الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ثلاثًا) ذُكرَ في بعضِ الأعضاء، وفي بعضِها مرَّتين، للإشعار بجَوازِ ذلك كلِّه، وإن كانَ الأكملُ الثَّلاثَ في الكلِّ، ففِعلُه بيانٌ للجواز، فهو أفضَلُ في حقِّه، والبيانُ وإن لم يكنْ بالقَول؛ لكنَّ الفعلَ أوقعُ في النُّفوس، وأبعَدُ منَ التَّاويلِ.
قال (ط): و (ثُمَّ) في الحديث بمعنَى الواو، أي: لا للمُهلَة، ولا للتَّرتيب.
* * *
39 - بابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ إِلَى الكعبَيْنِ
(باب غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ إِلَى الكَعبَيْنِ)
186 -
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهيْبٌ، عَنْ عَمرٍو، عَنْ أَبِيهِ: شَهِدْتُ عَمرَو بْنَ أَبِي حَسَن سَأَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ زيدٍ عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ، فتوَضَّأَ لَهُم وُضُوءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأكفَأَ عَلَى يَدِهِ مِنَ التَّوْرِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ، ثُمَّ أَدخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ وَجْههُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ أَدخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ رَأْسَهُ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأدبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إلَى الكَعْبَيْنِ.
(شهدت)؛ أي: حَضَرتُ (عمرو بن أبي حسن) هو أبو عُمارَةَ،
جدُّ عمرِو بنِ يحيَى، فيكونُ أخا جدِّه: والجَمعُ بينَه وبينَ ما سبق أنَّه جدُّه؛ أن يكونَ جَدًّا له من جِهةِ الأم، عمًّا لأبيه، أو جُعِلَ جَدًّا لأنه عمُّ أبيه، والعمُّ صِنوُ الأبِ.
ووَقَع في "الأمّ" للشَّافعِيِّ من هذه الطَّريقِ: أنَّ يحيَى والدَ عمرٍو هو السَّائلُ، لا عمارةُ بنُ أبِي حَسَنٍ، ولا عمرُو بنُ أبِي حَسَنٍ، فيجوزُ أنَّ كليهِما سَأَلَ.
(بتور) بالمُثنَّاة فوق وسكونِ الواو، وهو: إناءٌ يُشرَب فيه، أو هو من صُفْرٍ أو حَجَر كالإِجَّانةِ.
(لهم)؛ أي: للسَّائل وأصحابِه، فـ (اللام) بمعنَى: مِن أجلِ.
(فأكفأه) هو لغةٌ في (كفأتُه) بمعنَى: قَلَبتُه، فهو مَكفوءٌ، حكاهُما ابنُ الأعرابيِّ، وقالَ الكِسَائيُّ: كَفَأتُه: قلَبتُه، وأكفَأتُه: أمَلتُه.
(واستنثر) عَطْفُه على (استَنشَقَ) دليلٌ على تغايُرِهِما.
(ثلاثًا) يَحتَمِل لكلٍّ ثلاث، ويَحتَمِل أنَّ الثلاثَ لهما، وهو الظَّاهر، وسبقَ أنَّ في الكيفيَّة خَمسَةُ أوجُهٍ.
(فغسل يديه مرتين)؛ أي: لكُلِّ يدٍ مرَّتين، لا أنَّهما لهما، كلُّ يدٍ مرَّة مرَّة.
وفي الحديثِ جوازُ طلَبِ إحضارِ الماء للمُتوضِّئ، والاستعانةُ بذلك بلا كرَاهةٍ، وأنَّه لا يُدخِلُ اليَدَ في الإناءِ قبلَ الغَسلِ، وجوازُ ذلكَ
بعدَه في أثناءِ الاستِعمَال، ونَدبيَّةُ الثَّلاث في المَضمَضَة والاستِنشاقِ، وأنَّ مسحَ الرَّأس مَرَّةٌ، ووُجوبُ غَسلِ الرّجل.
قال الزَّمَخشَرِيُّ: (إلى) تقتَضي معنَى الغايَة، فأمَّا دخولُها في الحُكم وعدمُه فدائرٌ على الدَّليل، ففي:{أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل} [البقرة: 187] خارِجَةٌ، وإلا لوَجَب الوِصالُ، وتقولُ: حفِظتُ القُرآنَ من أوَّله إلى آخره، فهي داخِلَةٌ، لأنَّ الكلامَ مَسوقٌ لحِفظِ الكُلِّ؛ فـ (إلى المِرفَقَين)، و (إلى الكَعبَين) لا دليلَ فيه على أحَدِ الأَمرَين، فأخَذَ كافَّة العلماءِ بالاحتياطِ، فحَكموا بدخولِ ذلك في الغَسلِ، وأخَذَ زُفَرُ بالمُتيَقَّن، فلم يُدخِلْهُ، وقيل:(إلى الكعبين) جيءَ بالغايةِ فيه لدَفعِ توَهُّمِ المَسح؛ لأنَّ المَسحَ لم يُضرَب له غايةٌ في الشَّرعِ.
قال (ط): احتجُّوا في الدُّخول بأنَّ (إلى) بِمعنَى (مع)، نحو:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2]، ورُدَّ بأنه كانَ يلزمُ الغَسل إلى الكتِفَين، لكنَّ الغايةَ داخِلَةٌ، فيجبُ غَسلُ المِرفقَين، بخلافِ (إلى اللَّيل)؛ فإنَّه ليسَ مِنَ النَّهار.
وقيلَ: الاستثناءُ من المَتروكِ، أي: واترُكوا منَ المَناكِبِ إلى المَرافِق، فتكونُ المَرافقُ داخلةً في المَغسولِ، والكَعبانِ في ذلك كالمِرفَقِ.
وقال مالكٌ: الكَعبُ: هو المُلتَصِقُ بالسَّاق المُحاذِي للعَقِب، وقالَ أبو حنيفة: هو الشَّاخِصُ في ظَهرِ القَدَم.