الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
35 - بَابٌ: كَيْفَ يُقْبَضُ العِلْمُ
وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاكْتُبْهُ، فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ العِلْمِ وَذَهَابَ العُلَمَاءِ، وَلَا تَقْبَلْ إِلَّا حَدِيثَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«وَلْتُفْشُوا العِلْمَ، وَلْتَجْلِسُوا حَتَّى يُعَلَّمَ مَنْ لَا يَعْلَمُ، فَإِنَّ العِلْمَ لَا يَهْلِكُ حَتَّى يَكُونَ سِرًّا» حَدَّثَنَا العَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ،
ــ
باب: كيف يُقبض العلمُ
بضم الياء علي بناء المجهول (وكتب عمرُ بن عبد العزيز) الإمامُ العادلُ، والخليفةُ أشجُّ بني مروان. قيل: إنه أزهدُ في الدنيا من أويس القَرَني، تابعي جليلُ القدر (إلى أبي بكر بن حَزْم) -بالحاء المهملة وزاي معجمة-: أبو بكر اسمه وكنيتُه أبو محمد، كان قاضيًا لسليمان بن عبد الملك بالمدينة، وبعده لعمر بن عبد العزيز (انظرْ ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتُبْهُ) وقد بيَّن سببه بقوله:(فإني خِفْتُ دُروسَ العلم) من دَرَسَ الشيء إذا لم يبق له وجودٌ وفي المثل:
العلم صيدٌ والكتابةُ قيدٌ
ولولا الكتابة لم تَرَ في هذا الزمان حديثًا صحيحًا.
(ولا تقبلْ إلا حديثَ النبي صلى الله عليه وسلم) تقبلْ بالخطاب، وبالغَيبة، وإنما أمره بأن لا يقبل إلا حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لئلا يختلط به شيء من كلام الناس، كما أن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُكتَبْ إلا القرآن كما ذكرنا (وليَجْلِسُوا وليُفشوا) الأول بفتح الياء من الجلوس، والثاني بضم الياء من الإفشاء، وهو الإظهار. ويقرآن بكسر اللام وإسكانها، قرئ بهما في السبع (حتَّى يَعْلَم من لا يَعْلم) كلاهما بفتح الياء على بناء الفاعل، من العلم، ويروى الأول بضم الياء وتشديد اللام وفتحها من التعليم.
(العلاء بن عبد الجبار) بفتح العين والمدّ (عبد العزيز بن مسلِم) -بكسر اللام-
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ: بِذَلِكَ، يَعْنِي حَدِيثَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، إِلَى قَوْلِهِ: ذَهَابَ العُلَمَاءِ.
100 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا،
ــ
المروزي، قال الذهبي: ثقة عابدٌ، يُعَدُّ من الأبدال (يعني: حديثَ عمرَ بنِ عبد العزيز إلى قوله: ذهاب العلماء) أي: من غير الزيادة المذكورة بعده.
قال شيخ الإسلام: فعلى هذا يحتمل أن يكون ما بعده من كلام المصنف. قال: وكذا صَرَّح به أبو نُعيم، وإنما قدَّم المعلَّق على المسند لتلك الزيادة. وقيل: قدَّمه فرقًا بين إسناد الخبر وإسناد الأثر. هذا قول مخترعٌ ليس لأهل الحديث منه. ثم قال هذا القائل: وأما على رواية العلاء فظاهر، إذ غرضه أنَّه ما رُوي إلا بعضه، وهذا يشعر بأن هنا إسناد الخبر في غير رواية العلاء وليس كذلك، إذ ليس بعد ذلك التعليق إلا رواية العلاء.
100 -
(إسماعيل بن أبي أويس) -بضم الهمزة- ابن أخت مالك (عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله لا يقبض العلمَ انتزاعًا ينتزعُهُ من الناس) انتصاب انتزاعًا على أنَّه مصدر ينتزعه. قدَّمه عليه اهتمامًا، لأنه بصدد بيانه، وهذه الجملة حال من مفعول يقبض، ويجوزُ أن يكون مفعولًا مطلقًا ليقبض لأنه بمعناه. وينتزعه حينئذ صفة لـ "انتزاعًا".
