الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي المُنَاوَلَةِ، وَكِتَابِ أَهْلِ العِلْمِ بِالعِلْمِ إِلَى البُلْدَانِ
وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: نَسَخَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ المَصَاحِفَ فَبَعَثَ بِهَا إِلَى الآفَاقِ، وَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ذَلِكَ جَائِزًا وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الحِجَازِ فِي المُنَاوَلَةِ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ كَتَبَ لِأَمِيرِ
ــ
بطنٌ من قريش. قال أبو الفضل المقدسي: بنانة هو أسعد بن لؤي بن غالب.
باب: ما يُذكر في المناولة
المناولةُ لغةً: إعطاءُ شيءٍ من يدٍ إلى يدٍ من النَّول وهو العطاء. واصطلاحًا عند أهل هذا الفن: قسم من أقسام الأخذ والتحمُّل. وهي على قسمين؛ مقرونة بالإجازة وعاريةٌ عنها. فالأُولى أعلى أنواع الإجازة ولها صورٌ أعلاها أن يناوله شيئًا من سماعاته أصلًا أو فرعًا مقابلًا به، ويقول له: خذ هذا فإنه سماعي أو روايتي فاروه عني، وأما المناولةُ المجردة وهي أن يناوله شيئًا من سماعه ويقول: هذا سماعي أو روايتي ولم يقل له: اروه عني ونحوهما مما يدلّ على الإذن والإجازة. فذهَبَ الخطيب وطائفةٌ إلى جواز الرواية بها.
وقال ابنُ الصلاح: لا يعتد بها. وكذا قاله النووي في "التقريب" وإن ذَهَب إلى الجواز بعضُ أرباب الأصول. ثم اختلفوا في عبارة الراوي بطريق المناولة: هل يجوزُ له أن يقول: حدثنا فلان، وأخبرنا من غير ذكر المناولة أو لا بدله من ذلك؟ فذهب مالكٌ وآخرون إلى جوازه.
قال العراقي: والمختار الذي عليه عمل الجمهور واختاره أهلُ الورع: المنعُ من ذلك. وصورة ذكرها: أن يقول الراوي: أخبرنا فلانٌ مناولةً. وهل الروايةُ بها تحل محل السماع؟ فيه خلافٌ. قال ابن الصلاح: فالصحيحُ أنها دون السماع درجةً، وإن ذهب مالكٌ مع طائفةٍ إلى أنها في رتبة السماع.
(وكتابِ أهل العلم بالعلم إلى البلدان) هذا شِقٌّ آخر للترجمة وهو أيضًا نوعٌ من أنواع التحمل. قال العراقي: الكتابة شبيهةٌ بالمناولة وهي أيضًا قسمان: مقرونة بالإجازة، ومجردة عنها. وكلاهما مقبولان في حكم الحديث الموصول عندهم. واستدل البخاري على هذا بقول أنسٍ:(كتب عثمانُ المصاحفَ فبَعَثَ بها إلى الآفاق) بَعَثَ واحدًا إلى مكة، وآخر إلى كوفة، وآخر إلى بصرة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى يمن، وآخر إلى البحرين (ورأى عُبيد الله بن عمير) بضم العين على وزن المصغر (ويحيى بن سعيد، ومالكٌ ذلك جائزًا) قد ذكرنا أنه قول الجمهور.
(واحتجّ بعضُ أهل الحجاز في المناولة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث كَتَبَ لأميرِ) قال
السَّرِيَّةِ كِتَابًا وَقَالَ: «لَا تَقْرَأْهُ حَتَّى تَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا» . فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ المَكَانَ قَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ، وَأَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
64 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " بَعَثَ بِكِتَابِهِ رَجُلًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ البَحْرَيْنِ فَدَفَعَهُ عَظِيمُ البَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ المُسَيِّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ» . [الحديث 64 - أطرافه في: 2939 - 4424 - 7264].
