الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وبيدها)؛ أي: وتأخذُ بيدِها الأُخرى صَابَّةً على شِقِّها، نعم، المفهومُ من ظاهره أنَّ الصَّبَّ بكلِّ يدٍ على شِقٍّ في حالةٍ واحدةٍ، لكنَّ العادةَ إنَّما هي الصَّبُّ باليدَين معًا، فتُحمَلُ اليدُ على الجِنسِ الصَّادق عليهما، وعلى هذا فالمُغايرَةُ بين الأمرين بحسَبِ الصِّفة، وهو أخذُ الماءِ أوَّلًا، وأخذُه ثانيًا، والواوُ إنْ لم تدُلَّ على الترتيب؛ فلفظ (أُخرى) يدلُّ على سَبْق أولى، وهي: اليمين، والمرادُ الشِّقُّ الأيمنُ والأيسرُ من الرَّأس، لا الأيمنُ من الشَّخص، فللَّه دَرُّ البُخَارِيِّ وحُسنُ استِنباطاته.
* * *
20 - بابُ مَنِ اغْتَسَلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ فِي الْخَلْوَة، وَمَنْ تَسَتَّرَ فَالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ
وَقَالَ بَهْزٌ: عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:(اللهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ).
(باب من اغتسل عريانًا وحده في الخلوة)؛ أي: عنِ النَّاس، وهو تأكيدٌ لقوله:(وحدَه)، لتلازُمِهما في المعنَى، وكشفُ العَورَةِ في الخَلوةِ جائزٌ للحاجةِ، وأمَّا لغيرها؛ قيل: يُكرَه، والأصحُّ عندَ الشَّافعيَّة تحريمُه.
(وقال بهز) -بفتح المُوحَّدة وسكونِ الهاءِ وبالزَّاي- هو ابنُ
حَكِيمٍ -بفتح المُهملَة وكسرِ الكاف- ابنُ مُعاوِيَةَ بنِ حَيْدَة -بفتح الحاء وسكون المثنَّاة تحت ودالٍ مهمَلةٍ-.
(عن أَبيه)؛ أي: حَكِيم، وهو تابعيٌّ ثِقَةٌ.
(عن جده)؛ أي: معاوِيَةَ، قال في "الكمال": إنَّه صَحابِيٌّ، وأيضًا: لفظُ البخاريِّ يُشعِرُ به.
وهذا التَّعليقُ وصَلَه أَحْمد والأربعةُ، وإنْ لم يكنْ بتَوفِيَةِ إيرادِ لفظِ البُخاريِّ؛ نعم، البَيهَقِيُّ أخرَجَه عن عبدِ الوارِثِ عن بَهْزٍ بهذا اللَّفظ المَذكورِ.
قال الحاكم: إنَّما لم يَروِ البخاريُّ هذه النُّسخة؛ لأنَّها شاذَّةٌ لا مُتابعَ له فيها.
* * *
278 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَكَانَ مُوسَى يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ، فَقَالُوا: وَاللهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إلا أَنَّهُ آدَرُ، فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ، فَفَرَّ الحَجَرُ بِثَوْبِهِ، فَخَرَجَ مُوسَى فِي إِثْرِهِ يَقُولُ: ثَوْبِي يَا حَجَرُ، حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى مُوسَى، فَقَالُوا: وَاللهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْس، وَأَخَذَ ثَوْبَهُ، فَطَفِقَ بِالحَجَرِ ضَرْبًا)، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللهِ إِنَّهُ لندَبٌ بِالحَجَرِ سِتَّةٌ أَوْ
سَبْعَةٌ ضَرْبًا بِالحَجَرِ.
(م).
(منْ النَّاس) مُتعلِّق بِـ (أحق).
(أن يستحيا) في نسخة بدله: (أن يستَتِر).
(إسحاق بن نصر) هو إبراهيمُ بنُ نَصْرٍ، نُسِبَ إلى جَدِّه، وربَّما قالَ البُخارِيُّ فيه: إسحاقُ بنُ إبراهيمَ على الحقيقة.
(كانت) التأنيثُ فيه إمَّا على رَأيِ مَن يُؤنِّثُ الجُموعَ مُطلقًا، ولو كان سالمًا لمُذَكَّرِ كما هنا، وإنَّ (بنِي) جمعُ سلامةِ، لكنْ على خلافِ القياس [لغيرِ مُفرَدِه، وأمَّا مَن خَصَّصَ بغيرِ السَّالم المُذكَّر فإمَّا لتَأويلِه بالقبيلِة، أو أنَّ ذلك خاصٌّ على خلافِ القياسِ](1).
(ينظر بعضهم) إمَّا لكَونه كان جائزًا في شَرعهم، وموسى عليه الصلاة والسلام يختارُ الخَلوَةَ تنزيهًا واستِحبابًا وحَياءً ومُروءَةً، أو كان حَرامًا عندَهم، ولكنْ كانوا يَتَساهلون في ذلك.
(إلا أنَّه آدر) -بمَدِّ الهمزة وفتحِ المُهمَلة-؛ أي: عظيمُ الخِصيَتَينِ مُنتَفِخُهما، والاستثناءُ مُفرَّغٌ.
قال (ك): والمُستَثنَى منه مُقدَّرٌ؛ أي: على قَولٍ، لكنَّه ضعيفٌ.
(فخرج موسى) في بعضِها: (فَجَمَحَ)، وهو بجيمٍ وميمٍ مفتوحةٍ
(1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.
وحاءٍ مهمَلةٍ، أي: أَسرَعَ وجَرى أشدَّ الجَرْيِ.
