الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
43 - بَابُ حِفْظِ العِلْمِ
43 -
وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمُ العَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشِبَعِ بَطْنِهِ، وَيَحْضُرُ مَا لَا يَحْضُرُونَ، وَيَحْفَظُ مَا لَا يَحْفَظُونَ
118 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا، ثُمَّ يَتْلُو {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى} [البقرة: 159] إِلَى قَوْلِهِ {الرَّحِيمُ} [البقرة: 160] إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ المُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ،
ــ
فقد دلَّ على الترجمة وهو السَّمَر بالعلم. وبه سَقَط ما يقال: إن حديثه مع الأهل ليس سَمَرًا بالعلم، والجواب بأنه يقاس عليه.
فإن قلت: فلِمَ لم يَرِد الحديث بذلك الطريق هنا؟ قلتُ: قد نَبَّهناك مرارًا على أن دَأْبَةُ في الاستدلال على التراجمِ الإتيانُ بما في دلالته خفاء، ليعلم أن له طريقًا آخر.
وفيه حثٌّ للطالب على التتبع والوقوف عليه.
فإن قلتَ: قد يَروي الأطولَ قبل الأخصر كثيرًا؟ قلتُ: ذلك لبيان حكم يتعلق بذلك الأطول.
وفي الحديث دليل على جواز الاقتداء في النوافل، وأن العمل القليلَ في الصلاة للضرورة غير مكروه، وأن الواحد يقفُ على يمين الإمام.
باب: حفظ العلم
118 -
(عن الأعرج) هو عبد الرحمن بن هُرْمُز، يذكره تارةً بوصفه، وأخرى باسمه على حسب ما وَقَع له من ألفاظ مشايخه (أكثر أبو هريرة) نقل كلام الناس في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لولا آيتان في كتاب الله) إحدى الآيتين ما تَلَاه:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبِيْنَاتِ} [البقرة: 159] والأخرى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ} [البقرة: 174].
(إن إخواننا من المهاجرين كان يَشْغَلُهم الصَّفْق بالأسواق) هذا الكلام استئنافٌ جارٍ مجرى العلة. والصَّفْق -بالصاد المهملة، والفاء والقاف- ضرب الكف على الكف. أراد به
وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمُ العَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشِبَعِ بَطْنِهِ، وَيَحْضُرُ مَا لَا يَحْضُرُونَ، وَيَحْفَظُ مَا لَا يَحْفَظُونَ". [الحديث
118 -
أطرافه في: 119، 2047، 2350، 3648، 7354].
119 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَبُو مُصْعَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنْسَاهُ؟ قَالَ:«ابْسُطْ رِدَاءَكَ» فَبَسَطْتُهُ، قَالَ: فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:«ضُمَّهُ» فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ.
ــ
البيع والشراء لجريان العادة بذلك عند البيع والشراء (وان إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العملُ في أموالهم) المراد بالأموال: الأراضي والحدائق، فإنها أموال الأنصار (وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبَع بطنه) الجار والمجرور يتعلق بمقدر أي: يكتفي بما يُشبع بطنه، هذا على الرواية بفتح الباء، وقد يروى بسكون الباء على المصدر، ويروى باللام أيضًا على أنَّه غاية لا غرض، ليلزم أن يكون لزومه رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك لا للعلم.
(يحفظُ ما لا يحفظون) ولا يلزم منه أن يحفظ كل ما يحفظه غيره، يُعترَضُ بعبد الله بن عمرو، فإنه أكثر حديثًا من أبي هريرة باعتراف أبي هريرة، ويجاب بأن عبد الله أكثر سماعًا، وأبو هريرة أكثر ضبطًا. على أن الجواب فاسد؛ لأن أبا هريرة قال: إن عبد الله كان يكتب وأنا لا أكتب، ولا شك أن مَنْ يكتبُ أكثرُ ضبطًا ممن لا يكتب.
119 -
(عن ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب، بلفظ الحيوان المعروف، واسم أبي ذئب: هشام، قال الشافعي: ما أسِفْتُ على من فاتني إلا على الليث بن سعد، ومحمد بن أبي ذئب.
(قلتُ: يا رسول الله، إني لأسمَعُ منك حديثًا كثيرًا أنساه؛ فقال: ابسُطْ رداءك، فبسطْتُه فغرف بيده، ثم قال: ضُمّه. فضممته، فما نسيتُ شيئًا بعدُ).
فإن قلت: ماذا غَرَفَ له؟ قلت: القوة الحافظة، صوّره الله له في صورة الماء، كما صوَّر له العلم في صورة اللبن الَّذي أعطى فضلَه عُمَر.
فإن قلتَ: سيأتي في كتاب البيوع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الهادي، فإنه روي عن أبي
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ بِهَذَا أَوْ قَالَ: غَرَفَ بِيَدِهِ فِيهِ.
120 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:"حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وِعَاءَيْنِ: فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا البُلْعُومُ".
ــ
هريرة هناك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لن يبسط أحدٌ ثوبه حتَّى أقضي مقالتي، ثم يجمع إليه ثوبه إلا وَعَى ما أقول" فبسطت نمرة كانت علي حتَّى إذا قضى مقالته جمعتها إلى صدري، فما نسيتُ من مقالته تلك شيئًا؟ قلتُ: تلك قضية أخرى. والمذكورة هنا أعمّ وأتم، والظاهر أن تلك كانت قبل، ولذلك لما ذاق أبو هريرة حلاوة الحفظ سأله الزيادة، فساعَدَه الوقتُ فلم ينسَ شيئًا أصلًا بعده. وفي بعض نُسخ البخاري:(حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا ابن أبي فُدَيك) -بضم الفاء وفتح الدال على وزن المصغر- اسم الابن: محمد، واسم الأب: إسماعيل، (وقال: يحذف بيده) -بالحاء المهملة والذال المعجمة- بدل قوله: فغرف، والحذف: الضربُ. أي: ضرب يده في الهواء.
120 -
(إسماعيل) هو ابن أبي أُويس بضم الهمزة (حدثنا أخي) أخوه عبد الحميد الأصبحي، كلاهما ابن أخت مالك بن أنس (عن ابن أبي ذئب) -بلفظ الحيوان المعروف- اسمه: محمد بن عبد الرحمن، وأبو ذئب جدّه الأعلى (عن سعيد المَقْبُري) بضم الباء وفتحها؛ لأنه كان يسكن إلى جانب المقابر.
(عن أبي هريرة قال: حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم وِعَاءَيْنِ من علمٍ) شبَّه المعقول بالمحسوس، فاستعار له الظرف الَّذي هو من خَوَاصّ المشبه به، أو تمثيل، فإن تشبيه العلم والإيمان، بالماء والعسل واللبن شائع (أما أحدُهما فبثثتُهُ، وأما الآخر فلو بَثَثْتُهُ قُطِعَ هذا البُلْعومُ) البَثُّ: هو النشر والتفريق، والبُلْعوم -بضم الباء- فَسّره البخاري بمجرى الطعام.
فإن قلتَ: ما هذا الوعاء الَّذي لو بَثَّهُ قُطِعَ حُلْقُومُهُ؟ قلتُ: هو ما يتعلق بأمر الخلفاء والفتن التي وقعت من بني أُمية، من مخالفة معاوية لعلي بن أبي طالب، وبعده من قتل الحسين، وخراب المدينة الشريفة، وقتل الصحابة والعلماء على يد مسلم بن عُقْبة، وقتل ابن الزبير على يد الحجّاج السفَّاك القَتّال، والرمي بالمنجنيق على البيت العتيق. وقد أشار إلى هذا