الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكنَّ نُسُكه صحيحٌ.
* * *
53 - بابُ مَنْ أَجَابَ السَّائِلَ بِأَكْثرَ مِمَّا سَأَلَهُ
(باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله)
134 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ ناَفِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: "لَا يَلْبَسِ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبُرْنُسَ، وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ الْوَرْسُ أَوِ الزَّعْفَرَانُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُوناَ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ".
(والزُّهري) يقَع قبلَه في بعض النُّسَخ: (ح) للتَّحويل.
قال (ك): إنَّه بالجرِّ عطفٌ على (نافِع)، لأنَّه من رواية ابن أبي ذِئْب عنه كما روى عن نافع، لا بالرفع عطفًا على (ابن أبي ذِئْب) حتى تكون من رواية آدمَ عنه أيضًا، فابنُ أبي ذِئْب يَروي عن الزُّهري لا عن سالم، وآدَم يَروي عن ابن أبي ذِئْب لا عن الزُّهري.
قال أحمد: أصحُّ الأسانيد: الزُّهري، عن سالم، عن أبيه.
(ما يلبس) بفتح الأول والثالث، مضارعُ: لَبِسَ بكسر المُوحَّدة،
والمَصدر لُبْسٌ بالضم عكس لَبَستُ عليه الأمرَ، فإنَّه بالفتْح في الماضي، والكسر في المُضارع، و (ما): مفعولٌ ثانٍ لـ (سأَله)؛ أي: سأله (1) عن ذلك إما موصولةٌ، أو موصوفةٌ، أو استفهاميةٌ.
(المحرم)؛ أي: ناوي الحجِّ والعُمرة أو كليهما، وأَصلُه الدَّاخِل في الحُرمة، لأنَّه يَحرُم عليه ما كان يَحِلُّ له من صيدٍ ونحوه.
(لا يلبس) بضم السين: خبَرٌ بمعنى النَّهي، وبكسرها نهيٌ.
(العمامة) بكسر العين.
(السراويل) أعجميٌّ عُرِّب، غير مُنصرِفٍ على الأكثَر، جاء بلفْظ الجمع وهو مُفرَدٌ، يُذكَّر ويؤنَّث، ولم يَعرِف الأَصْمَعيُّ فيه إلا التأْنيثَ، وجمْعه: سَراوِيْلات، وقيل: سَراوِيْل جمع سِرْوالَة، قال:
عَلَيهِ مِنَ اللُّؤمِ سِرْوالَةٌ
…
فَلَيْسَ يَرِقُّ لمُستَضعَفِ
(البرنس) بضم المُوحَّدة، وسُكون الراء، وضمِّ النُّون: ثَوبٌ رأْسُه مُلتزِقٌ فيه، وقيل: قَلَنْسُوةٌ طَويلةٌ كان النَّاسُ يَلبَسونها في صَدْر الإسلام.
(ولا ثوبًا) في بعضها: (ثَوبٌ) بالرفع على مُقدَّر فِعْلٍ مبنيٍّ للمفعول، أي: ولا يُلبَس ثَوبٌ، وإنما أُخرج عن طريق إخوانه؛ لأنَّ الطِّيْب حرامٌ على الرجل والمَرأَة بخلاف الثِّياب، فإنَّها على الرجل فقط، ولكنْ لا يُعلم ذلك من الحديث بل من أدلَّةٍ خارجةٍ، بل على
(1)"أي سأله" ليس في الأصل.
تقدير رفعْ (ثوبٌ) يكون فيه الإيماء للعُموم كما ذكرناه.
(الورس) بفتح الواو، وسُكون الرَّاء، وبمهملةٍ: نبتٌ أصفَر باليمَن يُصبَغ به، ويُتخذُ منه غمرة (1) الوَجْه.
(الزعفران) بفتح الزاي، والفاء، جمعه: زَعافِر.
(النعل) الحذَاء مؤنثةٌ، تثنيتها: نَعْلان.
(فليلبس الخفين) ليس طلَبًا، بل إذْنٌ في ذلك، حتى لا يجب على مَن فقَد النَّعْلَ لُبسُ الخُفِّ المَقطُوع.
(وليقطعها) هو زيادةٌ على رِواية ابن عبَّاس: (فليلبس خفين)، ولم يذكر قطعًا، والعمل بالزيادة واجبٌ.
فتمسَّك أحمدٌ بحديث ابن عبَّاس في أنَّه لا يجب القَطْع لإطلاقه، وتَرك زيادة الثِّقة، وربَّما قال أصحابه: إنَّ حديث ابن عُمر الذي فيه القَطْع مَنْسوخٌ، وأيضًا فالقَطْع إضاعة مالٍ، ورُدَّ بأن ذلك إنما هو من تقييد المُطلَق، وأما الإضاعة فحيث لم يَأْمُر الشَّرع بها، ولكنَّ الشَّرع قد أَمَر، فلا إضاعةَ.
* تنبيه: إنما أَجاب صلى الله عليه وسلم بما لا يَلبس المُحرِم، والسُّؤالُ كان عمَّا يَلبس؛ لأنَّه تضمَّن جوابَه بالمَفهوم، فكأنَّه قال: ويَلبس ما سِوى ذلك.
وهذا وجه مُطابقته لترجمة الباب؛ لأنَّه فيه الجواب وزيادةٌ، وأيضًا فالتَّفْصيل في السَّراويل زيادةٌ على الجواب.
(1) كذا في جميع النسخ.
وإنَّما عدَل عن التَّصريح في الجواب؛ لأنَّه أقلُّ وأضبَط؛ إذْ لو قال: فلْيَلْبَس كذا؛ لكان يُعتقَد أنَّه من المَناسِك، أو للتَّنبيه على أنَّ السائل كان يَنبغي له أن يَسأل عمَّا لا يَلبَس؛ لأنَّ ما يَلبس شائعٌ بالاستِصحاب، فلا يُسأَل إلا عمَّا حدَث فيه التَّحريم.
ثم في عطف البَرانِس على العِمامة: الإشارةُ إلى أنَّ المُحرِم لا يُغطِّي رأْسَه بمعتادٍ ولا غيره.
ونبَّه بالقَميص والسَّراويل على جميع المَخِيْطات، وبالوَرْس والزَّعْفَران على سائر أَنواع الطِّيْب.
والحكمة في تحريم اللِّباس المَذكور: بُعْدُ المُحرِم عن الترفُّه، واتصافه بصِفَة الخاشِع الذَّليل، ولِيتذكَّرَ به الموتَ، ولُبْسَ الأكفان، والبعْثَ يوم القيامة حُفاةً عُراةً:{مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} [القمر: 8]، وتَرْكُ الطِّيْب للبُعد من زينة الدُّنيا، ولأنَّه داعٍ إلى الجِماع، وأيضًا فيُنافي كونَ الحاجِّ أشعثَ أغبَرَ، والحاصل أنْ يُحصِّل بذلك همَّةً لإرادة الآخرة.
قال (ط): نقلًا عن المُهَلَّب: إنَّ في الحديث أنَّ للعالِم أنْ يُجيب بخلاف ما سُئل عنه إذا كان فيه بَيانُ ما سُئل عنه.
ومِن الزِّيادة أيضًا: حُكم الخُفِّ؛ لعِلْمه مشقَّة السفَر، والضَّرر الحاصل من الحَفاء وغير ذلك، فالعالِم يجب عليه أن يُنبِه الناس على ما يَنتفعون به.
* * *