الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
34 - بَابُ الحِرْصِ عَلَى الحَدِيثِ
99 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
ــ
يخف الفتنة، وجواز صدقتهن من مالهِنَّ بغير إذن الأزواج، ومن غير قيد الثلث، كما ذَهَب إليه مالك.
قال القاضي: والحديث محمول على أن الأزواج كانوا معهنَّ، وفيه نظرٌ؛ لأنهنّ في المصلى معتزلات عن الرجال، وكذا ما قيل: إن فيه دليلًا على أن الصدقات العامة يصرفها الإمام، لأن ما في الحديث حكاية حال فعل، لا تدل على انحصاره في الإمام، وفيه دلالة على جواز اتخاذ النساء الخواتم والقُرط، سواء كانت من ذَهَبٍ أو فضةٍ.
فإن قلتَ: فما تقول فيما رواه أبو داود عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيَّما امرأة جعلت في أذنها خرصًا من ذهب، جعل الله في أذنها مثله من النار يوم القيامة"؟ قلتُ: قال ابن الأثير في "النهاية": هذا منسوخٌ أو محمول على ما إذا لم تؤد زكاته. والخُرص -بضم الخاء وكسرها- الحلقة من الذهب أو الفضة. قاله الجوهري، والله أعلم.
باب: الحرصُ على الحديث
الحرصُ معروفٌ أصله الظهور، ومنه الحارصة وهي الجراحة التي تكشف الجلد، والسحاب الَّذي تكشف وجه الأرض بالمطر، والحديث يرادف الخبر لغةً.
قال الجوهري: الحديث الخبرُ، يقع على القليل والكثير من الكلام، وعند أهل هذا الشأن: ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلًا أو قولًا أو تقريرًا. وما يقال: لمّا كان في مقابلة القرآن لُوحظ فيه معنى الحديث ليس بشيء. أما أولًا فلأن القديمَ هو المعنى دون اللفظ، وأما ثانيًا: فلقوله تعالى: {اللهُ نَزَّلَ أَحسَنَ الْحَدِيْثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} [الزمر: 23].
99 -
(عمرو بن أبي عمرو) بفتح العين فيهما (عن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري) -بفتح الباء وضمّها-؛ لأنه كان سكن بجانب المقابر (عن أبي هريرة أنّه قال: يا رسول الله،
مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ» [الحديث 99 - طرفه في: 6570].
ــ
من أسعدُ الناسِ بشفاعتك؟) السعادة ضدّ الشقاوة، مأخوذ من الساعد لأنه مظهر القوة، والمراد بها في الحديث: الإعانة على النجاة من غضب الله، والشفاعة: من الشَّفع ضد الوتر؛ لأن الشفيع يضمّ نفسَه إلى نفس المشفوع له في السؤال عن التجاوز، ويكون في الأمور الدنيوية أيضًا، والمشفِع -بكسر الفاء - من يقبل الشفاعة، وتفصيل الشفاعة وكمية عدادها وما يختصّ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من ذلك سيأتي في موضعه إن شاء الله.
(لقد ظننتُ يا أبا هريرة أَنْ لا يسألني أحدٌ أول منك) برفع "أولُ" صفة "أحدٌ"، وبالنصب على الحال. قال أبو البقاء: وإنما جاز وقوع الحال عن النكرة، لأنها في سياق النفي، وهو اسم تفضيل استعمل بمن كأنه قال: أقدم منك أو أسبق. قال الجوهري: إذا جعلتَهُ صفةً فلا تصرفه، صماذا جعلته غير صفة صَرَفْتَهُ. وما يقال: إنما نصب؛ لأنه في حكم الظرف لغوٌ من الكلام.
(أسعدُ الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه أو نفسه) الشكُ من أبي هريرة، والخُلُوص: الصفاءُ عن الغش، والمراد بقول: لا إله إلا الله: أعمّ من القول اللساني والقلبي. قال الشاعر:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما
…
جُعل اللسانُ على الفؤاد دليلًا
فإن قلت: لا بد من ضَمّ: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؛ قلت: ذاك معلوم من القاعدة، فتارةً ذكره، وتارةً يحذفه.
فإن قلتَ: أسعدُ أفعلُ تفضيلٍ، وضدّ المخلِص المنافق، وهو لا حظّ له من الشفاعة، واسم التفضيل لا بُدَّ له من مفضّل ومفضّل عليه؟ قلتُ: اسم التفضيل إذا أُضيف، قد يُقصد به الزيادة المطلقة من غير ملاحظة المفضل عليه، كما في: يوسف أحسن إخوته، وما في الحديث من ذلك القبيل.
قال بعضُ الشارحين: أفعل هنا بمعنى الفعيل، أو بمعناه. والمراد أنَّه أسعدُ ممَّن لم يكن بهذه المرتبة، لأنَّ المرادَ بالإخلاص في الحديث البالغ غايته، ولذلك يذكر القلب، كما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في قوله في كتمان الشهادة: {وَمَنْ يَكْتُمهَا فَإِنَّهُءَاثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] هذا كلامُهُ، وفيه خَلَلٌ من وجوه:
الأول: إخراجه أفعل عن أصله من غير ضرورة.
الثاني: أن المراد بالإخلاص هو ما يقعُ اسم الإخلاص عليه في الجملة احترازًا عن المنافق، وهو مقتضى قوله:"شفاعتي لأهل الكبائر".
الثالث: أن استدلاله بقوله: {ءَاثِمٌ قَلْبُهُ} عليه لا له؛ لأن ذكر القلب هناك إشارة إلى أن محلَّ الكتمان هو القلب، واللسان ترجمانُهُ ومثله هنا، فإن الإيمان محلّه القلب. ثم قال:"من قلبه" يجوزُ أن يكون متعلقًا بـ "قال"، وأن يكون متعلقًا بـ "خالصًا"، وإذا تَعَلَّق بـ قال وهو الأظهرُ يكون لغوًا. ولو تعلق بـ خالصًا يكون مستقرًا. وهذا أيضًا خبطٌ؛ لأنه متعلق بـ خالصًا لأنه فعل القلب المخصوص به، ولذلك ذكره معه، والظرف لغوٌ مثله لو تعلق بـ قال. وما يقال: إنه أفعل تفضيل، وهو على أصله؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفع للكفار أيضًا، فلا يُعَوّل عليه، والاستدلال عليه بأنه شفع لأهل المحشر من المسلم والكافر، ليس بتامٍ، لأن ذلك للمؤمنين بالذات، وكذا الاستدلالُ بتخفيف العذاب عن أبي طالب، لأن ذلك مجازاة على إحسانه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا للشفاعة. كيف وقد نُهي عن الاستغفار له.
وسيأتي منا زيادةُ تحقيقٍ إن شاء الله.
وفي الحديث دليلٌ ظاهر لأهل الحق من جواز الشفاعة لأهل الكبائر على أن قوله: "قال من قلبه" معنى ركيك.
وفيه أيضًا أن الشيخ يُنَبّهُ الطالب على مقدار فهمه، ويُرَغّبه في طلب العلم، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي هريرة.
فإن قلت: من قال: لا إله إلا الله مرةً، يجب أن يكون أسعدَ من سائر الناس؟ قلت: لا يلزم، لأنا قلنا: المراد: الزيادة المطلقةُ، ولو حمل على ذلك لا إشكال؛ لأنه أحوج الناس إلى الشفاعة، فمن ذلك الوجه أسعدُ.