الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زَعَم أنَّ شعرَ الإنسان المتَّصلَ به نجِس، ويُنَجِّسُ ما وَقَع فيه من الماء.
* * *
171 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيم قَالَ: أَخْبَرَناَ سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ كَانَ أبَو طَلْحَةَ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرهِ.
الحديث الثاني، (خ):
(أول من أخذ من شعره) هو محلُّ دليل التَّرجمة؛ لأنه لو لم يكن طاهِرًا، أو لا يُنجِّس الماءَ لَمَا أخذَه أبو طلحةَ، وأقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ الأصلَ عمومُ الأحكام، حتى تثبتَ الخُصُوصية بدليلٍ.
* * *
33 / -م - بابٌ إذا شَرِب الكلبُ في إناء أحَدكم، فَلْيَغْسِلْه سبعًا
(باب إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا)، كذا في روايةِ ابنِ عساكر خلافًا للأكثر.
172 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّناَدِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا شَرِبَ الكَلْبُ فِي إِناَءِ أَحَدِكُم فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا).
الحديث الأول، (ق م د س):
(في إناء) عُدِّيَ (شَرِب) بِـ (في) لتضمينه معنى: (وَلَغَ)، فيقالُ: وَلَغَ بشرابنا، وفي شرابِنا.
وفي الحديث دِلالةٌ لقَول الشَّافعي بنجاسَةِ الكلب؛ لأنَّ الطَّهارة إمَّا عن حَدَث؛ وهو مُنتَفٍ، أو عن نَجَس؛ وهو المُدَّعى.
وإذا كان لسانُه الذي يتناولُ به المَاء نجسًا، فكلُّ أجزائِه كذلك، ففيه دليلٌ أنَّ الماء ينجُسُ، فيجب تطهيرُ الإناءِ منه، وأنَّه لا يجوز بَيعُ الكلب لنَجاستِه، ولا يقال: المُراد في الحديث الطَّهارة اللُّغوية، لأنَّ الحملَ على الحقيقة الشَّرعية مُقدَّمٌ.
وفيه: أنَّه لا فرقَ في الكلب بين المَأذونِ في اقتنائه وغيره، ولا بين البَدويّ والحَضَريّ؛ لعمومِ اللَّفظ، وهما قولان للمالكيَّة، وثالثُها: طاهرٌ مطلقًا، ورابعُها: نَجِسٌ مطلقًا.
وقالَ أبو حنيفَةَ: يكفي غَسلُه ثلاثًا، ولا فرقَ عندنا بين وُلوغِه وغيرِه من بوله وروثه ودَمِه وعَرَقِه.
وخَصَّ مالكٌ الغَسل بالوُلوغ، لأنه طاهرٌ عندَه، والغَسل من الوُلوغ عنده تعبُّد.
فلو وَلَغَ كلبٌ مرَّاب أو كلابٌ، فأصحُّ الأوجه: يكفي سبعًا، وثانيها: لكلٍّ سبعٌ، وثالثُها: لِوَلَغَاتِ الواحد سبعٌ، ولكلِّ واحدٍ من الكلاب سبعٌ، وكلَّما تزولُ عينُ النجاسة من العدَدِ يكونُ واحدًا
ويكمِّلُ عليها ستًّا أخرى؛ هذا إذا كانَ الإناءُ صَغيرًا، أمَّا إذا كانَ يسَعُ قُلَّتين ولا تغيُّرَ فلا ينجُسُ بالوُلوغِ.
والحديثُ محمولٌ على المعهود في أَوانيهم لا على هذا، وهذا الحديثُ وإن لم يتعرَّضْ فيه للتَّتْريب؛ ففي رواية أُخرى، فيُعملُ بِها؛ لأنَّها زيادة ثقة.
قال (ك): أو مِن حَمل المُطلَق على المُقيَّد.
قلت: هذا ممنوعٌ، لأنهُ خبرٌ آخر، لا وَصفٌ، كما لا يُجزِئٌ في كفَّارةِ القتل إطعامٌ حَملًا للمُطلَقِ على المُقيَّد.
