الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك، وإذا تبيَّن أن العُمومَ مرادٌ من الحديثِ طابَقَ ترجَمة الباب.
وفي الحديث افتقارُ الصَّلوات كلِّها للطَّهارة، ولو جنازةً وعيدًا، وربَّما دخل الطَّوافُ، لقوله صلى الله عليه وسلم:"الطَّوافُ بالبيتِ صلاةٌ، إلا أنَّه أُبيحَ فيه الكَلامُ".
وقد اختُلِفَ في المُوجِب للوُضوء، فقيل: الحَدَثُ، وقيل: إرادةُ القيام للصَّلاة، وقيل: الأمران، وهو الرَّاجح، ولا يَخفى أنَّ آخرَ الحديث:(حتى يتوضَّأ)، وأنَّ ما بعدَه مُدرجٌ، والظَّاهر أنَّه من هَمَّام.
* * *
3 - بابُ فَضْلِ الوُضُوءِ، وَالغُرُّ المُحَجَّلونَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ
(باب فضلِ الوُضُوءِ والغُرِّ المُحجَّلين) قال (ك): في بعضِها: (المُحَجَّلون) بالرَّفع، ووجهُه: أنَّ (الغرُّ) مبتدأٌ، والخبرُ محذوفٌ؛ أي: مُفضَّلونَ على غيرهم، أو نحوُه، أو أنَّ (من آثَارِ الوُضُوء) خَبرُه؛ أي: مَنشَؤُهم آثارُ، والبابُ مضافٌ للجُملة، أي: وبابُ هذه الجُملة، أو رفعُه على الحكاية؛ لورودِ:"أمَّتي الغرُّ المُحجَّلون من آثارِ الوُضُوء"، انتهى.
وفي ذلك بعضُ رِكَّةٍ ونَظَر!
وقال (ش): إن الرِّواية: (المُحجَّلون) بالواو، وإنَّه إنَّما قطَعَه عمَّا قبله؛ لأنَّه ليس من جُملةِ التَّرجَمة.
قلتُ: وفيه نَظَر! إذ هو عينُ التَّرجمة، بدليلِ الحديث الذي أوردَه صريحًا فيه، وفضلُ الوُضُوء إنَّما يُفهم من الحديث بطريق اللُّزوم، وبالجملة: فوجهُ الرَّفع على النُّسخة التي فيها سُقوطُ (باب) ظاهرٌ، وعلى النُّسخة التي فيها (باب)(1) يكونُ (والغُرُّ) عطفًا على (باب)، وهو على تقديرِ:(بابٌ فيه)، كأنَّه قيلَ:(وبابُ الغُرِّ المُحجَّلين)، فأُقيمَ المُضافُ إليه مُقامَ (باب) المَحذوف.
* * *
136 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ قَالَ: رَقِيتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ المَسْجدِ، فتَوَضَّأ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِن أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ).
(م).
(خالد) هو ابنُ يزيدَ الإسكَندَرانِيُّ، أحدُ الفُقَهاء الثِّقاتِ.
(نعيم المجمر) صريحٌ في وَصف نُعَيْمٍ بذلك، وقد قالَ (ن): إنَّه صفَةُ لأبيه عبدِ الله، ويُوصَف به نُعَيمٌ مَجازًا.
ورُدَّ باحتمالِ أن كلًّا منهما كان يُجَمِّر، أي: يُبَخِّر، وسيأتي في
(1)"باب" ليس في الأصل.
نوع الأسماء فيه زيادةُ بَيان (1).
(رقيت) بكسر القاف، أي: صَعَدتُ، وفي "المَطالِع" حكايةُ فتحِها بِهمزٍ ودونَه.
(المسجد) أي: مسجدِ النبيّ صلى الله عليه وسلم.
(توضأ، قال)؛ أي: فتوضَّأ وقَالَ، وكلٌّ منهما جوابُ سؤالٍ، كأنَّه قيلَ: ماذا فَعل؟ قال: توضَّأَ، قيلَ: وما قال؟ فقيلَ: قال: كذا وكذا، ولهذا لم يذكر واوَ العطفِ فيهما، وفي بعضِها:(فتوضَّأ).