(ولكن يقبضُ العلمَ بقبض العلماء) إنما جَرَتْ عادتُهُ بقبض العلم على هذه الطريقة لا بأن العالم يبيتُ عالمًا، ثم يُصبح جاهلًا، وإن كان نسبة القدرة إليها سواء، وهذا لطفٌ منه، فإنه لم يرجع بما تفضل به، بل كما كان عالمًا في الدنيا يحشره يوم القيامة مع ذلك العلم، ولو نَزَعَهُ عنه كان عاريًا عنه.
(حتَّى إذا لم يُبْقِ عالمًا، اتخذَ الناسُ رؤوسًا جهالًا) بضم الراء والتنوين في رواية
فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» قَالَ الفِرَبْرِيُّ: حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ نَحْوَهُ. [الحديث 100 - طرفه في: 7307].
ــ
البخاري مجازًا عن الرؤساء لأن الرأسَ أشرفُ الأعضاء. وروى مسلم بوجهين؛ أحدهما: ما في البخاري، والثاني: بضم الراء والمد. جمع رئيس وهو ظاهر. وقوله: "لم يبقِ عالمًا" نكرة في سياق النفي تدل على أن الضلال منتفٍ ما دام عالم موجودًا في كل قطرٍ يدفع الشُبَهَ، ويقول في الدين بالعلم. وهذا موجود في هذه الأمة إلى آخر الدهر لقوله:"لن تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق".
فإن قلتَ: فذلك إنما لم يقبض العلم بأن يصبح العالِمُ جاهلًا، لئلا يكون رجوعًا عما تفضَّل به يرد عليه: أن كم من عالم يصبح جاهلًا؟ قلت: ذلك ليس مما نحن فيه، بل بسبب شؤم المعاصي، وقطع نظره عن ممارسة العلم، والمداومة على المذاكرة، إنما الكلام في سلب العلم كما أشرنا إليه بأن يمسي عالمًا ثم يصبح جاهلًا، كما أنبأ عنه لفظُ الانتزاع.
قال بعض الشارحين: فإن قلتَ: إذا في قوله: "إذا لم يبق" للاستقبال، ولم للماضي، فكيف اجتمعا في كلمة؟ قلتُ: إذا جعل نفي البقاء مستقبلًا، ولم يجعل البقاء ماضيًا فلا إشكال. وهذا وهمٌ؛ فإن نفي البقاء ماضٍ، وإذا ليس للشرط، بل لمجرد الزمان، كما قال سيبويه: إذا يقوم زيد أو يقوم عمرو بأنهما مبتدأ. والمعنى: إن أمر العلم مستمر إلى وقت فناء العلماء، وبعد فنائهم، أو أشار بلم إلى تحقّق وقوعه. وإن تأخر كما ذكر نظيرَهُ صاحبُ "الكشاف" في قوله تعالى:{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبَّكَ} [الضحى: 5].
(فسُئِلوا فَأفْتَوا بغير علمٍ، فضَلّوا وأضلُّوا) ثم قال: أو تعارضًا فتساقطا، أو تعادلا فاستمرا لأمرٍ. وهذا كلامٌ مخترَعٌ ليس له أصل في العربية.
ثم قال: فإن قلتَ: الضلَال مقدَّم على الإفتاء، فكيف أخره عنه؟ قلت: المركب من الضلال والإضلال متأخر عن الإفتاء، وهذا ليس بصواب؛ لأن الضَّلال والإضلال لا تركيب بينهما. والصوابُ أن السؤالَ ساقطٌ، إذ لا ضَلَالة قبل الإفتاء، وإنما حَصَلَ له الضلالُ بعد