* * *
173 -
حَدَّثَنا إسْحَاقُ، أخبرناَ عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عبدُ الرَّحمنِ ابنُ عَبْدِ اللهِ بنِ دِينَارٍ، سَمِعتُ أَبي، عَنْ أَبي صَالح، عَنْ أبي هُريرةَ، عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:(أَنَّ رَجُلًا رَأَى كلْبًا يَأكُلُ الثَّرى مِنَ العَطَشِ، فَاَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ فَجَعَلَهُ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَروَاهُ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَأدخَلَهُ الجَنَّةَ).
الحديث الثاني (ح):
(إسحاق) هو ابنُ منصور الكَوْسَجُ. وهو من رِواية تابعيٍّ عن تابعيٍّ.
(الثرى): بوزن (عَصَا)، وبمُثلَّثة: التُّراب النَّديُّ، والجُملَةُ حالٌ لا مفعولٌ لِـ (رأى)، لأنَّها بَصرِيّة.
(أرواه)؛ أي: جعلَه ريَّانًا.
(فشكر) هو هنا بمعنى: أثنَى أو جازى، وأصلُ الشّكر: مجازاةُ المُحسن لِمَا أولى من المَعروف بثناء اللِّسان، أو فعلِ الجَارحةِ أو القَلب، يقال: شكَرتُه وشكَرتُ له.
(وأدخله الجنة) من عَطفِ الخاصِّ على العامِّ، أو الفاءُ تفسيريَّة، نحو:{فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54]، على تفسِير التَّوبة بقَتْلِ نفسِه، وقيلَ: المُرادُ قبلَ عَمَلِه، وعمَّم التَّيمِيّ حديثَ:"في كلِّ كبدٍ حَرَّى أجرٌ" ما أُمِرَ بقَتلِه وغَيرَه، وكذا الحُكم في أَسارى الكفَّار.
لكن قال (ن): في "شرح مسلم": إنَّ المُحترمَ يحصُل الثَّوابُ بالإحسانِ إليه لا غير المُحترم؛ كالحَربِيِّ، والكلبِ العَقور، فيمتثِلُ أمرَ الشَّارع.
قال التَّيمِيّ: قال بعضُ المالكيَّة: أرادَ البخاريُّ بإيراد هذا الحديثِ في هذه التَّرجمة أنَّه سقاه في خُفِّهِ، واستَباح لُبسَه في الصَّلاة دونَ غَسلٍ؛ إذ لم يُذكَر في الحَديث غَسلٌ.
وقال (ك): يُحتمَل أنَّ ذلك قبلَ البِعثة، أو بعدَها قبلَ ثُبوتِ حكمِ سُؤرِ الكلاب، أو أنَّه لم يلبَسه بعدَ ذلك، أو أنَّه غَسَله.
* * *
174 -
وَقَالَ أَحمَدُ بْنُ شَبِيبٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونسُ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي حَمزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتِ
الكِلَابُ تبولُ وَتُقْبِلُ وَتُدبِرُ فِي المَسْجدِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلم يَرُشُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
الحديث الثالث (د):
وقد وصَلَه أبو نُعيم، والبيهقي وغيرُهما.
(كانت الكلاب) يُشعِر بالاستمرار.
(في المسجد)؛ أي: مسجدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. (في زمان) عامٌّ بإضافتِه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلم يكونوا يرشون) فيه من المُبالَغة ما ليس في (فلم يرشّوا) كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} [الأنفال: 33]، ولم يقل:(وما يعذبُهم)، ونفيُ الرَّشّ أبلغُ من نفيِ الغَسل الذي فيه السَيَلان، لأنه دونَه.
(شيئًا) نكرةٌ منفيَّةٌ تعمُّ، فهو أيضًا من المُبالغة في طَهارةِ سُؤرِه، إذ في مثل هذه الصُّورة أنَّ الغالبَ أنَّ لعابَه يَصِلُ إلى بعضِ أجزاءِ المَسجد، فإذا أقرَّه صلى الله عليه وسلم عُلِمَ أنه طاهرٌ.
قال (ك): يحتملُ أنَّ ذلك لأنَّ طهارةَ المَسجد مُتيقَّنة، فلا تُرفعُ بالشَّك، وأيضًا: فلا يُعارض هذا مَنطوقَ قوله صلى الله عليه وسلم: (فلْيَغسِلْهُ سَبعًا).
وأيضًا فالغالبُ أيضًا أنَّه يبولُ، ويُقبِلُ ويُدبِرُ، ولا قائلَ بطهارة بَوله، فهو متروكُ الظَّاهر، إمَّا لأنه كان في أوَّل الإسلام قبلَ ثُبوت الحُكم بالنَّجاسة، وإمَّا لأنَّهم كانوا يُقَلبونَ وجة الأرضِ النَّجِسِ إلى الوجهِ الآخَر، أو هو منسوخ، أو نحو ذلك، فالظَّاهرُ أنَّ الغرضَ من
إيرادِ البخاري هذا الحديث بيانُ جوازِ مَرِّ الكِلاب في المَسجد فقط، وأنَّ النَّجاسةَ إذا كانت يابسةً لا تُنَجِّسُ المكانَ، وأيضًا فقد أوردَه البخاري بلفظ:(قال)، وهو أَنزَلُ من (حدَّثنِي).
* * *
175 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبةُ، عَنِ ابْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَألْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:(إِذَا أَرسَلْتَ كَلْبَكَ المُعَلَّمَ فَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِذَا أَكَلَ فَلا تأكلْ، فَإِنَّمَا أَمسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ)، قُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي فَأجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ، قَالَ:(فَلا تأكلْ، فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَم تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ).
الحديث الرابع (ع):
(ابن أبي السفر) هو عبدُ الله.
(سألت)؛ أي: عن حُكمِ الصيد، يدلُّ عليه الجَواب.
(المُعَلم) هو الذي ينْزَجِرُ بالزَّجر، ويسترسِلُ بالإرسال، ولا يَأكلُ منه، ولا بدَّ أن يكونَ هذا التَّادُّب مِرارًا.
قلت: كذا عبَّر في "الحاوي" فتبعَه (ك)، لكنَّ الأصحَّ: ما يغلبُ على الظَّن تأدُّب الجَارحة، ويُرجَع في ذلك لأهل الخِبرة، وقيل: لا بدَّ من ثلاث، وهذا الحديثُ بإطلاقِه دليلٌ على أحمدَ؛ حيث منعَ صيد الكَلب الأسود؛ لأنَّه شَيطان.
(فقتل) أخرجَ ما فيه حياةٌ مستقرّةٌ، فلا بدَّ من ذَكاتِه إجماعًا، ويفهِمُ تقييدُه بأن لا يكونَ أكلَ من مقابلته بأنَّه أكل، وهو مفهومٌ أيضًا من قوله تعالى:{مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُم} [المائدة: 4]، لأنَّ الذي يأكلُ إنَّما أمسَك على نفسِه كما صرَّح به في الحديث.
(سميت)؛ أي: ذكرتَ اسم الله على كلبِك عند إرساله، وإنَّما حذَفَ حرفَ العطفِ من السُّؤال والجَواب؛ لأنَّه وَرد على طريقِ المُقاولة، كما في آية مُقاولة موسى وهارون، وفيه ارتباطُ الحديثِ بالتَّرجمة.
والخلافُ في التَّسميَة مشهورٌ؛ فقال الشَّافعي: سنَّةٌ، حتى لو تَركها سَهوًا حَلَّ.
وقال أهلُ الظَّاهر: واجبَةٌ، حتى لو تَرَكها سَهوًا أو عَمدًا لا يحِلُّ.
وقال أبو حنيفة: يحِلُّ إن تركها سَهوًا لا عَمدًا.
واحتجَّ المُوجِبُ بقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]، فأجابَ أصحابُنا بانَّ المراد: ما ذُبحَ للأَصنام كما في الآية الأخرى: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه} [البقرة: 173]، وأنه قالَ:{وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} ، والإجماعُ أنَّ من أكلَ متروكَ التَّسميةِ ليسَ بفاسِقٍ، فوَجَب حَملُها عليها جَمعا بين الأدلَّة.
وقيل: الواوُ في: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} ، غيرُ عاطفَةٍ؛ لأنَّ الجملةَ الأولى اسميَّةٌ خبَريّةٌ، والثانيةَ فعليَّةٌ إنشائيةٌ، فتكونُ حالًا مقيِّدةً للنَّهي بأن يكونَ فِسقًا، وهو {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: 173]، فيكونُ دليلًا لنا