الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما يترك له قوت يوم القسمة عند الشافعية لمن تلزمه نفقته، من زوجة وخادم وقريب، وعند الحنفية: ينفق على هؤلاء من مال المدين قبل التفليس ولو بعد الحجر، وعند المالكية: يترك له ما يأكله أياماً، وعند الحنابلة: إلى أن يفرغ من قسمة المال بين الغرماء. فالحنابلة كالشافعية. وتترك له آلة صنعته التي لا بد منها، كما يترك للعالم كتبه التي يحتاج لمراجعتها ومطالعتها. وأجاز المالكية بيع الكتب وثياب الجمعة إن كثرت قيمتها؛ لأن شأن العلم ـ على حد تعبيرهم ـ أن يحفظ في القلب، لكن قال العلامة العدوي: إن الحفظ قد ذهب الآن، فلذا أجراها بعضهم على آلة الصانع.
ويترك له مسكنه الذي لا غنى له عن سكناه فيه، وخادمه الذي يحتاج إليه، مما يكون كلاهما صالحين لمثله؛ لأن ذلك مما لا غنى له عنه، فلم يبع في دينه كلباسه وقوته.
لكن الأصح عند الشافعية: أنه يباع مسكنه ومركوبه، ولا يترك له خادمه القابل للبيع في الماضي، لزمانته ومنصبه؛ لأنه يسهل تحصيل المقصود بالكراء.
وقال المالكية: أوجر على المفلس خادمه الذي لا يباع عليه، ويباع ما يباع عليه.
5ً -
استرداد الدائن عين ماله الذي وجده في مال المفلس:
هذا هو الحكم أو الأثر الخامس من أحكام أو آثار الحجر على المفلس عند الجمهور غير الحنفية.
قال الحنفية (1): من أفلس (أي حكم الحاكم بتفليسه) وعنده متاع لرجل
(1) الدر المختار: 106/ 5، تكملة الفتح والعناية: 330/ 7 ومابعدها، تبيين الحقائق: 201/ 5 ومابعدها.
بعينه، ابتاعه منه، فصاحب المتاع أسوة الغرماء، أي أنه لا يكون أحق به من سائر الغرماء، فإن أفلس قبل قبض المتاع، أو بعد القبض بغير إذن بائعه، كان له استرداده، وحبسه بالثمن في حالة ما قبل القبض.
ودليلهم على عدم استحقاق صاحب المتاع عين ماله: أن الإفلاس يوجب في عقد المعاوضة لا في غيره العجز عن تسليم العين، والعقد غير مستحق الفسخ، فلا يثبت حق الفسخ، وإنما المستحق هو الثمن أو الدين الذي هو وصف في الذمة، وبقبض المشتري عين المبيع، تتحقق المبادلة ما بين الدين والعين.
وقال الجمهور غير الحنفية (1): إذا فلس الحاكم رجلاً، فأصاب أحد الغرماء عين ماله (أو
سلعته التي باعها إياه بعينها)، كان له حق فسخ البيع وأخذ سلعته؛ لأنه عجز المشتري عن إيفاء الثمن، فيوجب ذلك حق الفسخ، كعجز البائع عن تسليم المبيع، ولأنه يجوز فسخ العقد لتعذر العوض كالمسلم فيه إذا تعذر، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه أبو هريرة:«من أدرك ماله بعينه عند رجل أفلس، أو إنسان قد أفلس، فهو أحق به من غيره» (2).
وقال الحنفية: إنه معارض بما روى الخصاف بإسناده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما رجل أفلس فوجد رجل عنده متاعه، فهو أسوة غرمائه» وتأويل حديث أبي هريرة: أن المشتري كان قبضه بشرط الخيار للبائع.
والحقيقة أن رأي الجمهور أقوى لصحة حديث أبي هريرة الذي لا يعارضه
(1) بداية المجتهد: 283/ 2 ومابعدها، الشرح الصغير: 373/ 3، الشرح الكبير: 282/ 3، المهذب: 322/ 1، مغني المحتاج: 157/ 2 ومابعدها، المغني: 409/ 4 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص 319.
(2)
حديث صحيح رواه الجماعة عن أبي هريرة، وله مؤيدات أخرى عن سمرة، وعن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (نيل الأوطار: 242/ 5).