الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
13 - بَابُ مَنْ جَعَلَ لِأَهْلِ العِلْمِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً
70 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُنَا بِهَا، مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا.
14 - بَابٌ: مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ
71 -
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
ــ
باب: من جَعَل لأهل العلم أيامًا معلومة
وفي بعضها: معلومات، وفي بعضها: يومًا معلومًا.
70 -
(عن منصور عن أبي وائل) هو منصور بن المعتمر، أوحد زمانه زهدًا وورعًا، كان له جار، ولذلك الجار بنت، لما مات منصور قالت بنتُ جاره: يا أبت كان في دار منصور عمود ما جرى له، فإنه لا يرى، قال: ذاك منصور كان يصلي بالليل حسبته عمودًا، وأبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي.
(كان عبد الله يُذكّر الناسَ) هو ابنُ مسعود حيث أطلق، التذكير: الوعظُ من الذكر -بضم الذال- وهو ذكر القلب. وحقيقته: أن يوقع في خاطر المخاطب ما كان ناسيًا له ذاهلًا عنه (لَوَدِدْتُ) اللام جواب قسم محذوف (أَمَا إني أَكرَهُ أَنْ أمِلَّكُم) أَمَا: حرف تنبيه وإني بالكسر استئناف، وأُمِلَّكم -بضم الهمزة وتشديد اللام- وهو الإيقاع في المَلَالَةِ، وفي المثَل: فلانٌ دلَّ فأمل، وتمام الكلام: على التخول، وسائر الروايات تقدم في باب ما كان يتخولنا بالموعظة عن قريب.
باب: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين
71 -
(حدثنا سعيد بن عُفَير) -بضم العين على وزن المصغر- أبو عثمان الأنصاري المصري (ابن وهب) هو: عبد الله بن وهب، حُكي أنه قال: نذرتُ أن أصوم كل يوم لغيبة مسلم إذا اغتبتُه، فهان عليَّ ذلك، فنذرتُ أن أتصدَّقَ بدرهم لكل غيبةٍ، فانقطعتُ عن الغيبة
قَالَ: قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ، خَطِيبًا يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ» . [الحديث 71 - أطرافه في: 3316 - 3641 - 7312 - 7460]
ــ
لذلك (حُميد بن عبد الرحمن) على وزن المصغر (سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم[يقول:] من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين) أي: يعطيه الفهمَ في الدين من فقِه -بكسر القاف- إذا فهم.
فإن قلت: كيف ترجم على ما أسنده في الباب؟ قلت: أراد بالترجمة الحكم، وبالحديث الذي أسنده دليل ذلك الحكم فالمذكور في الترجمة ليس مذكورًا من حيث إنه حديث، بل هو كسائر التراجم الدالة على حُكْمٍ من الأحكام، وبهذا سَقَطَ ما يقال: إن هذه الترجمة حديث مرسل والمرسل إذا اتصل به إسناده بعده يكون مسندًا لا مرسلًا، وإنما كان ساقطًا، لأن ذلك إنما يكون في تقديم المتن على السند لا في مثل هذه التراجم.
(وإنما أنا قاسمٌ واللهُ يعطي) الحصر فيه إضافي بدليل قوله: (والله يعطي) أي: إن المعارف الإلهية أبلغها على وجه العموم، ولكن تأخذ الأفهام منها على قدر القرائح والفهوم؛ فإن القابليات بحسب الفطرة متفاوتة، ويجوزُ أن يكون المراد إعطاء الأموال والأرزاق؛ فإن المعطي هو الله، وإنما يَضَعُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حيث أُمر.
(ولن تزالَ هذه الأمة) أراد طائفةً من أمته، كما جاء في سائر الروايات (قائمة على أمر الله) أي: دينه الذي شرعه. واستعمل فيه على دلالةً على كونهم عالين على الخصم محيطين بجوانب هذا الأمر، بحيث لا يصل إليه كيد الأعداء. وقد فسّر هذا المعنى في حديث آخر بقوله:"يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدولُهُ، ينفون عنه تحريفَ الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين"(1). ولما فسر الأمر بمعنى الشرع، فلا حاجة إلى أن يقال: إنما اكتفى بالأمر عن ذكر النهي، لأن النهي في المعنى أمرٌ لأنه كفّ النفس، أو اكتفاء كما في قوله:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81](حتى يأتي أمر الله) أي: بقيام الساعة، أو قضاؤه والمحققون على أن أمر الله هنا يراد به الريح الذي يقبض روح كل مؤمن على وجه الأرض، والمعنى أن قيامهم بأمر الله ينقطع عند قيام الساعة، فإنها لا تقوم إلا على شرار الخلق، كما جاء في رواية مسلم: "لا تقومُ الساعة حتى لا يقال في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأرض: الله الله، ويبقى من لا خير فيهم، فعليهم تقوم الساعة" فلفظُ حتى متعلق بلَنْ تزال.
قال بعضهم: فإن قلت: هل يجوزُ تعلُّق (حتى) بلا يضرهم من خالفهم؟ قلتُ: نعم على أن يكون المراد بأمر الله بلاؤه فيضرهم حينئذٍ فما بعد حتى مخالف لما قبلها. هذا كلامه وهو مخالفٌ لغرض الشارع، فإن مراده أن شريعته لا يقع فيها خَلَلٌ كسائر الشرائع، وصرَّح بهذا في الرواية الأخرى:"لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق" وأما البلاء فهو موكّل بالمؤمن فلا وجه لقيده بقيام الساعة. ثم قال الشارح المذكور: فإن قلتَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعةُ حتى لا يقول أحدٌ اللهَ الله"(3) وقال أيضًا: "لا تقوم الساعةُ إلا على شرار الناس"؟ قلنا: هذه الأحاديث لفظها على العموم، والمراد منها الخصوص والمعنى: لا تقوم الساعةُ على أحدٍ يوحّد الله إلا بموضع كذا، فإنه فيه طائفة على الحق، ولا تقوم على شرار الناس بموضع كذا. انظر في هذا كيف تخبط، فإنه جوّز قيام الساعة على طائفة قائمة على الحق مع أنه خلافُ منطوق الحديث، وارتكب تفصيلًا لا دليل عليه بوجهٍ من الوجوه.
قال النووي: قال البخاري: هذه الطائفة هم أهل العلم. وقال الإمام أحمد: إن لم يكونوا أهلَ الحديث فلا أدري مَنْ هم. قال النووي: يحتمل أن تكون هذه الطائفة مفرَّقة بين أنواع المؤمنين، منهم المحدثون، ومنهم الفقهاءُ، ومنهم الزهاد، ومنهم المقاتلون. قلت: هذا الاحتمال بعيدٌ؟ لأن أهل الأصول استدلوا بالحديث على أن الإجماع حجة، والإجماعُ اتفاقُ مجتهدي عصر واحدٍ على حكم شرعي، ووجه دلالة الحديث على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أن الحق لا يعدوهم، وإذا كانت الطائفة مفترقة فيكون المعنى أن الحق لا يتجاوز تلك الطائفة المفرقة، فلا يبقى للحديث دلالةٌ على صحة الإجماع فتأمل.