(يقول) مجيئُه مضارِعًا بعد: (سمعتُ)، وهو ماضٍ؛ سبَقَ جوابُه مراتٍ، فإنه استِحضَارٌ للصُّورة الماضية، أو حكايةٌ عنها.
(أُمتي) المراد: أمَّةُ الإجابة، وهي: مَن آمَنَ به، لا أمَّةُ الدَّعوة، وهي: كلُّ من بُعِثَ إليهم، وأصلُ الأُمَّة: المُجتمِعَةُ على مَقصِد واحد، والمُراد: المُتوضِّئونَ منهم.
قلت: مَن جعله لكلِّ الأمَّة، مَن توضَّأ ومَن لم يتوضَّأ، يصيرُ مثلَ أهلِ القِبلة، لمن صلَّى ومَن لم يُصلِّ، حكاه الرُّمَّانيُّ في "شرح الرسالة"، وهو غريبٌ مُخالفٌ لظاهرِ الحديث.
(غُرًّا) جمع (أغَرّ)، والغُرَّةُ: -بالضم-: بياضٌ في جبهةِ الفَرس فوقَ الدِّرهم، شَبَّه به ما يكونُ لهم من النُّور في الآخرة، ويقالُ للأبيَضِ أيضًا: أغَرّ، وللشَّريف، وفلانٌ غُرَّةُ قَومِه؛ أي: سيِّدُهم.
(1)"بيان" ليس في الأصل.
(محجلين)، التَّحْجيلُ: بَياضٌ في قَوائمِ الفَرس، أو في ثلاثٍ منها، أو في رِجلَيه، قَلَّ أو كَثُر، بعدَ أن يُجاوِزَ الأرساغَ، ولا يتجاوزُ الرُّكبَتين والعُرْقُوبَين، فيقالُ: مُحجَّلُ الأربعِ أو الرِّجلَين أو اليُمنى أو اليُسرى كيفما قُدِّر، ولا يُسمَّى ما كانَ بيدٍ أو يدَين تَحجيلًا؛ ما لم يكُن معه تحجيلٌ في رِجل أو رِجلَين.
وانتصابُ (غُرًّا محجَّلين) على الحال، أي: يُدعَون إلى يومِ القيامَة وهم بِهذه الصِّفة، فيكونُ متعدِّيًا بـ (إلى) نحو {يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ} [آل عمران: 23]، أو مَفعولًا ثانيًا لِـ (يُدعَونَ)؛ بمعنى: يُنادَون على رُؤوس الأشهادِ بذلك، أو بمعنى: يُسمَّونَ بذلك.
ففي الحديثِ استِحبابُ تطويلِ الغُرَّةِ بغَسلِ شيءٍ من مُقَدَّم الرَّأس، وما يجاوزُ الوَجهَ زائدًا على الواجِبِ.
والتَّحجيلُ: غَسلُ ما فَوق المِرفَقَين والكَعبَين، ولا تحديدَ في قَدرِه على الرَّاجح، وفي وَجهٍ: إلى نِصفِ العَضُدِ والسَّاق، وفي ثالثٍ: إلى المَنكِبِ والرُّكبَة.
وأمَّا قولُ (ط): إنَّه لا يستحَبُّ لحديث: "مَن زادَ على هذا أو نَقَص"؟ فمَردودٌ بأنَّ ذلك في عددِ الغَسْل.
قيلَ: وفيه دليلٌ على اختصاصِ الوُضوء بِهذه الأُمَّة، ورُدَّ بحديث:"وُضُوئي ووُضُوءُ الأنبياءِ قَبلِي"، ولا خُصوصِيَّةَ لهذه الأُمَّة إلا بالغُرَّة والتَّحجيلِ فيه، لكنَّ الحديثَ ضعيفٌ، ولو صَحَّ احتَملَ أنَّ المرادَ الأنبياءُ دونَ أمَّتهم، لكنَّ حديثَ جُرَيجٍ الآتي:(أنَّه توضَّأ)؛ صريحٌ أنَّه