ــ
الشافعي: إنما سميت البلاد المذكورة حجازًا، لأنها حجزتْ بين النجد والغور قال: وهي مكة والمدينة واليمامة وأريافها كالطائف لمكة، وخيبر للمدينة، وفي رواية عروة:"إذا سِرْتَ يومين فافتح الكتابَ"(السرية كتابًا وقال: لا تقرأْهُ حتى تبلغ مكان كذا وكذا) الأمير هو: عبد الله بن حُذَافة السَّهمي. والسرية: قد ذكرنا أنها من السّرو وهو الشرف؛ لأنها خيار الجيش، وأن أقصاها أربعمئة. قال البهي: هذا الاحتجاج ضعيفٌ؛ لأن التبديل كان غير متوهم في ذلك العهد لعدالة الصحابة. قلتُ: والكلام في نقل العدول في أي عهد كان.
64 -
(إبراهيم بن سعد) هو سبط عبد الرحمن بن عوف (عُبَيد الله بن عبد الله) الأول: مصغر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم-بعث بكتابه رجلًا وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين) الرجل المذكور هو: عبد الله بن حذافة كما سيأتي. وإنما قال: عظيم البحرين، ولم يقل: ملك؛ لأن الملوك كلُّها عُزلت بعد البعثة ولا ملكَ إلا لمن ولاّه رسول الله صلى الله عليه وسلم-كما ذكرنا في قصة هرقل. وهذا أيضًا من قبيل الكتابة لا من قبيل المناولة. وقد ذكرنا أن حكم الكتابة حكمُ المناولة ما كان دليلًا لإحداهما دليل الأخرى (فدفعه عظيمُ البحرين إلى كسرى) -بفتح الكاف وكسرها- معرب خسرو من ألقاب ملوك الفرس كقيصر لمن ملك الروم، والنجاشي لملك الحبشة، واسمه بُرويز بن هرمز بن أنوشروان (فلما قرأه مَزَّقه) اْي: خَرَقَهُ. يقال: مَزَقَهُ مخففًا والتشديد للمبالغة (فحسِبْث أن ابنَ المسيَّب قال: فدَعَا عليهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يمَزَّقُوا كل مُمَزقٍ) قائلُ هذا الكلام: الزهريُ، ذكره البخاري تعليقًا، والضمير في عليهم لكسرى
65 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَتَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كِتَابًا - أَوْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ - فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلَّا مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، نَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ لِقَتَادَةَ مَنْ قَالَ: نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ أَنَسٌ. [الحديث 65 - أطرافه في: 2938 - 5870 - 5872 - 5874 - 5857 - 5877 - 7162].
ــ
وأتباعه، وكذا جرى؛ فإنه قتله ابنه شيرويه خرق بطنه لينكح امرأته شيرين، ثم مات بعده نسله وانقرضتْ دولتهم وانقطع الملك عنهم ولا يملك بعدهم فارسي إلى آخر الدهر. صلى الله على صاحب المعجزات سيد المرسلين.
قال ابن بَطّال: وفيه دلالة على أن كتاب الحاكم إلى حاكم آخر يجوزُ أن يكون بإخبار الواحد، ولا يُشترط أن يكون معه شاهدان كما يفعله القضاة الآن. قلتُ: ليس في الحديث على ذلك دليلٌ؛ إذ لا خصم هنا، بل هذا من قبيل الأخبار التي يقبل فيها خبر الواحد. كيف وهذا من قبيل آداب الملوك من إرسال الرسل بالكتب مع عدم علمهم بما في الكتاب؟!
65 -
(محمد بن مقاتل) أبو الحسن بضم الميم وكسر التاء (كتب النبي صلى الله عليه وسلم-كتابًا، أو
أراد أن يكتب) الشكُّ من أنس (فقيل له: إنهم لا يقرؤون كتابًا إلا إذا كان مختومًا، فاتخذَ خاتمًا نقشُهُ: محمد رسول الله) يجوزُ في الخاتم كسر التاء وفتحها. سيأتي أن نقشَهُ كان ثلاثةَ أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر (كأني أنظرُ إلى بياضه في يده) فيه دلالة على زيادة علمه بالقضية. والمراد من الختم: علامة المرسل كما يرى الآن في كتب ملوك الفرس، لا الختم المانع من الاطلاع على ما في الكتاب؛ إذ لو كان المراد ذلك لم يحتجْ إلى الخاتم، بل كان يكفي العنوان كما يفعله الآن ملوكُ مصر.