الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
18 - بَابُ مَنْ قَالَ إِنَّ الإِيمَانَ هُوَ العَمَلُ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:
ــ
منه قهرًا يقاتل عليه، وإن قتل فهو هدرٌ. فكذا تارك الصلاة إن أبى لا يترك سدًّا.
بابٌ: من قال إن الإيمان هو العملُ
(لقوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72].
استدل على كون الإيمان هو العمل بالآيات والحديث الذي أسنده في الباب. هذا، وكونُ الإيمان عملًا مما لا يَشُك فيه عاقلٌ؛ لأنه إما تصديق القلب أو فعل الأركان وكل ذلك عملٌ. والمراد من الإيمان: الإيمان الكاملُ.
فإن قلتَ: قوله تعالى: {أُورِثْتُمُوهَا} ما معنى الإيراث فيه؟ قلتُ: الإرثُ هنا ليس محمولًا على ما يتعارفه الناسُ، بل من إطلاق المقيد على المطلق. وإنما آثره على الإعطاء دلالةً على لزومه لهم؛ لأن الإرثَ مُلْكٌ لازمٌ لا يمكن ردُّه، ويجوزُ أن ذلك باعتبار منازل الكفار لما في الحديث "أن كل واحدٍ من آحاد الناس له منزل في الجنة، ومنزل في النار، فما للكفار من المنازل يعطى المؤمنين، وما للمؤمنين من المنازل في النار يضاف إلى ما للكفار"، فشبّه ذلك للزومه بالإرث.
فإن قلتَ: الباء في قوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} . ونظائرُهُ للسببية. وقد جاء في الحديث: "لا يدخل أحدُكم الجنةَ بعمله" قالوا: ولا أنت؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني اللهُ بفضل رحمته"؛ قلتُ: السببية هنا عادية جرت عادته تعالى بذلك، وإن كان السبب الحقيقي إرادته تعالى، إذ لا يجب عليه إثابة المؤمن؛ لأن أعماله لا تفي بأدنى نعمةٍ من نعم الدنيا، فضلًا عن نعم الآخرة. قال النووي: الدخول بسبب العمل، والعملُ برحمة الله. قال بعضهم ردًّا عليه: المقدمة الأولى خلاف صريح الآية، فإن الباء تدل بظاهره على السببية العادية كما أشرنا إليه، فيؤول الحديث. ثم قال: الباء فيه للملابسة دون السببية. ويرده قوله: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الواقعة: 24] لأنها نصٌّ في السببية. وقال: أو الجنة. المراد بها الجنةُ
72] وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 93] عَنْ قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَالَ:{لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ} [الصافات: 61].
26 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
العالية. ويردُّه سياقُ الآية، وهو قوله تعالى:{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ} [الزخرف: 70] ثم قال: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا} [الزخرف: 72] وقال: أو الدخول ليس بالعمل، والإدخالُ بالعمل. وهذا شيءٌ لا يرضاه عاقلٌ.
(عِدَّة من أهل العلم) -بكسر العين- اسم جمع من العدد، وبالضم ما يعدّ ويهيأ من الأموال والسلاح لحوادث الدهر. {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92، 93] عن قول لا إله إلا الله).
فإن قلت: قد قال الله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: 39]؟ قلتُ: ذاك في وقت، وهذا في آخر. أو ذاك في موقف، وهذا في موقفٍ آخر.
فإن قلتَ: {عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} لفظ "ما" من ألفاظ العموم، كيف خصَّه من فسّره بقول: لا إله إلا الله؟ قلتُ: حمل على الجزء الأعظم، فإنه مناط النجاة ولا حصر فيه. فلا ينافي ما وَرَد في الأحاديث من السؤال عن النقير والقطمير.
26 -
(سعيد بن المسيِّب) -بفتح الياء المشددة- هو المشهور قيل: كان يكره فتحَ الياء. هو ابن حَزْن. أسلم المسيِّب هو وحَزْن يوم الفتح، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اسمه؟ فقال: اسمي حَزْن. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أنت سَهْلٌ. فقال: لا أغيْر اسمًا سماني به أهلي قال سعيد: فما زالت الحُزُونة فينا؛ وذلك بشُؤم مخالفته رسول الله صلى الله عليه وسلم. مخزوميٌ يلاقي نسبُه نَسَبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مُرَّة بن كعب. قال أحمد بن حنبل وآخرون: إنه أفضل التابعين. ورُدَّ ذلك بما رواه مسلم مرفوعًا: "إن أفضل التابعين أُويس القَرَني". ونقل عن بعضهم أن
سُئِلَ: أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» . قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ» . [الحديث 26 - طرفه في: 1519].
ــ
أفضل التابعين الحسنُ البصري. والتوفيقُ بين هذه الأقوال: أن أفضلَهم زهدًا وتقوًى أويسٌ. وفقهًا وفتوًى سعيدٌ. ووعظًا ومعرفةً بأحوال الآخرة، واختلاف النفس الحسنُ.
(أيّ العمل أفضل؟ قال: الإيمانُ بالله) هذا موضعُ الدلالة على الترجمة فإنه جعل الإيمان من الأعمال. وأراد بالإيمان التصديقَ وكلمةَ التوحيد، لأنه أورد بعده الجهاد والحج.
فإن قلتَ: أفضل اسم تفضيل لا بُدّ له من أحد الأمور الثلاثة: اللام أو الإضافة أو من؟ قلتُ: (من) مقدرة كما في: الله أكبر.
(قال: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله) أي: مقاتلة أهل الحرب، وإنما قدّمه على الحج مع أنه أحدُ أركان الإسلام لأنه أشق؛ لأنه بذلُ المال والنفس. ولذلك جعله في الحديث الآخر:"سنام الدين" قال النووي: الأفضل في هذا الحديث هو الجهادُ، وفي حديث ابن مسعود: الصلاةُ لميقاتها. وفي الحديث الآخر: أيّ الإسلام أفضل؟ "مَنْ سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده". وفي الآخر: أيّ الإسلام خيرٌ؟ "قال: أن تُطعِم الطعام".
قال العلماء: اختلاف الأجوبة لاختلاف حال المخاطبين، فأَعْلَمَ كل فريقٍ بما لهم إليه حاجةٌ.
فإن قلتَ: هذا كيف يستقيم مع أن كل واحدٍ منهما إذا كان أفضل لا بد وأن يكون الآخر مفضولًا؟ قلتُ: مراده أن كل واحدٍ بالنظر إلى طائفةٍ أفضل في حقه، على أن الأفضل ليس واحدًا شخصًا فيجوز فيه تعدُّد الأفضل باعتبار الزيادة في بابه.
(قال: حجٌ مبرور) أي: المقبول. من البِرّ وهو الثواب؛ فإن المقبول هو الذي يترتّب