثاني، أو المتلف، سواء علم بالغصب أم لم يعلم؛ لأن الغاصب الثاني أزال يد الغاصب الأول الذي هو بحكم المالك في أنه يحفظ ماله، ويتمكن من رده عليه (أي على المالك)، ولأنه أثبت يده على مال الغير بغير إذنه، والجهل غير مسقط للضمان، ولأن المتلف أتلف الشيء. وهذا بمقتضى ما يعرف قانوناً بالحق العيني للمالك المغصوب منه الذي من خواصه إثبات حق تتبع العين المغصوبة في أي يد وجدت فيها العين.
فإن اختار المالك تضمين الأول، وكان هلاك المغصوب في يد الغاصب الثاني، رجع الغاصب الأول بالضمان على الثاني؛ لأنه بدفعه قيمة الضمان، ملك ـ عند الحنفية ـ الشيء المضمون (أي المغصوب) من وقت غصبه، فكان الثاني غاصباً الملك الأول. وسبب رجوع الغاصب الأول على الثاني عند غير الحنفية هو أنه غرم المال بدون تسبب منه في هلاكه.
وإن اختار المالك تضمين الثاني أو المتلف، لا يرجع هذا بالضمان على أحد،
(1) البدائع: 144/ 7، 146، الأشباه والنظائر لابن نجيم: 96/ 2 وما بعدها، الدر المختار ورد المحتار: 126/ 5 وما بعدها، 139، الشرح الكبير للدردير: 457/ 3، مغني المحتاج: 279/ 2، فتح العزيز شرح الوجيز: 252/ 11، المغني: 252/ 5، م/910 من المجلة.
ويستقر الضمان في ذمته؛ لأنه ضمن فعل نفسه: وهو إزالة يد المالك، أو استهلاكه، وإتلافه.
وللمالك أن يأخذ بعض الضمان من شخص، وبعضه الآخر من الشخص الآخر إلا أن الحنفية استثنوا من مبدأ تخيير المالك في هذه الحالة: الموقوف المغصوب إذا غصب، وكان الغاصب الثاني أملأ من الأول، فإن متولي الوقف يضمن الثاني وحده.
والراجح عند الحنفية أن المالك متى اختار تضمين أحدهما (الغاصب الأول، أو الثاني) يبرأ الآخر عن الضمان، بمجرد الاختيار، فلو أراد تضمينه بعدئذ، لم يكن له ذلك.
وإذا رد الغاصب الثاني المغصوب على الأول، برئ من الضمان، وإذا رده إلى المالك برئ الاثنان (1).
الغاصب الأول ومن تصرف معه بالرهن ونحوه:
وكذلك للمالك عند الحنفية (2) تضمين الغاصب الأول أو المرتهن أو المستأجر أو المستعير أو المشتري من الغاصب الأول، أو الوديع الذي أودعه الغاصب الأول الشيء المغصوب، فهلك في يده، فإن ضمن الغاصب الأول استقر الضمان عليه، ولم يرجع بشيء على أحد. وإن ضمن المرتهن أو المستأجر أو الوديع أو المشتري، رجعوا على الغاصب بالضمان، لأنهم عملوا له والمشتري إذا ضمن القيمة يرجع بالثمن على الغاصب البائع؛ لأن البائع ضامن استحقاق المبيع، ورد القيمة كرد العين.
(1) راجع المجلة: م/911، الدر المختار: 138/ 5.
(2)
رد المحتار: 139/ 5.
وأما المستعير من الغاصب أو الموهوب له، أو المتصدق عليه منه، فيستقر الضمان عليه وإن كان جاهلاً الغصب؛ لأنه يعمل في القبض لنفسه.
أما الشافعية (1) فقالوا: الأيدي المترتبة على يد الغاصب أيدي ضمان وإن جهل صاحبها
الغصب؛ لأنه (أي الواضع) وضع يده على ملك غيره بغير إذنه، والجهل ليس مسقطاً للضمان بل يسقط الإثم فقط، فيطالب المالك من شاء منهما. لكن لايستقر الضمان على الآخذ من الغاصب إلا بعلمه بالغصب، حتى يصدق عليه معنى الغصب، أو إن جهل به وكانت يد الواضع في أصلها يد ضمان، كالمستعير والمشتري والمقترض والسائم؛ لأنه تعامل مع الغاصب على الضمان، فلم يغرّه.
أما إن جهل الواضع يده على المغصوب بالغصب، وكانت يده يد أمانة بلا اتهاب، كوديع ومضارب، فيستقر الضمان على الغاصب دون الآخذ، لأنه تعامل مع الغاصب على أن يده نائبة عن يد الغاصب. وأما الموهوب له فقرار الضمان عليه في الأظهر؛ لأنه وإن كانت يده ليست يد ضمان، إلا أن أخذه الشيء للتملك.
وعلى هذا، في حالة الجهل بالغصب: يستقر الضمان عند الحنفية والشافعية على المستعير والموهوب له، والمتصدق عليه فقط. وأما الوديع والمضارب المعتبر كل منهما أميناً، فيستقر الضمان الذي دفعه على الغاصب عند كل من الحنفية والشافعية. ولا خلاف بين الحنفية والشافعية في تضمين الغاصب أو الآخذ منه في كل الأحوال.
(1) مغني المحتاج: 279/ 2.