الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
21 - باب لا يُستنْجَى بِرَوْث
(باب لا يستنجى بروث): في بعضِها إسقاطُ الباب، وذُكر الحديثِ مع حديث أبي هريرةَ الذي قبلَه.
156 -
حَدَّثَنَا أبو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زهيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: لَيْسَ أَبو عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ وَلَكِنْ عَبْدُ الرَّحمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ: أنَّهُ سَمعَ عَبْدَ اللهِ يَقُولُ: أتى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الغَائِطَ، فَأَمَرَني أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحجَارٍ، فَوَجَدتُ حَجَرَيْنِ، وَالتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَم أَجِدهُ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً، فَأَتَيْتُهُ بِها، فَأَخَذَ الحَجَرَيْنِ وَألقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ:(هذَا رِكْسٌ).
(س ق).
(زهير) هو ابنُ معاويةَ الجُعْفِيُّ، (عن أبي إسحاق) هو السَّبيعِيُّ، قال أحمدُ: إنَّ في روايتَه عنهُ لِيْنٌ، لكونه ما سَمع منه إلا بأخَرَةٍ، فلعلَّه بعدَ اختِلاطِه.
والإسنادُ كلُّه كوفيُّون، وفيه ثلاثةٌ من التَّابعين.
(قال: ليس أبو عبيدة ذكره)؛ يعنِي: أبا عبيدة عامرَ بنَ عبد الله بنِ مسعود، وسيأتي في الأسماء أنَّه قيلَ: إنَّ اسمَه كنيتُه، وإنَّ الكثير سَمَّوه بذلك، وهو: أخو عبدِ الرَّحمن.
قال أحمدُ: وكانَ يُفَضَّلُ عليه.
وذكره أبو داودَ عن شعبةَ: أنَّ أباه ماتَ وعمرُه سبعَ سنين، لكنْ قال ابن التِّين: خمس، وأنَّه لم يَسمع من أبيه شيئًا، ولكنَّ الطبرانيَّ في حديثٍ قال: إنَّه سَمع منه، فأرادَ أبو إسحاقَ بِهذا أنَّه ما حدَّثه به، وإنَّما حدثَه عبدُ الرحمن بنُ الأسود، عن أبيه، عن ابنِ مسعود، فيصيرُ السَّند هكذا: أبو إسحاق عن عبدِ الرَّحمن
…
إلى آخره؛ على أنَّ الترمذيّ أخرجَه عن إسرائيلَ عن أبي إسحاقَ عن أبي عُبيدَة عن عبد الله، وكذا رواه قيسُ بنُ الرَّبيع عن أبي إسحاقَ عن أبي عُبيدَة، وذَكَر رواياتٍ، ثم قالَ: والحديثُ فيه اضطِرابٌ.
قال: وسألتُ البخاريَّ: أيُّ الرَّواياتِ في هذا عن أبي إسحاق أصحُّ؟ فلم يقضِ فيه بشيءٍ، فكأنَّه رأى حديثَ زهيرٍ عن أبي إسحاقَ عن عبدِ الرَّحمن بنِ الأسود عن أبيه عن عبد الله أشبهَ، ووَضَعه في "الجامع".
قال: وأصحُّ شيءٍ عندي حديثُ إسرائيلَ، أي: السَّابق؛ لأنَّ إسرائيلَ أثبتُ وأحفظُ لحديثِ أبي إسحاقَ من هؤلاءِ، وزهيرٌ فيه ليس بذاك، لأنَّه سَمعَه بأَخَرَةٍ، وأبو عبيدةَ لم يسمع من أبيه، انتهى.
قال (ك): كيفَ يقولُ ذلك مع قوله في حديثِ إسرائيلَ: إنَّه أصحُّ؛ مع أنَّه عن أبي عبيدة عن أبيه؟ فتعيَّن أنَّ الأصحَّ ما في البخاريّ، وأمَّا كونُ زهيرٍ سمع من أبي إسحاق بأَخَرَةٍ، فلا يقدَحُ فيه لثُبوتِ سَماعه منه هذا الحديثَ قبلَ الاختِلاطِ بطُرُقٍ متعدِّدة.
قلت: وبعضُهم حَمَل قولَ أبي إسحاق على معنَى: أنَّه لم يسمعْه
منه وحدَه؛ بل سمعه من غيرِه أيضًا، وهو حَسَنٌ؛ لِمَا سبق من الرواياتِ في الترمذيّ عنه عن أبي عُبيدةَ عن أبيه.
وكذا رواه الطَّبرانيُّ عن يونسَ بنِ أبي إسحاقَ عنه، وغيرُه، حتَّى قال أبو زُرْعَةَ: الصَّحيحُ عندي حديثُ أبي عُبيدةَ عن أبيه، وبذلك يَندفعُ من جَعَل هذا من أبي إسحاقَ تَدليسًا خَفِيًّا، حيث قال:(لم يحدثني أبو عُبيدَة، ولكنْ عبدُ الرَّحمن)، ولم يقُلْ:(حدَّثني عبدُ الرَّحمن)، وهو عجيبٌ! فإنَّ قولَه:(ولكنْ عبدُ الرَّحمن)، أي: ولكنْ حدَّثني، وهذا ظاهرٌ لا خَفاءَ به، بل صرَّح بأنه حدَّثه في حديثِ البخاري السَّابق عن إبراهيمَ بنِ يوسفَ عن أبيه عن أبي إسحاقَ عنه.
وإنَّما أطَلتُ في (1) هذا، وإنْ لم يكُن في (ك) و (ش)؛ لمَحلِّ الحَاجَة.
