الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ». [الحديث 67 - أطرافه في: 105 - 1741 - 3197 - 4407 - 4662 - 5550 - 7078 - 7447].
11 - بَابٌ: العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] فَبَدَأَ بِالعِلْمِ «وَأَنَّ
ــ
الإنسان. والمراد من الحديث: القَدْحُ في محل المدح. قال عنترة:
وعرضي وافر لم يُكْلَم
ولا بُدّ من تقدير مضاف، أي: سفك دمائكم وأخذَ أموالكم، والقدحَ في أعراضكم. (كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) اليوم يوم النحر كما سيأتي صريحًا، والشهرُ: ذو الحجة، والبلد: مكة.
فإن قلتَ: المشبّه أقوى وأغلظ من المشبه به في وجه الشبه الذي هو الحرمة. قلتُ: كذلك ولا ضيرَ؛ لأن المرادَ إلحاق الخفي بالأشهر لا الناقصِ بالكامل، وكان حرمةُ هذه الأشياء أمرًا جليًّا عندهم، بخلاف سفك الدم وأخذِ المال والقدح في الأعراض.
(ليبلّغ الشاهدُ الغائبَ) أي: هذه المقالةَ، حُذفت للعلم بها. أو كل ما سمع حذف للعموم. والأمر للوجوب، دلّ عليه الآياتُ والأحاديث الواردةُ في كتمان العلم، وإنما خَطَبَ على البعير ليكون بارزًا، يَفْهَمُ مقالتهُ كلُّ حاضر.
باب: العلمُ قبل القول والعمل
{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]) استدل به على أن العلم قبل العمل، لأن الله تعالى خاطَبَ أعلمَ الخَلْق به، ثم قال:{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} والاستغفار يكون فعل القلب واللسان.
فإن قلت: رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عالمًا بهذا الحكمِ قبل هذا الخطاب؟ قلتُ: له نظائر يُخاطَبُ هو ويراد أمتُه، أو أُريدَ به الدوام والثبات عليه، كما في قوله:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ}
العُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَرَّثُوا العِلْمَ، مَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ» وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} [فاطر: 28] وَقَالَ: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا العَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10] وَقَالَ: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]
ــ
[الأحزاب:1] أو الترقي بالتأمل في دلائل التوحيد.
وفي كل شيء له آية
…
تدل على أنه واحدُ (1)
(وإن العلماء هم ورثة الأنبياء) وإن: بالكسر. هذا حديثٌ رواه أبو داود والترمذي والإمام أحمد (2) أدخله في الترجمة دلالة على فضل العلم (ورّثوا العلم) بالتشديد أي: ليس المراد وراثة المال كما هو المتعارف (من أخَذَه أَخَذَ بحظٍ وافرٍ) لأنه سببٌ لسعادة الدارين، وأيّ حظ وافر منه. وإن كنتَ في ريب فتأمل في قوله تعالى:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران: 18](ومن سَلَكَ طريقًا يطلب به علمًا سَهَّل اللهُ له طريقًا إلى الجنة) أي: نوعًا من العلوم الشرعية، أو ما يتوقف معرفتها عليه كعلم العربية ({إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]) استُدلّ بحصر الخشية في العلماء على فضل العلم، لأن نتيجته الخشية من الله تعالى، وقد قال تعالى:{وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175] والمراد بها: الخشية الكاملة {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]) الضمير: للأمثال المتقدمة، ودلالته على فضل العلم ظاهرة. {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)} [الملك: 10]، أي: لو كنا نعلم ونعقل الآيات والنذر؛ إذ لا شك أنهم كانوا أعقل الناس بأمور الدنيا، وناهيك بفعل شيء يمنع عن الدخول في زُمرة الأشقياء أصحاب السعير. وقال:{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] الاستفهام للإنكار أي: لا مساواة بين الطائفتين بوزن، وهذا الحكم دمان كان معلومًا لكل واحد، ولكن سيق الكلام حَثًّا للجاهل على التعلّم، فليس المراد بالإخبار فائدة ولا لازمها.
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» وَإِنَّمَا العِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ " وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: «لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ - وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ - ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ لَأَنْفَذْتُهَا» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79] " حُلَمَاءَ فُقَهَاءَ علماء،
ــ
(وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يُرد اللهُ به خيرًا يفقهه في الدين) هذا حديث ذكره فيما بعدُ من طريق سعيد بن عُفَير أورده هنا تعليقًا استظهارًا لما هو بصدد إثباته من فضل العلم، "وإنما العلم بالتعلّم" هذا حديث رواه أبو نعيم في كتاب "رياضة المتعلم" وتمامه:"والحلم بالتحلم" رواه الطبراني بأطول منه في "الكبير" عن معاولة: "إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" و {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28](وقال أبو ذر: لو وضعتُم الصَّمْصَامَةَ على هذه -وأشار إلى قفاه-) الصِّمصامة -بكسر المهملة- السيف القاطع، والجمع صماصم. والصِّمصام عند العرب: سيف عمرو بن معد يكرب. (أُنْفِذُ كلمةً سمعتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلَ أن تجيزوا عليَّ لأُنْفذْتُها) بضم الهمزة وإسكان النون.
فإن قلت: على ماذا يدل هذا الكلام؟ قلتُ: يدل على فضل العلم، فإن أبا ذر لا يفعل هذا إلا لفضيلة بتعليم العلم. ويلزم منه فضل العلم من باب الأولى، رُوي في "الحلية" أن عثمان كان نهى أبا ذر عن الإفتاء، فأفتى الناس. فاعترض عليه رجل، فقال أبو ذر هذا الكلام.
(وقول النبي صلى الله عليه وسلم) عطف على قوله: لقول الله، في صدر الباب (ليبلّغ الشاهد الغائب) هذا حديثٌ تقدم في الباب قبله مسندًا (وقال ابن عباس:{كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79] حكماء فقهاء). الرباني نسبةً إلى الرب، والتعبير فيه للنسبة، والحكمة علم الشرائع، وقيل: صحةُ الفعل والقول، وذكر الفقه بعده من ذكر الخاص بعد العام. وفي بعض الروايات: