الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيه: أنَّ (1) موقفَ المأمومِ الواحِد عن يَمينِ الإمَام، وأنَّ الفعلَ القليلَ لا يُبطِل الصَّلاة، وصحَّةُ صلاةِ الصَّبيِّ، وإتيانُ المؤذن الإمامَ ليخرُج للصَّلاة، وندبيَّةُ صلاةِ اللَّيل، والجماعةُ في النَّفل، وأنَّ نومَه صلى الله عليه وسلم لا ينقُضُ وضوءَه؛ فهو من خَصائِصِه، وروايةُ:(أنَّه توضَّأ بعدَ النوم)؛ للاحتياطِ، أو نحو ذلك.
قال (خ): وإنَّما مُنِعَ النومُ قلبَه صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه يوحَى إليه في مَنامِه، وفيه أنَّ النَّوم مَظِنَّةُ الحدَث لا عينُه، حتى لا ينتقِضَ الجالسُ المُمَكِّنُ مَقعَدَه.
* * *
6 - بابُ إِسْبَاغِ الوُضُوءِ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِسْبَاغُ الوُضُوءِ الإنْقَاءُ.
(باب إسباغ الوضوء)؛ أي: إتمامُه، وقولُ ابنِ عمرَ في تفسيره:(الإنقاء) لاستِلزامِه الإتمامَ له عادةً.
* * *
139 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زيدٍ: أَنَّهُ سَمِعَهُ
(1)"أن" ليس في الأصل.
يَقُولُ: دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نزَلَ فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبغِ الوُضُوءَ، فَقُلْتُ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ:(الصَّلَاةُ أَمَامَكَ)، فَرَكِبَ، فَلَمَّا جَاءَ المُزْدلِفَةَ نزَلَ فتَوَضَّأ، فَأَسْبَغَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى المَغْرِبَ، ثُمَّ أناَخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ العِشَاءُ فَصَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا.
(م د س).
وإسنادُه مَدَنيُّون، وهو أيضًا روايةُ تابعيٍّ عن تابعيٍّ.
(دفع)؛ أي: أفاضَ من وقوفِ عرَفةَ، أو من مكانِ الوقوفِ؛ لأنَّ (عرفةَ) أو (عرفاتٍ) اسمٌ له، والأوَّل أولى؛ لأنَّه المُرادُ والجاري على عُرف الشَّرع، وقيل:(عرفاتٌ) اسمٌ بلفظِ الجمع.
قال الفرَّاء: ولا واحدَ له بصِحَّةٍ.
(بالشعب) هو الطَّريق في الجبلِ، واللامُ للعَهد، أي: الشّعبُ المَعهودُ للحُجَّاج.
(الصلاة) نُصِبَ بفعلٍ مقدَّر، أي: أتؤدِّي الصَّلاةَ؟ أو صَلِّ الصَّلاةَ.
(أمامك)؛ أي: قُدَّامَك، وهو نصبٌ على الظَّرفيَّة.
(المزدلفة) هي جَمعٌ، سُمِّيت بذلك؛ لأنَّ آدمَ اجتَمَع بِها مع حواءَ وازدَلَفَ إليها، أي: دناَ منها، وقيل: لأَنَّها يُجمَعُ فيها بين الصَّلاتين، ويُحتَمل أنَّ أهلَها يزدَلِفون إلى الله تعالى، أي: يتقرَّبون إليهِ فيها.
(العشاء) بكَسر العَين والمَدّ، أي: صلاةُ العِشَاء، وإنْ كانَ أصلُ العِشَاء الوقتَ من الغروبِ للعَتَمَة، أو منَ الزَّوالِ إلى الطُّلوعِ.
قال (خ): أرادَ بِـ (الصَّلاةُ أمَامَك) أنَّ ذلك بالمُزدَلِفة، وهي أمَامَك، وهي تخصيصٌ لعمومِ الأوقَات للصَّلوات الخَمس ببَيان فعلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ففيه دليلٌ على أنَّ الحاجَّ إذا أفاضَ من عرفةَ لا يصلي حتَّى يبلُغَ مزدَلفةَ جَمعًا بينَ المَغرب والعِشاء.
قال (ك): لا دليلَ فيه على الوجوبِ، بل فِعلُه صلى الله عليه وسلم يدلُّ على النَّدبِ، والتَّأخير إنَّما هو لبيَانِ الجَوازِ.
(ولم يصل بينهما) دليلٌ على أنْ لا يصليَ بينَهما، ولا يؤذِّنَ، بل الإقامةُ فقَط لكلٍّ منهُما.
وفي الحديث أيضًا: أنَّ يسيرَ العمَل لا يُبطِلُ الموالاةَ؛ لقوله: (ثمَّ أناخَ
…
) إلى آخره، ولكنْ لا يتكلَّم؛ كذا قال:(خ)، ونازَعَه (ك): بأنَّه إنَّما يدلُّ على عدم القَطع مُطلقًا، يسيرًا كانَ أو كثيرًا، لا على مَنعِ التَّكلُّم؛ لأنَّ جمعَ التَّأخيرِ هذا حكمُه، وأمَّا الأذانُ فقد ثبَتَ في حديثِ جابرٍ الطَّويل:(أنَّه جَمَعَ بالمُزدلفَة المَغربَين بأذانٍ واحدٍ وإقامَتين)، وزيادةُ الثِّقةِ مقبولةٌ.
قال (1)(خ): وأما وُضُوؤُه وتركُه الإِسباغَ؛ فإنَّما هو ليكونَ
(1) في الأصل: "قاله"، والمثبت من "ف" و"ب".
مستَصحِبًا للطَّهارةِ في مسيرِه إلى أن يبلُغَ جَمعًا، فإنَّه صلى الله عليه وسلم كانَ يُناجي ربَّه في غالبِ أحواله، فأَحَبَّ أن يكونَ على طُهرٍ، وإنَّما لم يُسبِغْها؛ لأنَّه لم يفعَل ذلك ليصلِّيَ بِها، ولهذا أسبَغَها حينَ أرادَ أن يُصليَ، وفي وُضوئِه لغير الصَّلاة دليلٌ على أنَّ الوُضوءَ نفسَه عبادةٌ وقُربةٌ، ونحوُه طهارتُه إذا أَوى إلى فِراشِه.
قلت: قد يُنازَعُ في ذلك بأنَّ الوضوءَ يُندَب لأمورٍ كثيرةٍ، فلا ينحصرُ في الصَّلاة، فالوُضُوء لأجلِها لا لذَاتِه.
قال (ط): ولم يُسبغ الوضوءَ؛ أي: توضَّأ مرَّةً مرَّةً، لأنَّه أعجَلَه دفعُ الحُجَّاجِ إلى المُزدلفة، وذلك يبيحُ الصَّلاة، وأمَّا تفسيرُه بالاستِنجاء فقط؛ فمردودٌ بقولِ أسامةَ:(الصَّلاةَ يا رسولَ الله)؛ إذ من المُحالِ أن يقولَ له ذلك وهو لم يتوَضَّأ وضُوءَه للصَّلاة.
قال (ك): يُحتمَل أنَّ المُراد: تُريدُ الصَّلاة؛ فَلِمَ لا تتوضَّأُ وُضوءَها؟ فأجابَه صلى الله عليه وسلم بأنَّ الصَّلاة أمامَك، فلا أحتاجُ الوُضوءَ في هذه الحَالة، وإنَّما الجوابُ: أنَّ اللَّفظَ يُحمَل على معناه الشَّرعيِّ، فلا يُحمَل الوُضوءُ على الاستِنجاء، فأجابَ صلى الله عليه وسلم بأنَّ السُّنة التأخيرُ، فلمَّا جاءَ المُزدلفة أسبغَ الوُضوءَ أخْذًا بالأفضَلِ والأكَمَل على عادَتِه.
وفيه: أنَّ الأدونَ يذكِّرُ الأَعلى؛ فخشِيَ أسامةُ أنَّه صلى الله عليه وسلم قد ينسى لِمَا كانَ فيه من الشُّغل، فأجَابه: بأنَّ مَحلَّ الصَّلاة تلكَ اللَّيلة هناك بطريقِ الجَمعِ.