(إثره) بكسرِ الهمزة وسُكونِ المثلَّثة، وفي بعضِها بفَتحِها.
(ثوبي) مفعولٌ بفعلٍ محذوفٍ؛ أي: رُدَّ، أو أَعْطِ.
(يَا حجر) ناداه كنِداءِ عاقلٍ؛ لفعلِه فِعلَ مَن يعقِلُ، أو المُتحرِّكُ يُمكِنُ أن يَسمعَ ويُجيبَ.
(من بأس) اسم (ما)، و (مِنْ) فيه زائدةٌ.
(فطفق) بكسرِ الفاء وفتحِها.
(الحجر) نُصِبَ بِمقَدَّرٍ، أي: يَضرِبُ الحجرَ ضَربًا، وفي بعضِها:(بالحجَرِ) بزيادة الباء، أي: جُعِلَ مُلتزمًا بذلك يَضرِبُه ضَربًا.
(قال أبو هريرة) هو تعليقٌ من البُخاريِّ، أو تتمة مقولِ هَمَّامٍ، فيكونُ مُسندًا.
(لندب) بفتحِ النُّونِ والدَّال المُهملة، أي: أَثَرٌ.
(ستة) أي ستَّةُ آثارٍ، وهو مرفوعٌ بالبَدَليَّةِ، أو منصوبٌ على التَّمييزِ.
(ضربًا): تَمييزٌ، وستأتي القِصَّة في (كتاب الأنبياء).
قال (ن): يجوزُ أنَّ موسى أَرادَ بضَربِ الحجَر إظهارَ المُعجزةِ لقَومِه بأثر الضَّرب بالحجر (1)، أو أنَّه أوحِيَ إليه بذلك.
ومَشيُ الحَجَرِ بالثَّوبِ مُعجِزَةٌ أُخرى.
(1)"بالحجر" ليس في الأصل.
وفيه ما ابتُلِيَ به الأنبياءُ من أذى الجُهَّالِ، وصبرُهم عليهم، ونزاهتُهم عن نقصِ الخَلْق والخُلُق.
* * *
279 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثي في ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ! أَلَمْ أَكَنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى وَعِزَّتِكَ، وَلَكِنْ لا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ).
وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا).
(وعن أبي هريرة) هو تعليق أيضًا، إلَّا أنَّه بصيغَةِ التَّمريض، بخلافِ قَوله في الذي قَبلَه.
(بينا) أصلُه (بينَ) أُشبِعت فتحته ألفًا، والعاملُ فيه قوله بعدَ ذلك (خَرَّ)، ولا يضُرُّ وقوعُه بعدَ الفاء؛ لأنَ الظَّرفَ يُتوسَّع فيه، أو يقال: العاملُ (خَرَّ) مُقدَّرة دلَّ عليها المَذكور.
(أَيُّوب)؛ أي: النبيُّ المُبتَلى مِن ولد رُوم -بضَمِّ الرَّاء- ابنِ العِيصِ -بكسر العين المهملة والصَّاد المهملة- ابنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ صلى الله عليه وسلم، وكان عمرُه ثلاثًا وستين سنةً، ومدَّةُ بلائه سبعُ سنينَ، وهو مبتدأ.
(يغتسل) خبَرُه، والجملةُ أُضيفَ إليها الظَّرفُ وهو (بينا)، وإنَّما لم يُؤتَ في جوابِ (بينا) بِـ (إذ) و (إذا) الفُجائية؛ لأنَّ الفاءَ تقومُ مَقامَها، كعكسِه في قوله تعالى:{إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36].
(جراد) واحدُه: (جَرَادة) كتَمرَةٍ وتَمرٍ، وفي رواية:(رِجلُ جَرَادٍ)، تأتي في (كتاب الأنبياء).
(يحتثي) يفتَعِلُ مِن (حثَا) بالمهملة والمثلَّثة، أي: يَرمي، ويُروى:(يَحتَثِنُ) بالنون.
(بلى)؛ أي أغنيتني، ولو قيل:(نعم) لم يَجُزْ؛ لأنَّه كُفرٌ، وإنَّما لم يُفرِّق الفقهاءُ بينهما في الإقرار؛ لأنَّه مبنيٌّ على العُرفِ.
(لا غنى) يجوزُ أن لا يُنوَّن، وهو مبنيٌّ، والجملةُ نصبٌ على أن تكونَ عاملةً عملَ (إِنَّ)، وأن يُنوَّنَ على أنَّه مرفوعٌ على أنَّ (لا) عاملةٌ عَمَل (ليس)، لكنَّ الأوَّلَ نصٌّ في الاستِغراقِ، والثانيةَ ظاهرةٌ فيه، كما أشارَ إليه الزَّمخشريُّ في {لَا رَيْبَ} [البقرة: 2] أولَ البقرة، وخبَرُ (لا) يحتملُ أن يكونَ (بِي) أو (عن بَرَكتِكَ)، فالمعنَى صحيحٌ على التَّقديرَين.
(إبراهيم) الظَّاهر أنَّه: ابنُ طَهْمَانَ -بفتح الطَّاء المُهمَلة-.
(بينا أَيُّوب) المُرادُ إلى آخر الحديث، وهو بَدَلٌ من ضميرِ المَفعولِ في:(ورواه إبراهيمُ)، وفي بعضِها:(قال: بينا)، بزيادةِ (قالَ).
فإن قيلَ: لم أخَّر الإسنادَ عن المَتن؛ وإن كانَ يقَعُ من المُحدِّثين كثيرًا لكنَّ الغالبَ العكسُ؟