الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - كِتَابُ الإِيمَانِ
1 - بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ»
ــ
كتاب الإيمان
تقديمُ كتاب الإيمان على سائر الأبواب والمقاصد، وذكرُهُ بعد الوحي وبدئه لا يخفى حُسْنُهُ.
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بُني الإسلامُ على خمسٍ"
هذه قطعةٌ من حديث سيرويه مسندًا، وتارة يجعلُ حديثًا ليس ثابتًا عنده ترجمةَ الباب؛ إشارةً إلى أن حكمه صحيح. والدليل: حديثُ الباب. إلا أن حديثَه بلفظه غير ثابت عنده. وإنما ذكر الإسلام في كتاب الإيمان إشارةً إلى اتحادهما. وهذا هو الحق إن أُريد بحسب الصدق؛ إذ لا يوجد مسلم عند الله لا يكون مؤمنًا، ولا مؤمن لا يكون مسلمًا، إلا أن المفهومَيْنِ مختلفان. وذَكَرَ أنه قابل للزيادة والنقصان. هذا هو الحق أيضًا عند الكل بحسب الأعمال والكمال.
وأما باعتبار الذات وهو الإيمان المنجي الذي مناطُه تصديقُ القلب. فالأشاعرةُ أولًا وآخرًا على أنه يقبلها أيضًا سوى ما يروى عن أبي حنيفة خلافه. والظاهر هو الأول، إذ مع قطع النظر عن كل عمل ودليل لا يقابل تصديق أبي بكر بتصديق العوام.
وهنا أيضًا مسألة غريبةٌ وهو أنه قال الشافعي: إذا سُئلتَ عن الإيمان فقل: أنا مؤمن إن شاء الله. وشنَّع عليه الحنفية في كتبهم بأن الاستثناء شكٌ، والشكُ في الإيمان كفرٌ. وهذا كلامٌ ساقطٌ؛ لأن إن شاء الله ليس منحصرًا في المشكوك، بل استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقطوع به. وهو قوله في السلام على الموتى:"وإنا بكم إن شاء الله لاحقون" بل المراد من المشيئة: التفويضُ إلى الله بالكلية أو ذاك بحسب
وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4] {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: 76]{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17] وَقَوْلُهُ: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}
ــ
العاقبة، ولله عاقبة الأمور ليس لأحدٍ اطلاع على شيء من ذلك.
ثم ما يجب تنبيه له: أن ما يقال: إن الإيمان عند الأشعري هو إيمان الموافاة، ليس الأشعريُ منفردًا بذلك؛ لأن الكافر حال كونه كافرًا، لا يقول أحدٌ بإيمانه. والمراد أنه مؤمن في علم الله بموته على الإيمان، وهذا متفق عليه. فظهر أن نسبة إيمان الموافاة إلى الأشعري لاشتهار القول منه، لا لانفراده به. وإلى ما ذكرنا أشار المحققُ التفتازاني في شرحه للمقاصد.
فإن قلتَ: إذا كان التصديقُ هو الإيمان المُنجي، فما وجهُ قول السلف: الإيمانُ تصديقُ الجنان والقول باللسان، والعملُ بالأركان؟
قلتُ: أرادوا به الإيمان الكامل كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس) بدليل أنه قال في موضع آخر: "من قال لا إله إلا اللهُ دَخَل الجنة" إلا أن أبا حنيفة قال: إن الإقرار ركن يسقط بالإكراه لقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106] فمن لم يُقرّ بلسانه مرةً في عمره لا يصحّ إيمانهُ عنده خلافًا للأشعري.
وأما إذا طُولب بالشهادة فأبى فليس بمؤمنٍ عند أحدٍ، وليس هو مجرّد القول كما قالت الكَرَّامِيّة. ولا نفس المعرفة كما ذَهَب إليه طائفة، بل هو معرفةٌ مع الإذعان. ألا ترى كيف سُلب الإيمان عمن صدق ولم يذْعِنْ بقوله:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل: 14].
فإن قلتَ: ما وجهُ قوله: "السعيد يشقى والشقيُّ يَسْعَدُ" مع حديث: "يُكتب في بطن أمه شقيٌ أو سعيدٌ"؟ قلتُ: الأول باعتبار الظاهر فإنه يكون كافرًا ثم يُسْلم، وبالعكس والعياذ بالله. والثاني: بالنظر إلى علم الله، وإلى قوله تعالى {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 29].
(وهو قول وفعل) من كلام البخاري. والفعلُ شاملٌ لعمل القلب. ألا ترى إلى قول النحاة: باب أفعال القلوب، وإنما أفرد القول وإن كان الفعل شاملًا له لشيوعه في العرف في مقابلة القول، ولأنه أراد الردّ على الكرّامية كما نبَّهنا عليه آنفًا.
[المدثر: 31] وَقَوْلُهُ: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا [ص:11] الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة: 124] وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران: 173] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22] وَالحُبُّ فِي اللَّهِ وَالبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الإِيمَانِ " وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ: «إِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ، وَشَرَائِعَ، وَحُدُودًا، وَسُنَنًا، فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الإِيمَانَ، فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنْ أَمُتْ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ» وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم: «وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي» وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: «اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً» وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «اليَقِينُ الإِيمَانُ كُلُّهُ» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «لَا يَبْلُغُ العَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ» وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُ دِينًا وَاحِدًا» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا» سَبِيلًا وَسُنَّةً.
ــ
(الحب في الله والبُغض في الله من الإيمان) هذا حديثٌ مسند عنده ذكَرَهُ تعليقًا، وقد أخرجه أبو داود وليس داخلًا في الترجمة، ولا هو من كلام البخاري كما يُوهم (وكتب عمر بن عبد العزيز) هو أَشَجّ بني مروان، الذي مَلأَ الأرضَ عدلًا، الخليفةُ الخامسُ، الشابُ التقي، مناقبه لا تُعدّ ولا تحصى. قيل: كان أزهد من أُويس القرَني (إلى عدي بن عدي) تابعي معروف، كان عاملًا لعمر بن عبد العزيز على الجزيرة.
(إن للإيمان فرائض) أي: عقائد لا تُبَدَّل بتبدّل الشرائع، ومكملاتٌ لها (وشرائع) فروعًا تتبدّل وتنسخ (وحدودًا) نهايات لا يجوزُ التجاوزُ عنها (وسننًا) ما يثاب على فعلها ولا يعاقب على تركها.
(دعاؤكم إيمانكم) من قول البخاري. يشير إلى قوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77] فإنه أُريدَ به الإيمانُ (لا يبلغُ العبدُ حقيقةَ التقوى حتى يَدَع ما حاكَ في الصدر) أي: تحرّك فيه، ومنه الحياكة للصنعة المعروفة.
حاصلُه: تركُ الشبهات التي تضطرب لها نفس المؤمن كما أشار إليه بقوله: "التقوى