الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الثاني ـ أن يكون المصالح عنه حقاً للمصالح
، فإذا لم يكن حقاً له، بطل الصلح (1).
الشرط الثالث ـ أن يكون حقاً ثابتاً للمصالح في محل الصلح
، فإذا لم يكن حقاً ثابتاً له، لا يجوز الصلح عنه، كما يظهر من الحالات الآتية (2).
ـ لو أن امرأة طلقها زوجها ادعت عليه صبياً في يده أنه ابنه منها، فصالحت عن النسب على شيء، فالصلح باطل؛ لأن النسب حق الصبي، لاحقها فلا تملك المعاوضة عن حق غيرها.
ـ ولو صالح الشفيع المشتري عن حق الشفعة الذي وجب له، على مال معلوم على أن يسلم الدار المبيعة مثلاً للمشتري، فالصلح باطل؛ لأنه لا حق للشفيع في محل الصلح، إنما الثابت له حق التملك، وهذا عبارة عن ولاية له، وهي صفة له، فليس هذا الحق لمعنى في المحل، فلا يحتمل الصلح عنه (3) وهو بخلاف الصلح عن القصاص؛ لأن المحل هنا يصير مملوكاً في حق الاستيفاء.
ـ وإذا صالح الكفيل بالنفس المكفول له على مال معلوم على أن يبرئه من الكفالة، فالصلح باطل، والكفالة لازمة؛ لأن الثابت للدائن المكفول له: هو حق مطالبة الكفيل بتسليم المكفول بنفسه، وهو عبارة عن ولاية المطالبة، وهي صفة للدائن، فلا يجوز الصلح عنها فأشبه الشفعة.
(1) البدائع، المرجع السابق.
(2)
البدائع، المرجع السابق، المبسوط: 35/ 21، مجمع الضمانات: ص 385.
(3)
أي أن حق الشفعة: حق أن يتملك، وذلك ليس بحق ثابت في المحل قبل التملك، فأخذ بدل عنه أخذ مال في مقابلة ما ليس بشيء ثابت في المحل، وهو رشوة حرام (العناية مع تكملة فتح القدير: 33/ 7).
ـ ولو كان لرجل ظلَّة (1) على طريق نافذ أو كنيف (2) ممتد إلى الشارع أو ميزاب، فخاصمه رجل فيه، وأراد طرحه وإزالته، فصالحه على مال فالصلح باطل؛ لأن الطريق حق لجماعة المسلمين، وليس لأحد منهم حق معتبر ثابت في الطريق، وإنما له فقط حق المرور، وولاية المرور، وهما صفة للمار، فلا يجوز الصلح عنه. هذا فضلاً عن أنه لا فائدة من هذا الصلح، لأنه إن سقط حق واحد بالصلح، فللباقين حق القلع (3).
أما إذا كان الطريق غير نافذ، فخاصمه رجل من أهل الطريق على مال لترك الظلة ونحوها، فالصلح جائز؛ لأن الطريق هنا مملوكة ملكاً مشتركاً بين جماعة محصورة، فكان لكل واحد منهم جزء مملوك له، فجاز الصلح عنه، وفي هذا الصلح فائدة لاحتمال أن يصالح الباقون بخلاف حالة ما إذا كان الطريق نافذاً، فإنه لا يتصور الصلح من جميع الناس.
ـ ولو ادعى رجل على رجل مالاً، فأنكره المدعى عليه، ولا بينة للمدعي، فطلب من المدعى عليه اليمين، فصالح عن اليمين على ألا يستحلفه، جاز الصلح، وبرئ من اليمين.
ـ ولو ادعى رجل على آخر مئة ليرة مثلاً، فأنكرها المدعى عليه، فتصالحا على أنه (إن حلف المدعى عليه، فهو بريء) فحلف المدعى عليه: (ما لهذا المدعي قليل ولا كثير عندي) فإن الصلح باطل، والمدعي على دعواه، فإن أقام بينة أخذ حقه بها؛ لأن قوله:(على أنه إن حلف المدعى عليه فهو بريء) تعليق البراءة
(1) الظلة: المظلة الضيقة وهي ما يستظل بها من الحر أو البرد كالخيمة المعروفة الآن.
(2)
هو الكنة التي تشرع فوق باب الدار، أي السقيفة الممتدة خارج البيت إلى الشارع كالروشن الآن.