(الغائط)؛ أي: المَكانَ المُطمئِنَّ لقَضاء الحَاجة كما سبَق.
(أن آتيه)، (أَنْ): مَصدرَّية، بخلافِ:(أن اِفعلْ) بالأمر؛ فإنَّه يحتَمِل التَّفسيريَّة أيضًا.
قلتُ: بل أبو حيَّانَ يَمنع (أن) تُوصلَ أن المصدرَّيةُ بفِعل الأَمر، وَيرُدُّ ما وَرَد من ذلك إلى (أَنْ) التَّفسيريَّة، ويؤوِّلُ كلامَ سيبويهِ في حكايتِه:(كتبتُ إليه بأَن قُم)؛ على أنَّ الباءَ زائدةٌ.
(بثلاثةِ أحجار) دليلٌ على اعتبارِ الثَّلاثة، وإلا لَمَا طلَبها، وصرَّح
(1)"في" ليس في الأصل.
به في حديثِ سلمان (1) في مسلم: (نهانا أَنْ نستَنجِيَ بأقلَّ من ثلاثةِ أحجَارٍ)، وكذا حديثِ أبي هريرة:(ولا يَستنجِ بدونِ ثلاثةِ أحجَارٍ).
(فأتيته بِها)، أي: بالثَّلاثة.
(هذه)؛ أي: الرَّوثَة، وفي بعضِها:(هذا)، لأَجل أنَّ الخبَر يذكَّر كما في {هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 76].
قال التَّيمِيُّ: الرَّوثة إنَّما تكونُ للخَيل والبِغَال والحَميرِ.
(ركس) بكسر الرَّاء: الرَّجيعُ، لكونه يَرجِعُ من حالِ الطَّهارة إلى حالِ النَّجاسة، ويُروى:(رجس)، بمعنى: نَجِس، أو نحو ذلك، وقال النّسائي في "سننه الكبرى":(الرَّجيع): طَعامُ الجِنّ.
وقال (ط): (الرِّكس): يُمكِنُ أن يُرادَ به الرِّجس، ولم أجدْ لأهلِ النَّحو شرحَ هذه الكلِمَة.
قال: وذهبَ مالكٌ، وأبو حنيفة إلى أنَّ دونَ ثلاثةِ أحجار (2) كافٍ في الاستِنجاء حيثُ وُجِدَ الإِنقاءُ، فالمَدارُ عليه لا على عَدد.
قال الطَّحَاوِيّ: يدلُّ عليه أنَّه صلى الله عليه وسلم قعَدَ في مَوضعٍ لا أحجارَ فيه، بدليلِ طلبِ ثلاثةِ أحجار، فلمَّا أُتِيَ بحجَرين وأخذَهُما دلَّ على الاكتِفاء بِهما، وإلا لَطَلب ثالثًا، وأُجيبَ باحتِمال حضور ثالثٍ، ولكنْ لم يَعلم، فطَلَبَ الثَّلاث، فلمَّا عَلِمَ اكتَفى بالحَجَرين معه.
(1) في الأصل: "سليمان" والمثبت من "ف" و"ب".
(2)
"أحجار" ليس في الأصل.
وقال ابنُ القَصَّار: وردَ في بعضِ الآثارِ التي لا تصِحُّ (أنَّه أتاه بثالث)، قالَ: وعلى كلا الأَمرين هوَ دليلٌ لنا، لأنَّه اقتصَر للمَوضِعَين: القُبُل والدُّبُر على ثلاثة، فيحصُلُ لكل منهما أقلُّ من ثلاثة.
قال: ويُحتَمَل أنه أرادَ بذكرِ الثَّلاث أنَّ الغالِبَ وجودُ الإنقاءِ بِها، أو الثَّلاثةُ استحسانٌ فيه أيضًا، فالاستِنجاء مَسحٌ، والمَسحُ لا يوجِبُ تَكرارًا، بدليلِ مسحِ الرَّأس والخُفِّ أيضًا، فهي نَجاسَةٌ عُفيَ عن أثَرِها؛ فوَجَب أن لا يجبَ تكرارُ المَسح بِها.
قال (ك): في بعض الأحاديثِ: أنَّه أمر عبدَ الله بإحضار ثالثٍ، فلم يكتَفِ بالاثنين، أو أنَّه اكتَفى في طلب الثَّالث بالأمرِ الأوَّل بإحضَار الثَّلاث، أو اكتَفى في المَسْحَات الثَّلاث بأطرافِ الحَجرين عن ثالثٍ، وأما احتمالُ مَسْحِ المَوضِعَين؛ فقد يُمنعُ باحتِمال أنَّ الحاجَة في أحدِهما فقط، أو أنَّ مَسحَ الأرضِ يكفي في القُبُل، فالثَّلاثةُ للدُّبُر، وأمَّا القياسُ على المَسح للرَّأسِ والخُفِّ؛ فقولٌ بالرَّأيِ مع وجودِ النَّص، ومثلُه يُسمَّى في الأصولِ: فسادَ الاعتِبارِ.
(وقال إبراهيم بن يوسف) هي متابعة ناقصةٌ، ذَكَرها تعليقًا على أنَّ إبراهيمَ هذا مُتَكَلَّمٌ فيه كما سيأتي في قِسمِ الأسماء، وأنَّ يحيى قال: إنَّه ليس بشيءٍ، والنَّسائي: إنَّه ليس بالقويّ، لكنْ يُغتَفَرُ مثلُه في المُتابعةِ، ولم يوجد في كثيرٍ من النُّسخِ ذكرُ هذه المُتابعةِ، وقال بعضُ العَصريين: إنَّه لم يجِدها في روايةٍ.
* * *