الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيلَ في الفَرق أيضًا: إنَّ الأماكِنَ قد تضيقُ في البُنيانِ عن تَحريفِ الكَنيفِ، أو أنَّها مأوى الشَّياطين لا الملائكة، كذا قال (ك)، وفيه نَظَر!
وقال (خ): الفَضَاء: موضِعُ الصَّلاة، ومُتَعَبَّدُ المَلائكَة، والإنسِ، والجنِّ، فالقاعدُ مُستقبلًا أو مُستدبرًا مُستهدَفٌ للأَبصار، بخلافِ الأبنيةِ السَّاترةِ للأبصَار.
قلتُ: فيه نَظَر! لأنَّ الملائكةَ لا تُحجَبُ بجُدُر.
قال: أو أنَّ استبناءَها مُعَدُّ للصَّلاة وللدُّعاء، فلا يَتوجَّه إليها عندَ الحَدَث، وإذا ولاها ظهرَه تكونُ عورتُه أيضًا بإزائِها، وكان أبو أيوبَ يُعمِّمُ النَّهيَ في الصَّحراء والبُنيانِ، وهو مذهبُ أحمدَ في روايةٍ، وأبي ثَور. وابنُ عمرَ يُخصِّص بالصَّحراء، وهو مذهبُ الشَّافعي، ومالكٍ، لأنَّ فيه الجمعَ بين الأحاديث.
وقال داودُ: يحرمُ فيها جميعًا. وقيلَ: يجوزُ الاستدبارُ لا الاستقبالُ، وهي رواية عن أبي حنيفةَ، وأحمدَ.
* * *
12 - بابُ مَنْ تَبَرَّزَ عَلَى لَبِنَتَيْنِ
(باب من تبرَّزَ على لبنتين): التبرُّزُ كنايةٌ عن قَضاء الحاجَة في البَرَاز بفتح الباء، وهو الواسِعُ من الأَرض، واللَّبنةُ فيها الأوجُه الثَّلاثة
في نحو (كَتِف)، فلو كان ثانيهِ حَلْقيًّا جازَ فيه رابعةٌ، وهي: إتباعُ الفاءِ للعَين.
* * *
145 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ ناَسًا يَقُولُونَ: إِذَا قَعَدْتَ عَلَى حَاجَتِكَ، فَلَا تَسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ وَلَا بَيْتَ المَقْدِسِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: لَقَدِ ارْتَقَيْتُ يَوْمًا عَلَى ظَهْرِ بَيتٍ لَنَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى لَبِنتَيْنِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ المَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ، وَقَالَ: لَعَلَّكَ مِنَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ، فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي وَاللهِ، قَالَ مَالِكٌ: يَعْنِي الَّذِي يُصَلِّي وَلَا يَرْتَفِعُ عَنِ الأَرْضِ، يَسْجُدُ وَهُوَ لَاصِقٌ بِالأَرْضِ.
(ع).
في سنده ثلاثةٌ تابعيُّون يروِي بعضُهم عن بعضٍ.
(أنَّه كان يقول: إن ناسًا
…
) إلى آخره، أو أنَّ واسِعًا قالَ ذلك، وجَعلَه (ط) من قَولِ ابنِ عمرَ، ولكنَّ السِّياقَ لا يُساعدُه؛ قاله (ك).
وليس بشيءٍ، بل الصَّوابُ أنَّه من قَول ابنِ عمرَ كما صرَّح به مسلمٌ في روايته.
قال (ط): وقد رواه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مَعْقِلٌ الأسديُّ: (أنَّه نَهى أن
تُستقبلَ القِبلتانِ بغائطٍ أو بَولٍ).
نعم قال أحمدُ: إنَّ حديثَ ابنِ عمرَ ناسخٌ للنَّهي عن استقبالِ بيتِ المَقدسِ، واستدبارِه.
(المقدس) فيه فتحُ الميمِ وسكونُ القافِ وكسرُ الدَّال مُخفَّفةً، وضمُّ الميمِ وفتحُ القاف وتشديد الدَّال مفتوحةً، لغَتان مشهورتان، الأُولى على إرادةِ المَصدرِ أو المَكان، أي: بيتُ المَكان الذي جُعِلَ فيه الطَّهارةُ، أو بيتُ مكانِ الطَّهارة، والثَّانية بمعنَى: المُطَهَّر، وذلك إخلاؤُه من الأصنَام، وإنقاذُه منها، أو من الذُّنوب، ثم إنَّه من باب إضَافةِ المَوصوفِ إلى صفتِه، كمَسجِدِ الجَامعِ.
(لقد): جوابٌ لقَسَم محذوف، (ارتقيت)؛ أي: صَعِدتُ، (على لبنتين): حالٌ من مفعولِ (رأى)، (مستقبلًا): حالٌ كذلك، أو من ضميرِ الحال الأولى، فتكونُ مُداخَلَة، أي: رأى ذلك من غيرِ قَصدٍ، وإنَّما كانت مِنه التِفاتةٌ، كمَا لا يَتعمَّدُ شُهودُ الزِّنا رؤيتَه، ولكنْ لمَّا وقعَ بصرُهم عليه شَهِدوا به، أو أنَّه قصَد رؤيةَ ما يجوزُ، فرأى رأسَه فقط، لكنْ دلَّه ذلك على كيفيَّه قُعودِه.
(وقال) أي: ابنُ عمرَ يخاطِبُ واسِعًا.
(على أوراكهم) جمع (وَرِك)، وكنَّى بذلك عن الجَاهلين؛ لأنَّ السُّنة في السُّجودِ التخوية -أي: لا يُلصقُ الوَرِكَ بالأَرض- فمَن فعَلَ ذلك فهو جَاهلٌ بالسُّنة، ولو لم يكنْ من هؤلاءِ لعَرَفَ جوازَ استقبالِ بيتِ المَقدِس، ولم يلتَفِت إلى قَولِهم.