(3)
البدائع: 49/ 6، مغني المحتاج: 183/ 2، المهذب: 333/ 1.
بالشرط، وهو باطل؛ لأن في الإبراء معنى التمليك، والأصل في التمليك ألا يحتمل التعليق بالشرط.
وإن لم تكن له بينة وأراد استحلاف المدعى عليه، فهناك وجهان:
أـ إن كان ذلك الحلف الذي صدر من المدعى عليه عند غير القاضي: فله أن يستحلفه عند القاضي مرة أخرى؛ لأن تلك اليمين غير معتبرة.
ب ـ وإن كان حلف عند القاضي: فلا يستحلفه مرة ثانية؛ لأن حق المدعي في الاستحلاف صار مستوفى مرة، فلا يجب عليه الإيفاء مرة ثانية.
ـ ولو تصالحا على أن (يحلف المدعي، فمتى حلف، فالدعوى لازمة للمدعى عليه)(1) فحلف المدعي على دعواه، فإن الصلح باطل، ولا يلزم المدعى عليه بشيء؛ لأن هذا تعليق وجوب المال بشرط وهو باطل لكونه قماراً (2).
ـ ولو ادعى رجل على امرأة نكاحاً، فجحدته، فصالحته على مال بذلته، حتى يترك الدعوى، جاز الصلح؛ لأن النكاح حق ثابت من حقوق المدعي، فكان الصلح على حق ثابت، فكان في معنى الخلع، إذ هو أخذ المال بدلاً عن الحقوق الزوجية، ومن حقها بذل مال لإسقاط الخصومة (3).
ـ ولو قال رجل لامرأة: (أعطيتك مئة ليرة على أن تكوني امرأتي) فهو جائز إذا قبلت الزواج بمحضر من الشهود، ويكون هذا كناية عن إنشاء النكاح ابتداء.
ـ وكذا لو قال: (تزوجتك أمس على ألف ليرة) فجحدت، وقالت:(لا)
(1) أي فالمال واجب على المدعى عليه.
(2)
البدائع: 50/ 6.
(3)
البدائع، المرجع السابق، تبيين الحقائق: 37/ 5، الدر المختار: 496/ 4، مجمع الضمانات: ص 385.
فقال: (أزيدك مئة على أن تقري لي بالنكاح) فأقرت، جاز الصلح، ولها ألف ومئة، والنكاح جائز، ويحمل إقرارها على الصحة (1).
ـ ولو ادعت امرأة على رجل نكاحاً، فجحد الرجل، فصالحها على مال بذله لها، لا يجوز الصلح، لأنه لا يخلو إما أن يكون النكاح ثابتاً أو لم يكن ثابتاً، فإن لم يكن ثابتاً كان دفع المال إليها من الرجل في معنى الرشوة، إذ ليس هناك شيء يقابله العوض وقد بذل لها المال لتترك الدعوى. وإن كان ثابتاً لا تثبت الفرقة بهذا الصلح؛ لأن العوض في مثل هذه الفرقة تعطيه المرأة لا الزوج فهو لا يعطي العوض في الفرقة، فلا يكون المال الذي تأخذه المرأة عوضاً عن شيء، فلا يجوز. لكن لو ادعى الدعوى، جاز الصلح، وكان الصلح في معنى الخلع في جانبه، لزعمه أن النكاح قائم، ولدفع الخصومة في جانبها (2).
ـ ولو ادعى إنسان على آخر ألف ليرة، فأنكر المدعى عليه، فصالحه المدعي على مئة ليرة على أن يقر له بالألف، فالصلح باطل؛ لأن المدعي لا يخلو إما أن يكون صادقاً في ادعائه الألف، وإما أن يكون كاذباً فيها، فإن كان صادقاً فيها، فالألف واجبة على المدعى عليه، ويكون أخذ العوض عليه في معنى الرشوة، وهو حرام.
وإن كان كاذباً في ادعائه فإقرار المدعى عليه بالألف التزام المال من بادئ الأمر، وهذا لا يجوز (3).
(1) البدائع: 51/ 6.
(2)
البدائع: المرجع نفسه: ص 50، تكملة فتح القدير مع العناية: 35/ 7، تبيين الحقائق: 37/ 5، الكتاب مع اللباب: 165/ 2.
(3)
البدائع، المرجع السابق: ص 51.