الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
33 - بابُ الْحِرْصِ عَلَى الْحَدِيثِ
(باب الحرص على الحديث) الحديث ضِدُّ القَديم، ثم أُطلق عرفًا على الكلام، وفي عُرف الشَّرع: ما كان عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، كأنَّه لُوحِظ فيه مُقابلته للقُرآن الذي هو قديم.
99 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ".
(قال رسول الله) في بعضها: (قالَ: قِيْل: يا رسولَ اللهِ).
قلتُ: لكنْ هذا لا يُناسب قوله بعدُ: (لقَدْ ظَننتُ)، إلى آخره.
(من أسعد الناس) يَشمَل العُصاةَ من الأُمة خلافًا للمُعتزلة في قولهم: الشَّفاعة للمُطيع، ولزيادة الثَّواب، لا للعاصي، ولا لإِسقاط العِقاب، ولا يُخرج (الناسُ) الجنَّ والملائكةَ؛ لأن مفهوم اللَّقَب غير حُجةٍ على المشهور.
(بشفاعتك) من الشَّفع، وهو ضمُّ الشيء إلى مِثْله، كأنَّ المشفوع له كان فَرْدًا، فصار شَفْعًا بالشَّافِع، وأكثر ما يُستعمل في انضمام الأَعلى إلى الأَدنى.
(لقد ظننت) اللام جواب قسَمٍ محذوفٍ.
(يا أبا هريرة) في رواية: (يَا بَا هُريرة) بحذْف الهمزة تخفيفًا.
(يسألني) بالرفع، والنَّصب؛ لوُقوع (أنَّ) بعد الظنِّ، فيكون فيه الوجهان.
(أول) إما بالرفع على الصِّفة، أو البدَل، قال الشيخ أبو محمَّد الحلَبي: إنَّه رِوايتنا.
أو بالنَّصب، قال السَّفاقُسي: وهي روايتنا على الظَّرفيَّة، وقال أبو البَقاء: على الحال، أي: لا يَسألني أحدٌ سابقًا لك، وجاءتْ:(من) نكرةً؛ لأنَّها في نفيٍ نحو: ما كانَ أَحَدٌ مِثْلَكَ.
وقال (ع): على المفعول الثاني لـ (ظننتُ).
واختُلف في وزْن: أوَّل، فقيل: فَوْعَل، والصَّحيح: أَفْعَل، بدليل وُقوع: مَن بعدَه، وبالجُملة فمعناه: قَبْلَك، وقال سِيْبَوَيْهِ: أقْدَم منك.
قال السِّيْرافي: فإذا حذفوا (مِن) بعدَه قالوا: الأوَّل؛ لأن الألف واللام تُعاقب (مِن).
(لما رأيت)؛ أي: رأَيتُه، فحُذف عائد الموصول.
(منك)، (مِن) بيانيةٌ، أو مُعدِّيةٌ.
(من حرصك)، (مِن) تبعيضيةٌ.
(من قال لا إله إلا الله)؛ أي: لا الكافر.
(خالصًا)؛ أي لا المُنافِق، ولكن هما لا سعادةَ لهما، فليس أَفْعل التفضيل على بابه من المشارَكة، بل السَّعيد نحو: الناقِص والأَشَجُّ أَعدَلا (1) بني مَروان.
أو هو على بابه من اقتضاء المُشاركة لكنْ معناه: أسعد ممن لم يكُن في هذه المَرتبة من الإخلاص المؤكَّد البالغ غايتَه، بدليل تأكيده بذِكْر القَلْب؛ لأنَّه مَعدِن الإخلاص، كما في قوله تعالى:{فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283]، قال الزَّمَخْشَري: لأنَّ كِتْمان الشهادة من عمَل القَلْب، فأُسند إليه؛ لأنَّ إِسناد الفِعل إلى الجارحة التي يعمل بها أَبلَغ، نحو: أَبصرتْه عَينايَ، وسمعتْه أُذنايَ، أو يُقال: عدَم السعادة للكافر والمنافق عُلِم بأدلَّته الخارجيَّة، وإنما اقتَصر على: لا إله إلا الله، ولم يذكر: محمدٌ رسول الله اكتفاءً بها؛ لإشعارها، وإنْ كان المُراد المَجموع.
نعَم، إذا صدَّق بقلبه، ولم يَلفظْ؛ دخل في هذا الحُكم، لكنَّا لا نحكم بدُخوله إلا أنْ يَلفظ، فهو للحُكم باستحقاق الشَّفاعة، لا لنفْس الاستِحقاق، أو أنَّ المراد بالقول النَّفْساني، سواءٌ معه لسانٌ أو لا.
(خالصًا) في بعض النُّسَخ بذِكْر: (مُخلِصًا).
(1) أي عادلًا.
(من قلبه) يحتمل تعلُّقه بـ (خالصًا)، أو بحالٍ من ضمير (قال)، وهذا أَرجح، أي: ناشئًا من قلبه، ومحلُّ الإعراب حينئذٍ للمُتعلِّق، لا لنفس الجار والمجرور.
(أو نفسه) شكٌّ من أبي هُريرة.
قال (ع): الشَّفاعات خمسةٌ:
أولها: الإِراحة من هَول المَوقِف، وهي من خصائص النبيِّ صلى الله عليه وسلم
ثانيها: إدخال قومٍ الجنَّةَ بغير حسابٍ.
ثالثها: لقومٍ استوجبوا النارَ، ولا تختصُّ به، بل يَشفع فيهم أيضًا من شاءَ الرَّحمن.
رابعها: إخراج بعض المُذنِبين من النار، وجاء أنَّ الملائكة تشفَع في ذلك أيضًا، وإخوانهم من المؤمنين.
خامسها: الشَّفاعة في زيادةِ الدَّرجات، وهذه لا تُنكرها المعتزلةُ كما تُنكر الأُولى.
قال (ن): الأُولى وهي العُظمى، فُسِّر بها المَقام المَحمود، وهي والأَخيرة مختصَّتان به صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن تكون الثالثة، والخامسة أيضًا.
قلتُ: ولنبينا صلى الله عليه وسلم شفاعاتٌ أُخرى كثيرة، ذكرتُ منها طائفة في "شرح العُمدة" في حديث:"أُعطِيْتُ خَمْسًا".
قال (ط): في الحديث أن المعلِّم يتفرَّس في متعلِّمه، فيظنُّ في كل مقدارَ تقدُّمه، وتنبيهُه على تفرُّسه، فيبعثُه على الاجتهاد في العِلْم.
وأن العالم يسكُت حتى يُسأَل، ولا يكون بذلك كاتمًا، بل على