الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَفَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ [الحديث 126 - أطرافه في: 1583، 1584، 1585، 1586، 3368، 4484، 7243].
50 - بَابُ مَنْ خَصَّ بِالعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ، كَرَاهِيَةَ أَنْ لَا يَفْهَمُوا
127 -
وَقَالَ عَلِيٌّ: «حَدِّثُوا النَّاسَ، بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ، اللَّهُ وَرَسُولُهُ» حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ بِذَلِكَ.
ــ
من ابن الزبير، وهذا يدلّ على أنَّه فهم أنّ ابن الزبير يروي من قوله:"بكفر لنقضت إلى آخره. . ." الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك، بل إن ما يروي ابنُ الزبير عن عائشة ستأتي مرارًا روايته صريحًا من غير واسطة الأسود عن عائشة، وفي تلك الرواية:"لولا قومك حديث عهد بالكفر" ولا يبعُدُ أن ابن الزبير إنما بادر إلى لفظ: بكفرٍ، لما سَمِع الأسودَ تركَهُ، وكان قد حفظ من عائشة، والدليل عليه أن الترمذي رواه عن الأسود بتمامه، إلا أنَّه قال بدل: بكفرٍ، بالجاهلية.
والحاصلُ أن ابن الزبير لم يروِ هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطّ، ومدار الحديث على عائشة باتفاق أهل الحديث، وقد روى الحديثَ عنها عروةُ بنُ الزبير، وعبد الله بن محمَّد بن أبي بكر، والحارث بن عبد الله بتمامه (ففعله ابن الزبير) أي: في أيام خلافته لانتفاء العلة التي امتنع لأجلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو حداثة العهد بالكفر، ثمَّ نقض ذلك البناء الحجاج بعد قتل ابن الزبير.
باب: مَنْ خَصَّ بالعلم قومًا دون قومٍ كراهيةَ أن لا يفهموا
127 -
(وقال علي: حدثوا الناسَ بما يَعْرفون، أتحبون أن يُكَذَّب اللهُ ورسولُه؟) أي: كلموا الناسَ بما يفهمون؛ لئلا يؤدي إلى تكذيب الله ورسوله، وما ضَلَّ من ضَلَّ إلا لقلة الإدراك، ألا ترى إلى قوله:{مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)} [يس: 78، 79].
فإن قلتَ: ما الفرقُ بين هذه الترجمة والتي قبلها؟ قلت: التي قبلها مُطْلَقَةٌ وهذه مقيدة. فإن قلت: يلزم كتمان العلم؟ قلتُ: لا يلزم، ألا ترى إلى قوله: خَصّ بالعلم قومًا دون قوم.
(عُبيد الله بن موسى) على وزن المصغر (عن أبي الطفيل) -بضم الطاء على وزن
128 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَمُعاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ، قَالَ:«يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ» ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ:«يَا مُعَاذُ» ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثَلَاثًا، قَالَ:«مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ، إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» ، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ:
ــ
المصغر -عامر بن واثلة الكناني، آخر الصحابة موتًا باتفاق أهل الحديث، وُلد عام أحد، ومات وعمره مئة سنة.
128 -
(عن قتادة) بفتح القاف (إسحاق بن إبراهيم) هو إسحاق بن راهويه (معاذ بن هشام) بضم الميم وكسر الهاء (أن النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذٌ رديفُهُ على الرّحل) ومعاذ رديفُهُ: مبتدأ وخبر. والجملة في محل النصب على الحال. وقوله على الرحل: حال أخرى من النبي صلى الله عليه وسلم لِما في الرواية الأخرى، عن معاذٍ: كنتُ رديفَهُ، وليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل. والرحلُ في البعير كالسرج للفرس. ويقال له: الكور، كذا قاله ابن الأثير. قلتُ: هذا أصلُه، وقد اتّسع فيه، وذلك أن معاذًا كان دريفَهُ على الحمار، صَرح به في الرواية الأخرى.
(قال يا معاذ بن جبل) يجوزُ في ذال معاذ الضم والفتح، والثاني هو المختار (قال: لبيك يا رسول الله وسعديك) -بفتح اللام وتشديد الباء بعدها ياء ساكنة- أصله إلبابًا بعد إلباب من ألَبَّ بالمكان أقام به، وأسعده إذا طاوعَهُ أي: إسعادًا بعد إسعاد والتثنية للتكثير كما في قوله تعالى: {ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] ووجه إعلال الكلمتين مذكورٌ في كتب النحو، وهما من المصادر التي يجب حذف فعلهما سماعًا.
(ثلاثًا) هذا من قول أنس، يريد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كرَّر الكلام ثلاثَ مراتٍ، الثلاث لمجموع ما جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين معاذ لا على وجه تنازع الفعلين، وكأنه قال: جرى النداء والجواب ثلاث مراتٍ.
(ما من أحدٍ يشهد أن لا إله إلا الله صدقًا من قلبه إلا حَرَّمه الله على النار) أي: خُلُودَهُ. أو قاله حين أسلم ومات على الفور، أو قاله تائبًا ومات بعده. وهذا لأن سائر النصوص دلَّت على دخول بعض عصاة المؤمنين النارَ. والوجهُ هو الأول لإطلاق الحديث
أَفَلَا أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ:
ــ
وعمومِ: "ما من أحد" وقيل: هذا كان قبل سائر الفرائض. وليس بشيء؛ لأن معاذًا من شبان الأنصار، ومثله عن أبي هريرة، وقد أسلم سنة سبعٍ من الهجرة.
فإن قلتَ: "صدقًا" صفة فعل القلب أو القول؟ قلتُ: صفة فعل القلب وذلك احتراز عن قول المنافق، فإنه وإن كان صدقًا في نفس الأمر، لأن صدق الخبر كونه مطابقًا للواقع، سواء كان مطابقًا لاعتقاد المخبر أو لا. ومنه ظهر أن تعلق "من قلبه" بقوله:"يشهد" غير سديد، اللهم إلا أن يراد بالشهادة فعل القلب، والدليل عليه ما في الرواية الأخرى:"خالصًا من قلبه".
فإن قلتَ: ما معنى التحريم على النار والحرمةُ صفة فعل المكلف؟ قلتُ: أُريدَ به لازمه وهو المنع.
فإن قلت: قال هنا: "حرَمه الله على النار" في حق المؤمن، وقال تعالى في حق الكافر:{حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} [المائدة: 72] فهل فرقٌ بحسب المعنى؟ قلتُ: قال بعضُ الشارحين: النار متصرفة والجنة متصرف فيها، والتحريم على المتصرف أنسب هذا كلامه. وما ذكره أمر وهمي؛ لأن التحريم حكمُ الله في الموضعين. والصواب في الجواب: أن إيقاع التحريم على المؤمن اعتناء بشانه، وأما على الكافر فلأمرٍ عارضٍ فأوقع التحريم على الجنة إشارةً إلى غلبة الرحمة لولا ذلك العارض.
فإن قلت: "إلا حرم الله" استثناء من ماذا؟ قلتُ: قال بعضُهم: استثناء من أعمّ عام الصفات أي: ما أحدٌ يشهد كائنًا بصفة إلا بصفة التحريم، وهذا وهمٌ؛ لأن التحريم صفةُ الله مسند إليه في الحديث، بل التقدير: ما من أحد يشهدُ في حالة من الأحوال إلا في حالة حرَّمه اللهُ على النار.
(أفلا أُخبر به الناسَ فيستبشروا) الهمزة داخلةٌ على مقدر، والفاء العاطفة على ذلك المقدر أي: أقلت هذا؟ أفلا أخبر، ومعنى الكلام العرض كقولك: ألا تنزل بنا. ويجوزُ أن يكون الاستفهام على أصله وحَذَفَ نون يستبشروا؛ لأنه جواب العرض أو الاستفهام، فيقدر بأن، ويُروى بالنون عطفًا على: أفلا أخبر، كقوله تعالى:{وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)}
«إِذًا يَتَّكِلُوا» وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا. [الحديث 128 - طرفه في: 129].
129 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: ذُكِرَ لِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: «مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ» ، قَالَ: أَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: «لَا إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا» .
ــ
[المرسلات: 36] قال: (إذًا يتكلوا فأخبرَ بها معاذٌ عند موته تأثمًا) أي: تَجَنبًا واحترازًا من كتمان العلم.
فإن قلت: كيف جاز له مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: أخذ الجواز من قوله: يتكلوا، فإنه المانع، ولمّا زال ذلك المانع بأن اعتادوا بالطاعات، ودخل حلاوتها في أعماقهم حتى قصدوا الترهب، وصوم الدهر، وقيام الليالي، فانتهى الحكم بانتهاء علته. وما يقال: إن المنع كان عن العوام دون الخواص، ومعاذًا إنما أخبر الخواصَّ يَرُدُّه لفظُ: الناس، على العموم. وأيضًا لو كان المنعُ عن العوام دون الخواص، لَخَصَّ معاذٌ عند الموت طائفةً ولم يطلق الخبر. وقد رَوَى الإمام أحمد أنه قال معاذ عند موته: أدخلوا على الناس، ولما دَخَلُوا حَدَّث بهذا الحديث. والعجبُ أنه قال هذا القائل: إنما خَصَّ الخواصّ دون العوام؛ لأن هذا من الأسرار الإلهية فالخطأ نقلًا وعقلًا.
فإن قلت: هذا الحديث من مسندات أنس أم من مسندات معاذ؟ قلتُ: قول أنس بعده: ذَكَر لي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذٍ، يدل على أن أنسًا لم يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان هذا السياق مشعرًا بأنه سمعه. وأما أن البخاري ذكر في الترجمة القوم، والمذكور في الحديث رجل واحد، فلا يقدح في غرضه؛ لأن القوم يقاس على الواحد قياسًا جليًّا والله أعلم.
129 -
(مسدّد) بضم الميم وفتح الدال المشددة (معتمر) من الاعتمار -بكسر الميم- قال الغساني: سقط من نسخة أبي زيد ذكرُ مسدد، ولا بُد منه، قال: وسقوطه من القابسي.
(سمعتُ أنسًا قال: ذكر لي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: مَنْ لقي اللهَ لا يُشركُ به شيئًا دَخَل الجنة) هذا تعليقٌ من أنس، وذلك أن معاذًا أخبر به عند موته بالشام، وكان أنس بالعراق.
واللقاء كناية عن الموت، وصَرّح هنا بدخول الجنة؛ لأن التحريم على النار أعم مفهومًا منه، إلا أنهما متلازمان لقوله:{فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7].