الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي صلى الله عليه وسلم وعده للعبَّاس.
(ثم خرج) هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وهو أنَّه لا ينتقض وُضوءه بالنوم مضطجعًا، أو على تقدير: ثم توضأ، ثم خرج، أو أن الغطيط ليس من النوم الناقض.
قال البَغَوي: في الحديث جواز الجماعة في النافلة، والعمل اليسير في الصلاة، والصلاة خلف من لم ينو الإمامة.
قلت: نيتها قد تقع في الأثناء، بل قيل: إنَّه لا يتصور إلا كذلك، كما أشار إليه صاحب "البيان" من أصحابنا وغيره، انتهى.
وفيه: أن صلاة الليل أحد عشرة ركعة، ورواية الشك مع التنبيه على الشك.
* * *
42 - بابُ حِفْظِ الْعِلْمِ
(باب حفظ العلم)
118 -
حدثنا عَبْدَ العَزيزِ بنُ عبدِ اللهِ قالَ: حدَّثني مالكٌ، عن ابنِ شهابٍ، عنِ الأَعْرجِ، عن أبِي هُرَيْرَةَ قال: إنَّ النَّاسَ يقولونَ أَكثَرَ أَبو هُريرةَ، ولولا آيتانِ في كتابِ اللهِ ما حَدَّثْتُ حَدِيثًا، ثُمَّ يتْلُو:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} [البقرة: 159 - 160]، إنَّ
إِخْوَانَنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّ أبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشِبَعِ بَطْنِهِ، وَيَحْضُرُ مَا لَا يَحْضُرُونَ، وَيَحْفَظُ مَا لَا يَحْفَظُونَ.
(م ت).
(أَكثر)؛ أي: من رواية الحديث، وهو حكاية كلام الناس، وإلا لقال: أكثرت.
(ولولا) إلى آخره، هو بقية كلام أبي هريرة.
(ما حدثت) حذف اللام من جواب (لولا) جائزٌ.
(ثم يتلو) هو بقية كلام الأَعرج، وذكر المضارع استحضارًا لصورة التلاوة، وفي بعضها:(ثم تَلا)، والمراد: لولا أن الله ذمَّ كاتم العِلْم لَمَا حدثتكم، فإن كتمان العلم حرام، فلذلك ذكرت ما عندي وإنْ كان كثيرًا.
(إن) ترك العاطف؛ لأنَّه جملة استئنافية، كالتعليل للإكثار، جوابًا للسؤال عنه.
(إخواننا) إنما لم يقل: إخوانه، قصدًا للالتفات، وجمعه ولم يقل: إخواني، قصدًا لإدخال نفسه وغيره، والمراد هنا إخوة الإسلام.
(يشغلهم) بفتح أوله وثالثه، وحُكي ضم الأول، وهو غريبٌ.
(الصفق) كُنِّي به عن التبايُع؛ لأنَّهم كانوا يضربون فيه يدًا بيد للمعاقدة.
(بالأسواق)؛ أي: في الأسواق، والسوق يذكر ويؤنث، سمي بذلك لقيام الناس فيه على سوقهم.
(العمل في الأموال)؛ أي: الزراعة.
(لشبع) في نسخة: (بشبع) بالباء، ومراده أنَّه يقتَنع بالقُوت، لا يتجِر ولا يزرع، فيلازم الحضور، فيحفظ ما لا يحفظون.
(ويحضر) إشارةٌ إلى المشاهدات.
(ويحفظ) إشارةٌ إلى المسموعات، فالفعلان إما بالنصب عطفًا على (لشبع)، أو بالرفع عطفًا على (يلزم)، أو حالٌ.
واعلم أن هذا لا ينافي قوله أولًا: (ما أحدٌ أكثَر حديثًا من ابن عمرو)؛ لأن المراد أنَّه كان أكثر تحملًا، وأبا هريرة أكثَر روايةً، وإنما كان ابن عمرو أكثر تحمُّلًا، وهو داخلٌ في المهاجرين؛ لأنَّه كان يكتب، فكثُر باعتبار كثرة كتابته.
قال (ك): فيه حفظ العلم، والمواظبة على طلبه، وفضل أبي هريرة، وفضل التقلُّل من الدنيا، وإيثار طلب العلم على طلَب المال، والإخبار بفضل نفسه للضرورة.
قال (ك): وجواز إكثار الحديث، والتجارة، والعمل، والاقتصار على الشِّبَع، وربَّما وجب، أو نُدب باعتبار بعض الأحوال.
* * *
119 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَبُو مُصْعَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أنسَاهُ، قَالَ:"ابْسُطْ رِداءَكَ" فَبَسَطْتُهُ، قَالَ: فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "ضُمُّهُ"، فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نسَيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ.
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ بِهَذَا، أَوْ قَالَ: غَرَفَ بِيَدِهِ فِيهِ.
(أحمد بن أبي بكرة) في بعض النُّسَخ: (هو أبو مُصعَب)، فهو كنية أحمد.
(يا رسول الله)، في بعضها:(لرسول الله).
(ابسط) كأنَّه تمثيلٌ للمعنى بعالم الحس.
(ضمه) مثلث الميم، وقيل: لا يجوز إلا ضمها؛ لأجل الهاء المضمومة بعده، فجعل كالشيء الذي يغرف منه، وجعل الضم إشارة إلى ضبطه.
(أنساه) صفةٌ ثانيةٌ لـ (حديثًا)، والنسيان زوال علمٍ سابقٍ، أي: مع طول أمدٍ، بخلاف السهو، فإنَّه مع قِصَر.
قال (ك): النسيان: زوال عن الحافِظة والمُدرِكة، والسهو زوالٌ عن الحافظة فقط، والفرق بين السهو والخطأ: أنَّ السهو ما يُنبه صاحبه بأدنى تنبيهٍ.
(ضم) وفي نسخةٍ: (ضمَّه).
(شيئًا) عام في كل شيء؛ لأنَّه نكرة في نفي، ولا يختص في
الحديث، إلا أن يكون السياق يقتضي ذلك، ولهذا في بعض الروايات:(فمَا نسَيتُ مِن مقَالتِهِ شَيئًا).
(بعده)؛ أي: بعد الضم، وفي نسخةٍ:(بعدُ)، بلا إضافة، بل مبني على الضم لنيتها، وإنما لم ينس بعد ذلك، مع أنَّه من لوازم الإنسان، حتى إنَّه قيل: إنَّه مشتق من النسيان = ببركة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو معجزةٌ ظاهرةٌ.
ولا ينافي هذا ما سبق من أن ابن عمرو كان أكثر حديثًا؛ لضبطه بالكتابة؛ لاحتمال أن ذلك كان قبل هذه القصة، أو الاستثناء منقطع، أي: لكن عبد الله كان أكثر بالكتابة، وإنْ كنتُ أنا أكثر من حيث عدَم النِّسيان.
واعلم أنَّه يوجد في بعض النُّسَخ هنا: (حدثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا ابن أبي فديك بهذا، وقال: يحذف بيده فيه)، أي: زاد هذا القدر، والمعنى أنه حدثه بهذا الحديث، والظاهر أن ابن أبي فديك يرويه أيضًا عن ابن أبي ذِئْب، فيتفق معه إلى آخِر الإسناد الأول، مع احتمال روايته عن غيره.
* * *
120 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وِعَاءَيْنِ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثُتُهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثُتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ.
(أخي) هو عبد الحميد بن أبي أُوَيْس الأَصْبَحي.
(وعاءين) تثنية: وِعاء، بالكسر، والمدِّ، وهو الظرف الذي يُحفظ فيه الشيء، وأطلق المَحلَّ على الحالِّ، إذ المراد نوعان من العلوم، أو أنَّه لو كتب لكان في وعاء.
(بثثته)؛ أي: نشَرته، والمضارع: أَبثُّه -بالضم-.
(البلعوم) بضم المُوحَّدة: مَجرى الطعام، وهو المريء، وفوقه الحلقوم، وهو مجرى النفس.
وقال (ط): البُلْعوم: الحُلْقوم، وهو مجرى النفس إلى الرئة، والمريء: مجرى الطعام والشراب إلى المعدة.
قال: والمراد من الوعاء الثاني: أحاديث أشراط الساعة، وما يتعلق بفساد الدين، وتغير الأحوال، وتضييع حقوق الله تعالى، كحديث:"يكُون فيهِ فَسادُ هذا الدِّين على يَدي أُغَيْلِمةٍ سُفَهاءَ مِن قُرَيش"، وكان أبو هريرة يقول:(لو شئتُ أَنْ أُسميَهم بأسمائهم)، فخَشي على نفْسه، فلم يُصرِّح، وكذا ينبغي لمن يأمر بالمعروف إذا خاف في التصريح يُعرِّض، ولو كان ما لم يحدِّث به يتعلق بالحلال والحرام لمَا وَسِعَه كتْمُه للآية.
وقيل: الوِعاء الثاني هو ما يتعلَّق بالفتن، وتعيين المنافقين، والمرتدين، ونحو ذلك.
قال (ك): إن مدار استدلال الصوفية على هذا الحديث، فإنَّهم يقولون: أبو هريرة عريف أهل الصُّفَّة، الذين هم شُيوخنا في الطريقة،